مع انطلاق الشعاع الأول لضوء الشمس، تتعالى الأصوات داخل سوق الماشية، ويبدأ البيع والشراء خاصة للأضاحي مع اقتراب عيد الاضحى، حيث يجتمع التجار فى الساحة الكبيرة لعرض المواشى وجذب عرضها للبيع من قبل الزبائن، وخاصة الأضاحى التى تتواجد بأعداد كبيرة من مختلف الأوزان، فالجميع جاء هنا من أجل لقمة العيش سواء كان مربيًا أو تاجرًا أو سمسارًا أو مشتريًا.
وتشهد سوق المواشى بمركز المحمودية محافظة البحيرة رواجًا خاصة هذه الأيام ومع اقتراب عيد الأضحى المبارك حيث يكثر الزحام على السوق لشراء الأضاحي وتشهد السوق زحاما كبيرا من قبل تجار الماشية والمزارعين لعرض مواشيهم للبيع وذلك قبل أيام من حلول عيد الأضحي، وعلى الرغم من وجود ارتفاع في الأسعار إلا أنه كان هناك نشاط ورواج بحركة البيع والشراء.
ممسك بحبل ماشيته يتجول بها في السوق للحصول على أفضل عرض للبيع، على وجه ابتسامة حذرة، فهو فرح بإنتاجه وبضاعته التي ظل يرعاها طوال العام وجاء وقت حصاد هذا التعب، ويشتري كسوة العيد لبيته، وبين قلقه من أن يحصل على عرض لا يناسب أو السعر الذي حلم به طويلا. أحمد صالح أحد المزارعين يبلغ من العمر ٤٥ عاما قال إنه يأتي إلى السوق كل أسبوع لكي يستطيع تقييم ماشيته واختيار الوقت المناسب للبيع لكي يحقق أفضل ربح، فهو على مدار عام ينفق الكثير من المال لتسمين ماشيته وبيعها في عيد الأضحى، فيقول إنه ورث مهنة الزراعة عن أجداده واعتاد أن يقوم بتربية أبناء ماشيته وتسمينها لبيعها كأضاحي، مما يحقق له عائدا سنويا جيدا. ويضيف صالح أن ارتفاع الأسعار ناتج عن تكاليف التربية والمصايف مثل ارتفاع أسعار الأعلاف بأنواعها، وكذلك ارتفاع أسعار الماشية نفسها، وأن المزارع ليس له دخل في زيادة الأسعار.
وعن جودة الأضاحي قال إنها ترجع الى الأعلاف التي تقدم للماشية فهناك أعلاف رخيصة جدا ولكنها تؤثر على جودة اللحم، فعلى سبيل المثال هناك "المكمورة" وهي عبارة عن أعواد الذرة الخضراء التي يتم فرمها مع الذرة والاحتفاظ بها بعد إضافة بعض الأملاح في مكان بعيد عن الهواء ويتم تقديمها للماشية، إلا أن هذا النوع من العلف من أردأ الأنواع على الرغم من أنه يحقق إنتاجا كبيرا إلا أن اللحوم الناتجة عنه تكون رديئة.
وهناك أنواع أخرى من الأعلاف وهي التي يقوم المربي بصناعتها أو تجميعها وهي مكونة من " الفول والذرة والردة والفول الصويا والمستخلص والكون" فيتم خلطها بنسب مختلفة حسب الحاجة مع وضع بعض الفيتامينات والأملاح المعدنية، كذلك هناك أعلاف الجاهزة ولكنها غالية جدا، وذلك لأنها تحقق نتائج أفضل من غيرها من حيث الجودة.
وأكد صالح أنه يجب على المربي إخبار المشتري بنوع العلف الذي قدمه للماشية وذلك من نوع الأمانة، وعن وضع الملح في العلف للماشية قبل بيعها بهدف شرب الكثير من المياه لتحقيق وزن أكبر، فيعتقد صالح أنه نوع من أنواع الغش ولكنه أصبح معروفا ويظهر على شكل الأضحية.
ممسكا بعصاه من الخيرزان المعروف أو كما يطلقون عليها "العوجاية" لا يستخدمها في الاتكاء عليها ولكنها أداته توجيه الماشية، قد جمع بضاعته من الماشية في مكان واحد يطلق عليه " الجِلس" منتظرا الزبائن التي ستأتي وتشتري كل على حسب استطاعته فقد حرص على تجميع فئات سعرية مختلفة، لتناسب أكبر عدد من المشترين.
