تمر اليوم الذكرى العاشرة على اندلاع ثورة 30يونيو، التي خرج فيها الشعب المصري غاضبًا ومنددًا بسلوك جماعة الإخوان الإرهابية، التي عززت الفرقة والانقسام الداخلي بين صفوف الشعب، ونشرت خطابًا معاديًا تجاه معارضيها ومنتقديها، كما دعمت أجواء تنامي الطائفية الدينية، في الوقت الذي عملت فيه بدأب للسيطرة على مفاصل ومؤسسات الدولة وتحويلها إلى "ولاية" تابعة في قرارها لقوى خارجية.
طوال تاريخها الحركي والفكري عملت جماعة الإخوان على تربية أعضائها وعناصرها على منهج يتسم بالعنف والإقصاء تجاه الآخر المخالف لها، ولأنها تدرك جيدا حتمية اللحظة التي ستأتي ويحدث فيها الصدام بينها وبين خصومها والرافضين لسلوكها والثائرين عليها، فإنها استعدت بتربية عناصرها فكريا وجسديا لهذه اللحظة، فزرعت فيهم الاستعداد لمواجهة قادمة تحمل اسم مواجهة أعداء الدين، أو "الذين يشاققون الله ورسوله"، بمعنى أنهم أنزلوا كل الخصوم منزلة الكفار والمشركين المعاندين للنبي الكريم ولرسالته السمحة.
ورثت الجماعة الإرهابية هذا النهج عن الداعية الهندي أبي الأعلى المودودي الذى أوصى في مؤلفاته بضرورة تنمية الروح الجهادية والقتالية مع العناصر منذ مرحلة الطفولة، مؤكدا أنها تأتي بنتيجة جيدة، وأنها بمثابة "المخزون الفعلي للطاقة الإسلامية من الأشبال الذين هم حراس العقيدة وحمادة الديار" بحسب تعبيره، وهكذا يتم إعداد الأطفال وتنمية الروح القتالية فيهم من أجل حماية العقيدة وحراستها، أي أنه يتم غرس اعتقاد أن هناك خطرا مرتقبا يحيط بالعقيدة ولابد من الاستعداد له، وفي أوقات معينة يتم توجيه هذه الطاقة المجهزة سلفا لحماية العقيدة لأغراض خبيثة وماكرة تفضي في النهاية لهدم الديار واستباحة العقيدة، وهو ما ظهر جليا في الأزمة السورية بعدما حولتها الجماعات إلى ساحة حرب لا يأمن المواطن فيها على نفسه.
شاهد العالم أيضا مسيرات عرفت باسم "مشروع شهيد"، نظمتها الجماعة الإرهابية لأطفالها في أعقاب ثورة 30 يونيو، وهي مسيرات لأطفال يرتدون الأكفان ويرفعون شعار "شهيد"، بينما راقب العالم في منطقة أخرى، العراق مثلا، عندما احتجز تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الإرهابي مجموعة من الأطفال، فوق سن العاشرة، في المناطق التي استولوا عليها أبرزها قضاء سنجار بالعراق، أغسطس 2014، ثم أخضعتهم لجلسات تثقيف و"مسح عقل" ثم تجنيدهم للقتال في الجبهات الأكثر اشتعالا.
كي تتمكن الجماعة الإرهابية من إنتاج أطفال صالحة لمشروعها المتطرف، حرصت على تمييع دور المرأة وحصره في الإنجاب وتربية الأطفال لخدمة مشروع الخلافة الذي أعلن عن حقيقته تنظيم داعش الإرهابي، ليس هذا فقط بل غرست فيها أفكارا هدامة ومناقضة للحضارة والإنسانية مثل عدم المشاركة في الوظائف والأعمال، ويجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الموقف تم تعديله واللعب عليه لصالح الجماعة، ففي أدبيات الجماعة التي سجلها المودودي مُلهم الجماعات، وسيد قطب مُنظر التطرف، نجد رفضًا للخروج إلى سوق العمل ومشاركة المرأة للرجل في الحياة العملية، أما في الكتابات المشابهة لزعيم الإخوان في تونس راشد الغنوشي نلاحظ تعديلا في هذا الموقف، فهو يتيح للمرأة الخروج للعمل بهدف السيطرة على المؤسسات، ووضع أفراد تابعين له في مكان ينجح في الوصول إليه، وعدم ترك المجال لغير المنتميين للجماعة.
