تُعد العمارة الحربية، أي بناء الحصون والقلاع وتحصينات المدن، من أبرز العناصر المكونة للحضارة الإسلامية؛ حيث إن فلسفة الحرب لدى المسلمين بالأساس هي أن تكون الحرب دفاعية؛ أو كما قال تعالى في سورة البقرة: "فمن اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عليه بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ"، وقوله في سورة النمل: "وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ".
وهذا هو ما حدث ما بداية الحروب الصليبية، حيث فوجئ الشرق بموجات حربية من الغرب. ونتج عن تلك الهجمات أن تكونت جبهة إسلامية موحدة لمواجهة هذا الخطر، وقد برزت عدة أسماء في هذا الصراع، منهم السلطان نور الدين محمود، الذي استطاع أن يوحد الشام، واتجهت أنظاره صوب مصر.
جيوش عموري ونهاية الفاطميين
في كتابه "الأيوبيون والمماليك" يقول الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور، إنه في عام 564هـ أقبلت جيوش عموري -ملك بيت المقدس- تريد الاستيلاء على مصر، واستنجد وزيرها في ذلك الوقت، وهو شاور وزير الخليفة العاضد -آخر الخلفاء الفاطميين- بالسلطان نور الدين محمود، والذي أرسل جيوشه إليها؛ فقد سنحت له فرصة لا تُقاوم في توحيد الشام ومصر تحت راية واحدة، وكان قائد الجيش هو أسد الدين شيريكوه، وكان يصحب معه ابن أخيه الصغير يوسف بن أيوب، وهو المعروف تاريخيًا بـ "صلاح الدين الأيوبي".
كان هناك نتائج سيئة للغاية على دخول الصليبيين إلى مصر، أبرزها حرق الفسطاط على يد الوزير الفاطمي شاور، قبل أن تستطيع جيوش أسد الدين شيريكوه رد عموري عن مصر. وقد فرح أهل القاهرة بمقدم شيريكوه، واستقبلوه استقبال الأبطال، وقابله الخليفة العاضد وأعطاه منصب الوزارة، وهو منصبًا خطيرًا وحساسًا في العصر الفاطمي، حيث أن سلطات الوزير تكاد تفوق صلاحيات الخليفة نفسه. وهنا ظهر شاور، والذي أحس بالخطر، واستنجد هو نفسه بالصليبيين وأغراهم بالعودة إلى مصر، وتعهد لهم بقتل شيريكوه ورجاله.
واجتمع أعيان البلاد بأسد الدين شيركوه وطالبوه بالتخلص من شاور، وقد كان، ففي عام 564هـ /1169 م تخلص أسد الدين شيريكوه –بمعاونة الخليفة الفاطمي العاضد- من شاور وابنه الكامل؛ وهكذا دخل أسد الدين شيركوه القاهرة دخول الظافرين الفاتحين، ثم توفي بعد شهرين، فتولى الوزارة ابن أخيه يوسف صلاح الدين.
وريث الدولتين
كان صلاح الدين رجلا سنيا شافعي المذهب، وكان متحمسًا للقضاء على المذهب الفاطمي في مصر، وشجعه على ذلك سيده نور الدين محمود؛ وبالفعل اتخذ صلاح الدين العديد من الخطوات لإعادة المذهب السني إلى مصر بشكل قوي وجلي.
كان أبرز ما فعله صلاح الدين هو تعطيل صلاة الجمعة في الجامع الأزهر، كما أنشأ مدرسة للشافعية، وانشأ خانقاة سعيد السعداء «دار عبادة الصوفية»، وجعل القضاء في يد قاضي القضاة صدر الدين الهذباني الشافعي؛ وفي عام 567 هـ 1171م، تم الدعاء في أول خطبة من رمضان للخليفة العباسي المستضئ أمير المؤمنين بالقاهرة؛ وبعد هذا الانقلاب المذهبي، توفي الخليفة العاضد آخر خلفاء الفاطميين، وصارت مصر تحت يد صلاح الدين.
