بدأت الاحتفالات بعيد الأضحى المبارك، أعاده الله على الأمتين العربية والمصرية بالخير والسلام، وقبل ذلك بيوم احتفلنا بوقفة عرفات التى يقف فيها الحجيج لتأدية أهم مناسك الحج، وينتهى الاحتفال يوم 13 من ذى الحجة، وهو أيضا ذكرى لقصة سيدنا إبراهيم عليه السلام، عندما أراد التضحية بابنه البكر، تلبية لأمر الله، يقوم المسلمون بالتقرب إلى الله فى هذا اليوم بالتضحية بأحد الأنعام، ومن هنا جاء مسمى عيد الأضحى.
ليس العيد تقليدا نفرح فيه ونذبح الأنعام، بل ما زالت التضحية تعيش فينا نحن المصريين، وكما أخذ سيدنا إبراهيم ابنه البكر لكى يقدمه أضحية لله سبحانه وتعالى، هناك الآلاف من الآباء والأمهات المصريين قدموا أبناءهم فلذات أكبادهم فداء للوطن، وفداء لنا جميعا، ضد الإرهاب، تلك التضحيات لم تفرق بين المصريين مسيحيين أو مسلمين، فقتل الإرهاب شهداء مثل محمد مبروك، وأحمد المنسي، ومينا دنيال، والشيخ عماد، وإسكندر طوس، وما زال الشعب المصرى يضحى بشكل يومى يدفع من دماء أبنائه، ويودعهم على أمل النصر أو الشهادة، لا يوجد شعب دفع من دماء أبنائه مثل شعبنا، ومنطقتنا العربية التى دفعت طوال الخمس سنوات الماضية فقط من الحروب الداعشية ما يقارب عشرة أمثال خسائرنا مع العدو الصهيونى من قتلى وجرحى ومهجرين ومشردين ولاجئين، كل عائلة تقريبا فى مصر والمنطقة دفعت ثمنا كبيرا فى مواجهة الإرهاب الأسود الدموى.
كل سنة وأنتم طيبون، والمصريون بخير، ومن حشا الروحانية المصرية فى التضحية والفداء، وتقوى المصريين بالأعياد فى بر مصر، حيث إن المصريين أكثر الأمم احتفالا بالأعياد، رغم أنهم يخافون من الفرح، ويقولون فى أمثالهم: «اللهم اجعل عاقبة الفرحة خيرا»، لكنهم يتوقون للفرح قدر عشقهم للحزن، فهم يضحكون حتى البكاء، ويسخرون من أحزانهم ضحكا، ويعضون على الجرح، ويزرعون القمح، والأطفال فى أرض خصبة يروها بدمائهم.
إذن فهم يبحثون عن الفرحة من قلب الحزن، ومن ثم فهم أكثر الأمم احتفالا بالأعياد، «33 عيدا» على مدار العام، أهمها الأعياد الدينية مثل: «رأس السنة الهجرية، عاشوراء، المولد النبوى الشريف، عيد الفطر، عيد الأضحى، عيد الميلاد المجيد، عيد الغطاس، عيد دخول المسيح مصر، عيد دخول المسيح القدس، نياحة العذراء - ذكرى وفاتها، عيد العنصرة، عيد الصعود»، إضافة للأعياد المصرية التى يحتفل بها المصريون جميعا بجميع أطيافهم، «عيد الأم، عيد الحب، وفاء النيل، شم النسيم»، كذلك الأعياد الوطنية، «عيد الشرطة، عيد تحرير طابا، عيد تحرير سيناء، 23 يوليو، 6 أكتوبر»، كما توجد مناسبات اجتماعية، وعادات مصرية ترقى إلى درجة الأعياد مثل، «السبوع، وهو احتفال بالمولود عند بلوغه 7 أيام من ولادته»، ليلة الحنة، احتفال يتم للعروسين فى بيت الأهل فى الليلة السابقة للزواج، ويتم فيها نقش الحنة على يدى ورجلى العروسين»، إضافة للطهور للأطفال «الختان»، وأعياد الميلاد.
كل ذلك مزيج من التداخل المصرى الإنسانى مع رقائق الحضارة القديمة والحديثة شرقا وغربا، فأعياد الميلاد مشتقة من الحضارة الغربية، والختان عادة يهودية، والمصريون رغم أنهم من أهل السنة يحتفلون بيوم عاشوراء فى 10 من محرم، حبا فى آل البيت، وتضامنا مع المظلوم، والطريف أنه بعد أن دخل صلاح الدين مصر وانهارت الدولة الفاطمية «الشيعية» كان المصريون يقضون اليوم صوما حزنا على الحسين فى قلوبهم، ويوزعون الحلوى علنا اتقاء لشر الأسرة الأيوبية، والأقباط المصريون يتماهون مع حزن الحشى المصرى الإسلامى على مقتل الحسين بصوم الجمعة العظيمة، تذكارا لصلب المسيح، ويشربون الخل، ولكنهم فى سبت كل سنة وأنتم طيبون.
تستهلك أعياد المصريين شهرين من الزمن من كل عام، ووفق الإحصائيات الرسمية، فإن الأعياد تقطع حوالى 50% من ميزانية الأسرة المصرية، لشراء الملابس الجديدة، أو «العيدية»، وفى أعياد مثل الفطر أو ميلاد المسيح تصنع الأسر المصرية الكعك والحلويات، وتسمى الأعياد الصغرى، أما الأعياد الكبرى مثل الأضحى والقيامة، فيتم ذبح الذبائح وإطعام الفقراء والمساكين، عرف المصريون عادة الكعك والحلويات فى ظل حكم الدولة الفاطمية، أما الثقافة «اللحمية» فقد جاءت من العصر العثمانى، وتعود الأعياد إلى قدماء المصريين حتى إن مؤرخا يونانيا مثل «بلوتارخ» يذكر أنه من كثرة أعياد المصريين لم يكن يفرق بين العيد والآخر سوى أيام معدودات، فما أن ينتهى عيد فى مدينة حتى يبدأ عيد فى مدينة أخرى، فكانت هناك أعياد دينية مثل عيد ميلاد حورس، وكذلك كان القدماء المصريون يحتفلون بأعياد وطنية، مثل انتصار أحمس على الهكسوس، إضافة لأعياد ارتبطت بالزراعة مثل عيد الفيضان أو عيد الحصاد، وغيرها من الأعياد، وخلال الأعياد كان المصريون القدماء يلبسون أزهى الثياب، ويوزعون المال على الأطفال «العيدية»، ويأكلون ويمرحون ويخرجون للتنزه، ومن شابه أجداده فما ظلم، وصلاة العيد وبعدها الذبح ثم التكافل والعطاء، ويقتطع المصريون جزءا من «الخروف» للفقراء، والفرو للجمعيات الخيرية، ويذهبون إلى الحدائق والمنتزهات وأيضا إلى المدافن لتذكر الراحلين، وقراءة آيات الذكر الحكيم على أرواحهم الطاهرة، هكذا الشهداء والراحلون أيضا تحتفل أرواحهم مع ذويهم بالأعياد، بالطبع هذه عادة فرعونية قديمة عاشت فى الضمير المصرى، إلا أنها تعبر عن إيمان بالخلود ويوم القيامة، رغم أن البعض يرفضها، إلا أنها تؤكد الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وتقربنا منه بتذكر الموت ولقاء المولى.
وكل سنة وأنتم طيبون، وبلدنا تتذكر الشهداء وتحتفل بالعيد، وترى من بين عيون الشهداء النصر القادم على الإرهاب، مهما بلغت التضحيات.