لفتت الكاتبة رباب كمال إلى وقوف جماعة الإخوان ضد أفكار تحرير المرأة التي تضر بفلسفة تهيئة المرأة لإنجاب جنود المستقبل، في كتابها "نساء في عرين الأصولية" قائلة، إن الكثير من الناس داخل مصر أو خارجها وحتى بعض المنتمين للتيارات الليبرالية في ببلادنا لم يدركوا فلسفة تشجيع الإخوان للمواطنات المسلمات بشكل عام والأخوات المسلمات بشكل خاص على الإنجاب، الأمر لم يكن فحسب اتباع لسنة نبوية هدفها التباهي بأعداد المسلمين يوم القيامة، بل كان هناك هدف استراتيجي آخر دنيوي وهو السيطرة عدديا على مقدرات البلاد التي يعيشون فيها أو بالأحرى غزو البلاد بآلة الإنجاب. ونقلا عن كتاب للجماعة بعنوان "الأخوات المسلمات وبناء الأسرة القرآنية"، أوضحت "كمال" أنه لا يجوز للإنسان أن ينظم النسل وأن هذا أمر يتنافى مع مقاصد الشريعة والتي من غايتها "تكثير النسل"، وحث المسلمات على كثرة الإنجاب كان سببه حاجة المسلمين للتوالد والتكاثر لأنهم سيواجهون حروبًا يتساقطون فيها.
وهكذا، تستغل الجماعة النساء في إنجاب الأطفال بهدف غزو الخصوم والتفوق عليهم عدديًا، والاستعداد لحروب مستقبلية، هذه الحروب باتت واضحة وجلية بعدما أطلقوها مع أول شعور بوهن الدول المقيمين بها وضعف السيطرة الأمنية.
في سوريا، فرض المسلحون المنتمون لجماعات إسلامية متطرفة على صلات وثيقة بجماعة الإخوان، نظامًا صارمًا على المناطق التي سيطروا عليها فمنعوا النساء من قيادة السيارات وتحرشوا باللواتي لا يرتدين الزي الإسلامي، حيث تعرضت النساء والفتيات للبيع وللزواج القسري وللبغاء المؤقت. وبعد هزيمة هذه التنظيمات الإرهابية واحتجاز عوائلها في مخيمات تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، فإن نساء داعش قمن بالتواصل مع أعداد كبيرة من المتعاطفين مع "تنظيم الدولة" بهدف التجنيد أو الحض على ارتكاب عمليات متنوعة في بلادهم. وذلك وفقا لشهادة "هايدي دي باو" المديرة العامة لجمعية "تشايلد فوكوس" التي زارت مخيم الهول السوري ثلاث مرات خلال عامين (2020- 2021)
ولاحظت أيضا مديرة الجمعية، أن داعش تولي اهتمامًا كبيرًا لإنجاب الأطفال حيث تقوم داعش بتزويج المراهقات والفتيات في سن مبكرة بهدف إنجاب الأطفال. كما أن النساء يقتربن من رجال عراقيين وسوريين وأيضا من الحرس الأكراد وعاملين في منظمات غير حكومية لغوايتهن، في صورة أشبه بممارسة الدعارة بهدف الحصول على أطفال.
في كلمته التي قالها خلال فعاليات مؤتمر إطلاق وثيقة حقوق الإنسان (سبتمبر 2021)، أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي أن اتساع الهوة ما بين العقول المنظرة والقاطرة للبلاد وما بين الجماهير على أرض الواقع يدفع لحدوث كوارث.
وقال الرئيس السيسي، إن الشعوب في العام 2011 تحركت وفق خطط تنظر لمستقبل البلاد، لكنها كانت خطط لا تتوافق مع واقع المجتمعات، فكانت النتيجة تهدم البلاد.. والآن أتساءل إلى أين وصلت هذه الشعوب؟ وماذا كان مصيرها؟ إحدى هذه الدول أصبح لها 16 مليون لاجئ، منهم 2 مليون في الأردن، 2 مليون في لبنان، ومثلهم في تركيا، وبالداخل معسكرات لاجئين لـ10 مليون إنسان.
متسائلا، ترى، ماذا سيكون شكل هذه الأمة بعد حرب استمرت لعشر سنوات؟ بمعنى أن الطفل صاحب الست سنوات أصبح شابًا عمره 16 سنة، وأذكر لكم قصة عن أحد معسكرات اللاجئين في هذه البلد، فيه يتم تزويج الأطفال بهدف إنجاب المزيد من الأطفال لتجنيدهم فيما بعد وتحويلهم لأدوات للقتل والتدمير. فهل كان منظرو الدولة في 2010 يتخيلون أن يكون مصير هذه الأمة هو ما يجري الآن؟ هل كانوا يتوقعون تشكيل أجيل وأجيال من المتطرفين والإرهابيين سوف يستمرون في تخريب هذه المنطقة من 50 إلى 100 سنة قادمة.
في النهاية، يمكن القول إن هذه الأدبيات والأفكار التخريبية التي نشرتها الجماعة الإرهابية وعززت تواجدها بين الشباب وبين الأطفال، خلقت واقعا سوداويا اجتاح المنطقة العربية، إلا أن الشعب المصري تصدى لزحف هذه الجماعة الإرهابية وكشف زيفها ومؤامراتها واستطاع بحكمة وبصيرة أن يفلت من مصائر مرعبة أحاطت ببعض البلاد العربية، وفتح بابًا أمام فضح عنف ودموية جماعة الإخوان الإرهابية التي سقطت سقوطا مدويا زلزل وجودها بعد ثورة الثلاثين من يونيو.
سياسة
في الذكرى العاشرة.. 30 يونيو ثورة تصدت لاغتيال الطفولة واستغلال المرأة
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق