لعل ذلك الذي ذهب إليه بروك هوفمان Bruce Hoffman اهتمام الإرهابيين بإثارة الرعب في قلوب المواطنين والتأثير علي سلوكهم بما يدفعهم للضغط علي السلطة للانصياع لما يريده الإرهابيون يؤكد ما أشرنا إليه في معالجة لنا لموضوع العنف السياسي من حيث حرص الإرهابيين علي توافر شرط "الإعلانية" بالنسبة للجرائم التي يرتكبونها، فليس مألوفا أن يقدم المرء مختارا على إعلان مسئوليّته عن عملٍ قام به، وهو يعرف مقدّمًا أنّه بإعلانهِ هذا، إنّما يعرّض نفسه لأذى قد يصل إلي حدّ الموت، ولذلك فإن أصحاب السلوك العدواني لا يعترفون بما فعلوا إلّا مضطرّين، ويستثني من تلك القاعدة، علي سبيل الحصر، جرائم الثأر، والشرف، والحرب، وكذلك الأفعال الإرهابية، بل إن أطراف الإرهاب، يتسارعون للإعلان عن مسئوليّتهم عن أفعالهم، حتى إننا قد نشهد فردين، أو جهتين، أو تنظيمين، يتنافسان منافسة شديدة في نسبة عملٍ من أعمال الإرهاب إلي أحدهم.
إن مواضيع مثل تلك المناظرات تساعد في تحديد الوجهة الأفضل التي ينبغي أن يتجه إليها بالتحديد الموارد و الجهود المناسبة، و كيف ينبغي أن تتقرر السياسات، و توجه الموارد، و في النهاية تفقد أو تنقذ حياة علي أساس من كيفية فهم السلفية المقاتلة و التصرف وفقا لذلك الفهم، وكما لاحظ سيولينو و شميدت Sciolino and Schmitt فيما يتعلق بوضع الولايات المتحدة و مناظرة ساجمان/هوفمان،"يقدر المسئولون ابتداء من البيت الأبيض إلي وكالة المخابرات المركزية أهمية المناظرة بين الرجلين عند تقييم الحكومة لطبيعة التهديد، ومن المؤكد أن تستخدم في المستقبل في صراع المصالح البيروقراطي حول البرامج سوف تدعمها الإدارة القادمة".
إن تقييم سيولينو و شميدت لواحدة من المناظرات العديدة بين اثنين من شخصيات متعددة في هذا المجال يؤكد أهمية محاولات إلقاء الضوء علي السلفية المقاتلة في الغرب، و ترجع أهمية الموضوع بالنسبة لنا إلي بزوغ نمط جديد من أساليب تشكيل الهوية لا يتجاوز الأسرة والعلاقات الشخصية فحسب، بل يتجاوز حدود الأوطان جميعا عبر شبكات التواصل الاجتماعي الإلكترونية الحديثة.
عبر تلك الشبكات التي تتيح التواصل بين أفراد قد لا يعرفون بعضهم البعض يتم تفاعل الأفكار عن بعد و يتبلور شيئا فشيئا نوع من التعاطف بين من يحسون بالظلم و يرجعون ذلك الظلم إلي انتمائهم الديني ويلتمسون تفسيرا لذلك الظلم فيما تتميز به عقيدتهم من سمو يثير حفيظة الآخرين وعدائهم؛ وتتشكل في النهاية جماعة انتماء جديدة منفصلة عن الوطن الذي يعيشون فيه؛ و يعلوا انتماءهم لتلك الجماعة "المتخيلة" علي أي انتماء عرقي أو سياسي أو عقائدي آخر بحث تصبح تلك الجماعة بمثابة "الأمة المضطهدة". و وفقا لذلك الانتماء تتم صياغة رؤية العالم لديهم ، وتأويل تلك الكراهية الموروثة والمستمرة التي يشنها الآخرون على الإسلام و من يعتنقونه، وأن مواجهة تلك الكراهية واجب ديني مقدس في نضال كوني واحد.
وللحقيقة؛ فإنه بينما تتخذ تلك الرؤية منحي متطرفا فيما يتعلق بالدعوة للقتال؛ فإن عناصرها متوفرة بالفعل بصورة أكثر خفوتا وبعدا عن الطابع القتالي في العديد من التجمعات الإسلامية في العالم. و إذ تركز "المجاهدون من ممارسي العنف" علي الوحدة الدينية، وعلى كراهية الغرب للإسلام؛ فإنهم يقيمون بناءهم علي أفكار ومعتقدات إسلامية موجودة بالفعل، يقومون بإعادة صياغتها و تضخيمها، بدرجة عالية من المهارة عبر الدعاة الراديكاليون و الوسائط الإلكترونية الحديثة العابرة للأوطان.