هنا، أصبح صلاح الدين وزيرًا للخليفة العباسي، ومنافسًا لسيده نور الدين، حتى أن نور الدين استعد لغزو مصر لضمها لملكه لولا أن دهمه الموت عام 569هـ 1174م. وبذلك، خلت الأجواء لصلاح الدين، وأصبح وارث للدولتين النورية والفاطمية، وأصبحت هناك أيضا أخطارا محيطة به من ورثة نور الدين في الشام من جهة، ومن بقايا الفاطميين في مصر من جهة أخرى.
تحصين القاهرة
منذ أن تولى صلاح الدين الأيوبي الوزارة في عهد الخليفة الفاطمي وهو يهتم بتحصينات القاهرة، ففي عام 566هـ، أعاد ترميم أسوار بدر الجمالي وزير الخليفة المستنصر بالله الفاطمي والتي أنشأها عام 480 هـ، ثم -لما استقرت له الأمور- بدأ في مشروع قومي ضخم، حيث أمر وزيره بهاء الدين قراقوش ببناء قلعة فوق جبل المقطم، وأن يبني سورًا يضم عواصم مصر الأربعة في مدينة واحدة، وهي الفسطاط والعسكر والقطائع والقاهرة.
وحسبما ورد بكتاب الدكتور أحمد عبد الرازق «العمارة الإسلامية» ففي هذه اللحظة بعد زوال الفاطميين وموت نور الدين محمود، وفي عام 570 م، فوض الخليفة العباسي صلاح الدين في حكم مصر واليمن وكل ما يفتحه بسيفه من بلاد الشام، وفي عام 572م، بدأ صلاح الدين مشروعه الضخم ببناء القلعة وأسوار العواصم الجديدة.
ومن الروايات التاريخية نفهم أن صلاح الدين كان حريصا على مباشرة أعمال السور الجارية بنفسه، فأشار المقريزي إلى أنه في عام 577هـ عاين برج المقس أحد أبراج السور الأيوبي، ولا يزال العمل جاريًا فيه، وذكر المؤرخ ابن واصل أنه عندما استعد للخروج إلى الشام أمر وزيره بهاء الدين قراقوش بإكمال وإتمام أعمال السور، بل أنه لما استدعى بهاء الدين والعمال والفنيين من مصر لبناء سور عكا، عام 584هـ 1188م، ونفهم من رواية المؤرخ ابن واصل أن العمل في بناء السور ظل مستمرًا إلى ما قبل وفاة السلطان الكامل عام 635هـ /1237م أي ما يقرب من 46 عامًا، وتلك الأسوار حسبما أورد المؤرخ عماد الدين الكاتب كانت من النيل إلى النيل وتلتف حول القلعة والعواصم الأربعة وبلغ طولها 19 ألف و222 مترًا.
قلعة الجبل
أما القلعة، فهي الجزء الأكبر من هذا المشروع القومي الضخم الهادف إلى تحصين القاهرة وجعل مقر الحكم منيعًا، حيث بدأ بهاء الدين قراقوش في عام 752هـ 1176م، في تجهيز أحد مرتفعات جبل المقطم المطلة على العواصم الأربعة، وإخلائها من ما فيها من مقابر ومسجد صغير، وشرع في بناءها حيث ستظل مقرًا للحكم طوال العصر الأيوبي، ثم المملوكي ثم العثماني ثم عصر محمد علي حتى عهد الخديو إسماعيل الذي نقل مقر الحكم إلى قصر عابدين، عام 1291هـ / 1874م.
وفي ضوء فنون حرب هذا الزمان، فإن تخطيط القلعة عبقريًا، فهي من القرب بحيث يستطيع السلطان وجنوده أن يكونوا في وسط العاصمة خلال دقائق، وهي من البعد بحيث تكون منيعة على أي مهاجم يبتغي اقتحامها.
