الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

سكت الكلام.. والسمسمية «اتكلمت»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

لن تذهب الواقعة إلى دهاليز النسيان، لأنها طازجة لم يتعد عمرها السنوات العشر.. في يناير ٢٠١٣ أصدر المعزول مرسي قرارًا بفرض حظر التجول بعد التاسعة مساءً في مدن القناة، وكان لشعب المدن الثلاث قرار آخر، استعاد تاريخ آبائه وأجداده عندما قاوموا العدوان بالغناء والبهجة والعزف على السمسمية، وبالفعل جاءت التاسعة وانطلق المتظاهرون بهتاف (مرسي يا لاسعة.. إحنا الساعة تسعة).
درس قريب يفتح معنا أشجان الذكريات مع ثلاث فرق في المحافظات الثلاث.. فرقة شباب النصر في بورسعيد وفرقة الصامدين في الإسماعيلية وفرقة أولاد الأرض في السويس.. ربما مر على تأسيسها أكثر من ستين عامًا ولكن أثرهم باق مادام على هذه الأرض ما يستحق الحياة.
غنى يا سمسمية 
لرصاص البندقية
وكل إيد قوية 
حاضنة زنودها المدافع
غنى للمدافع وللى وراها بيدافع
ووصى عبدالشافع 
يضرب فى الطلقة مية
غنى يا سمسمية.
أصحاب هذه الأغنية هم فرقة أولاد الأرض بالسويس وكاتب كلماتها هو قائد الفرقة الكابتن غزالي.. أولاد الأرض هي الفرقة الأشهر من بين الفرق الثلاثة ربما لعبت كاريزما غزالي دورًا في هذه الشهرة وربما زيارات عبد الرحمن الأبنودي وعلاقتهم بالفنان محمد حمام قد مهدت طريقهم نحو شهرة مستحقة، يقول بعض المؤرخين إن كابتن غزالي لم يكن الأول في اللجوء إلى السمسمية ولكن سبقه فنان محترف مازال اسمه يتردد بقوة عند الحديث عن آلة السمسمية ودورها الوطني وهو الفنان عبد الله كبربر، ولكن الكابتن غزالي كما قلنا رجل متعدد المواهب شاعر وعارف للسمسمية ومصارع وبسبب المصارعة سبق اسمه لقب كابتن.. لكل هذا كانت حركة غزالي التي تفيض وطنيةً وانتماءً حركة واسعة، لم يوقفه نقص الإمكانيات، ابتكر فكرة البطانية، بمعنى لا حاجة إلى مسرح أو منصة تكفي بطانية ميري يتم فرشها على الأرض وسط الجنود بعد النكسة لتبدأ السهرة ذات الوظيفة المحددة وهي رفع معنويات الجنود إلى سابع سماء.
لا حاجة إلى آلات إيقاع مثل الطبلة والدف.. يكفي جركن مياه فارغ ليضبط الإيقاع وتبقى السمسمية هي النجم الأوحد في السهرة عبر أوتارها الخمسة المصنوعة من السلك الصلب.
السمسمية آلة تأخد من المجتمع وتعطيه "السقفة" السويسي المشهورة كانت هي البداية والافتتاح ومن حماستها يدخل السلك مترنمًا ليصل مباشرة إلى القلوب.
لم تغب الإسماعيلية عن المشهد حيث دفعت بفرقة الصامدين إلى المقدمة ومن اسم الفرقة نعرف أن أعضاء الفرقة لم يغادروا المدينة وقت الهجرة وإنما عاشوا بين الجنود وماتبقى من أبناء المدينة.
تأسست فرقة الصامدين على يد عازف السمسمية الفنان عبده العثمللى.. ولكن استقرار الفرقة بالإسماعيلية لم يستمر طويلًا حيث هاجر مؤسسها العثمللى إلى الزقازيق ليضم إلى فرقته عددًا من الموهوبين الشراقوه وتبدأ جولاتهم في عموم مصر وبالذات في المحافظات التي يتمركز بها أكبر عدد من المهاجرين وذلك لربطهم روحيًا بمدينتهم الأم الإسماعيلية، لذلك شهدنا حفلات مهمة لفرقة الصامدين فى قرية المعتمدية بالمحلة الكبرى وفي الزقازيق وفي أسوان وفى طنطا ويذكر مؤرخو تلك الحقبة أن احتفالات طنطا نهاية ستينيات القرن الماضي استمرت أسبوعًا متواصلًا، وتوالت حفلاتها فى أنحاء مصر، لبث الحماس فى نفوس المصريين، كما نظم لها معهد الموسيقى العربية حفلًا كبيرًا وشارك معهم فى هذا الاحتفال الفنان محمد حمام صاحب الأغنية العمدة من بين الأغنيات الوطنية وهي أغنية يابيوت السويس.
وشاركت فرقة الصامدين أيضًا فى تأبين الشهيد عبد المنعم رياض فى ٩ مارس ١٩٦٩ بأغنية «يا رياض يا رمز الوطنية» كلمات الشاعر الراحل حافظ الصادق ولحن عبده العثمللى.
في بورسعيد وفى نهاية ١٩٦٩ تأسست فرقة شباب النصر.. معظم أعضائها عمال في ترسانة بورسعيد من الموهوبين المخلصين للوطن والفن وإلى جانب العمال كان ضمن الفرقة متطوعو الدفاع المدنى.
المهمة واضحة والدور مرسوم بإتقان مثلما صعدت أولاد الأرض في السويس والصامدين في الإسماعيلية، جاء الدور على شباب النصر في بورسعيد زيارات واحتفالات متوالية للبلاد التى هاجر إليها أبناء بور سعيد لرفع الروح المعنوية وزيادة الإرتباط بين أبناء منطقة القناة والقضية الوطنية.
تقول المصادر إن مؤسس فرقة شباب النصر هو الشاعر كامل عيد ليس كمؤلف للأغاني فقط ولكنه قام بتلحين معظم أغاني الفرقة.
وحتى لاتتعب عزيزي القارئ في البحث عن الشاعر الكبير كامل عيد، دعني اختصر لك المسافة، كامل عيد هو مؤلف الأغنية النادرة (طازة وعال يا أم الخلول) ويقال أن كامل عيد هو صاحب اللحن أيضا حيث استوحاه من صوت بائع أم الخلول.
وتبقى الصفحات مفتوحة مع آلة السمسمية التي رافقت من حفروا قناة السويس وعاشت معهم مأساتهم وصولًا إلى عام الإخوان الأسود الذي نظم فيه شباب الإسماعيلية وبورسعيد والسويس سهرات حتى مطلع الفجر غناءً ورقصًا وهتافًا ضد الإخوان وقرارهم بحظر التجول.. ومن ضمن الهتافات الفاصلة التي رددها الشباب هتاف (الحظر باظ.. الحظر باظ).
كل هذه العتبات الفاصلة في المدن الثلاث كانت تمهيدًا وحشدًا مؤكدًا لثورة جادة قالت كلمتها في ٣٠ يونيو ٢٠١٣، تلك الثورة التي ساندها جيش مصر العظيم لتعبر بنا من ظلام وتكفير وتخلف إلى نور التقدم والتنمية والازدهار.