صبحي الحارس تاجر ماشية يبلغ من العمر ٥٤ عاما يعمل هو وأولاده الثلاثة في تجارة الماشية، بدأ صبحي الذهاب إلى السوق وهو في السابعة من عمره حيث كان يساعد والده في تجارته وعلى مدار ٤٧ عاما اكتسب خبرات كبيرة في التجارة والتعامل مع المربيين والمشترين فهو لا يفوت سوق في محافظة البحيرة إلا ويحضره، وعن ارتفاع أسعار الأضاحي هذا العام أكد الحارس أنه رغم الارتفاع في الأسعار إلا أن العديد من المشترين يسعون الى شراء الأضحية فهي عادة لا يريدون تفويتها.
ويضيف الحارس أن له العديد من الزبائن الذي يتعامل معهم فهو يقوم بشراء الأضاحي لهم كل عام، ويحرص دائما على شراء أفضل أضحية فهو لديه خبرة كبيرة في اختيارها، فإن عمر الأضحية، من أهم عوامل جودتها حيث يفضل الأضحية صغيرة السن ويكون لحمها أفضل، و يتم تحديده من خلال فحص الأسنان، فبحسب عدد الأسنان المكسورة في فم الماشية يتم تحديد عمرها، فكل سنتين مكسورتين من فم الماشية تساوي عام واحد، بمعنى أن وجود سنتين مكسورتين في منتصف أسنان الخراف معناه أن عمرها عام واحد، وأذا تبين وجود ٤ أسنان مكسورة فعمرها عامين، وهذا ينطبق على الماعز والخراف، أما بالنسبة للجاموس والأبقار فإن وجود سنتين مكسورتين بالفم يعني أن عمرها تجاوز العامين.
وتابع أنه بجانب الشروط المعروفة شرعا للأضحية وهي أن تكون سليمة صحيحة ليس بها عور أو عرج أو غيرها من العيوب التي لا تصلح ان تكون أضحية إذا وجدت فيها، فهناك أمور نعرفها كتجار نتعرف على صحة الأضحية من خلالها وهذه العلامات تتمثل في أن تكون الأضحية صغيرة البطن وتحمل اللحم حول العمود الفقري وعند الكتف والفخذ، كذلك شكل الروث والذي يحدد نوع العلف الذي تأكله كما أنه يجب أن يكون طبيعيا، كذلك أن يكون تنفسها طبيعيا ولا يظهر عليها النهجان، بالإضافة أن يكون الأنف ندي ولا تخرج لعاب من فمها، أما العيون يجب أن تكون واضحة السواد والبياض.
يجول السوق بخفة ورشاقة يبحث عن حاجته في وجوه الناس، فهو يعرف زبائنه وهم كذلك يعرفونه إلا أنه يفضل أن يتحرك ولا يقف في مكان واحد فبحسب اعتقاده " الرزق يحب الخفية"
سعد الكلاف رجل أربعيني بسيط الحال وجد في سوق المواشي مصدر دخل له ولأسرته فهو ليس لديه القدرة على تربية الأضاحي وكذلك لا يستطيع التجارة فهو لا يمتلك رأس المال المطلوب ولكنه يعمل وسيطا بين البائع والمشتري فهو كما يطلقون عليه "سمسار" يقصده الزبائن لمساعدتهم في الشراء والبيع، لما له من خبرة طويلة في السوق ومعرفته الاسعار جيدا ونظير ذلك يتلقى عمولة على كل عملية بيع تتم.
يقول الكلاف إنه يأتي إلى السوق وهو في العاشرة من عمره حيث كان يساعد التجار في سحب المواشي وتوجيههم وعرضهم على الزبائن، وذلك نظير ٢ جنيه في اليوم، فاكتسب خبرة كبيرة في عمليات البيع والشراء ومعرفة خبايا المهنة لكنه لم يستطع أن يصبح تاجرا فهو لا يمتلك رأس المال المطلوب كما أن لديه مسئولية كبيرة فهو الذي يعول أسرته فلا يستطيع الادخار فهو كما يقول " اللي جي على قد اللي رايح .. وأهي مشية الحمد لله".
ويشتهر سعد وسط السوق بالطيبة القلب وأمانته الشديدة على الرغم أن مهنة السمسار بها الكثير من الألاعيب والخبايا إلا أنه يفضل أن يحصل على قوت يومه بالحلال، فهو يرى أن هذا المهنة تعتمد أكثر على السمعة طيبة الذكر.
وقدم نصيحة للمربين بضرورة النزول إلى السوق بفترة لمعرفة الأسعار حتى لا يتعرض للاستغلال ويضيع تعب ومصاريف العام كله، وكذلك على الشاري ان يعرف ويدرس الأسعار جيدا قبل الشراء وفي حالة الشراء بالوزن القائم يجب على البائع والشاري الميزان عند رجل أمين.