خرافة تحطيم الأهرامات
ضمن الاتهامات التي تم توجيهها إلى صلاح الدين ووزيره بهاء الدين قراقوش أنهم هدموا كسوة الأهرامات، وبعض الأهرامات الصغيرة، لاستغلال أحجارها في بناء القلعة والأسوار، ولكن هذه المقولة والتي وردت للمؤرخ عبد اللطيف البغدادي ينقصها الاستدلال الأثري المحكم.
ففي أحد أبحاثه العلمية أثبت الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار، أن الكسوة الخارجية للهرم كانت عبارة عن أحجار ملساء عليها نقوش وطلاسم تساقشط بفعل الزلزال الكبير الذي ضؤب مصر عام 1301م، 702هـ، ونقل لنا الرحالة والمؤرخ الغربي بالدنسل والذي جاء إلى مصر في القرن 14 الميلادي مشاهداته حسيث سجل وجود بعض أحجار كسوة الهرم التي أسقطها الزلزال، وكانت لا تزال عليها آثار النقوش باللونين الأسود والأحمر.
وبهاء الدين قراقوش توفي عام 597هـ قرن 12 ميلادي، أي قبل قدوم بالدنسل إلى مصر بحوالي 200 عامًا، فكيف يكون هو هادم الكسوة وأحجارها شاهدها بالدنسل متساقطة بفعل الزلزال الذي ضرب مصر عام 702هـ أي بعد وفاة قراقوش بحوالي 100 عام، وهو ما ينفي أخذ قراقوش لأحجار الهرم.
كما أن كتابات الرحالة والمؤرخ عبد الطيف البغدادي الذي نقل لنا رواية أن قراقوش هدم الكسوة وأهرامات صغيرة لبناء القلعة متناقضة، فالبغدادي المتوفي 629هـ /1231م، شاهد بنفسه في القرن الـ 7 الهجري الـ 13 ميلادي أي بعد وفاة قراقوش واجهات الهرم ووصفها بأنها مكسوة بأحجار ملساء عليها نقوش وطلاسم لم يجد في مصر من يعرفها.
ثم هو نفسه من قال أن قراقوش أزالها لاستعمالها في بناء القلعة، وبالطبع هذا قول متناقض، عكس ما سجله البغدادي بنفسه، وهو ما يوحي أن ما نقله البغدادي هو من الروايات التاريخية الكثيرة التي تم اختلاقها حول بهاء الدين قراقوش، وانتشرت حتى أخذت مصداقية الحقيقة.
وهناك رواية نستطيع أن نستأنس بها هنا، وقد نقلها لنا المقريزي، المتوفى عام 845هـ /1441م، أي بعد زلزال 702هـ المدمر، حيث قال إن العزيز عثمان بن يوسف الأيوبي، أمر رجاله بهدم الهرم الأحمر، وارسل حمله من رجال المحاجر والعمال والجنود، وعملوا على ذلك 8 أشهر كاملة، ولم يستطيعوا أن يزيلوا سوى حجرين فأوقفوا العمل، وتلك الرواية توحي أن عمل هدم الأهرامات لم يكون في إمكانيات هذا العصر، ثم أن المقريزي بعيد عن الحدث فهو ليس مشاهد بل ناقل، ولا نجد أثر لتلك المحاولة في الهرم الأحمر الآن مما يوحي بانتشار تلك الروايات في ذلك العصر.
وفي مقال له، أثبت المؤرخ والمرشد السياحي بسام الشماع، أنه كان هناك هرمًا رابعًا، سجله الرحالة فريدرك نوردن، والذي قدم إلى مصر عام عام 1737م، وقام بتصوير «رسم» أهرامات الجيزة الثلاثة الكبرى وأثبتت الرسومات التي سجلها نوردن، أنه كان هناك هرمًا إلى جانب هرم الملك خوفو، وهذا الهرم الذي يظهر في رسومات نوردن كان موجودًا حتى الفترة 1842م، وهي الفترة التي زار فيها مصر رجل آخر يدعى ليبسيوس، ولم يسجل الهرم الذي سجله نوردن، أي أنه سجل المنطقة وليس فيها هذا الهرم، إذًا فهذا الهرم لم يعد موجودًا في هذا التاريخ.
ثم يأتي كتاب "وصف مصر" والذي أصدرته الحملة الفرنسية تحديدًا في فبراير عام 1802م، أورد رسمًا لهذا الهرم الصغير، أي أن هذا الهرم ظل موجودًا منذ أن التقطته ريشة نوردن عام 1737م، وحتى التقطته أعين علماء الفرنسية، وسجلوه في كتاب وصف مصر الذي صدر ما بين أعوام 1809 و1828م، في حين لم يسجله ليبسيوس عام 1842م، إذًا فهذا الهرم قد اختفى من الوجود في تلك الفترة من 1809 وحتى عام 1842م.
وكما قلنا قبلًا فإن عملية بناء القلعة كانت عام 1176م، أي قبل دخول نوردن مصر بما يقرب من 600 عامًا، فلو بالفعل كان بهاء الدين قراقوش يتجول في منطقة الأهرامات مبتغيًا أحجارًا يبني بها قلعة سيده، لاقتلع أحجار هذا الهرم الصغير واستغلها في البناء، ولكن هذا لم يحدث بناءً على الاستدلال الأثري لأحدث الأبحاث التي أثبتت أن أحجار القلعة جاءت بكاملها من جبل المقطم، حيث أن هذا أوفر في النفقات والجهد.
وهذا ما أثبته التاريخ فيما بعد، حيث أنه في عصر محمد علي باشا وعند اعتزامه بناء القناطر الخيرية أمر بهدم أحجار هرم منكاورع، ليستعينوا فيها بالبناء، ولكن الفرنسي مسيو موجيل بك وبعد أن درس الأمر، وجد أن تكلفة خلع أحجار الهرم الأصغر ونقلها تزيد عن تكلفة تقطيعها بحوالي قرشين صاغ، فصرف الباشا نظره عن هذه المسألة، وقد تكون هذه الحادثة التي أنقذ فيها قرشين صاغ حياة هرم منكاورع، دليلًا جديدًا على براءة قراقوش من تهمة هدمه لكسوة الهرم وأهرامات صغيرة، فما توصل إليه موجيل بك بالتأكيد أدركه قراقوش، قبل مئات السنين.
تخطيط القلعة
تتكون قلعة الجبل من قسمين مختلفين تمامًا من حيث الشكل والمساحة، القسم الأول وهو القسم الشمالي الشرقي من القلعة، وهو الجزء الحربي من القلعة على شكل مستطيل يبلغ محيطه 2000 متر، وتحيط به الأبراج الضخمة، ويفصل بينه وبين المقطم خندق عميق، أما القسم الجنوبي الغربي فهو أصغر قليلًا، وغير منتظم الشكل وأسواره بلا أبراج عدا برجي باب العزب، الذي شيده رضوان كتخدا عام 1168هـ، /1745م، ولذا يغلب على هذا القسم الطابع المدني.
وللقلعة عدد كبر من الأبراج والأبواب، وحسبما ذكره كريسول -المؤرخ وأستاذ العمارة الإنجليزي- فهي برج المقطم وقد بُني في العصر العثماني، وبرج الصفة بُني في عصر العادل بعد وفاة صلاح الدين، وبرج العلوة من أعمال صلاح الدين، برج كيركيلان، وبرج بلا إسم من عصر صلاح الدين، برج الطرفة وهو من أعمال العادل وبرج المطار وقد يرجع إسمه لأنه كان يطير منه الحمام الزاجل بالرسائل، وبرج المبلط من عصر صلاح الدين، وبرج المقوصر، وبرج بلا إسم، وبرج الإمام أو القرافة وسمي بهذا الاسم لأن إمام جامع سارية الجبل كان يسكن فيه، وقيل له برج القرافة لأن الخارج من باب هذا البرج يخرج على القرافة، وكان باب هذا البرج هو الباب الثاني للقلعة، وبرج بلا إسم، وبرج الرملة وبرج الحداد، وبعد برج الحداد الذي يقع في الركن الشمالي الشرقي للقلعة يبدأ السور الشمالي وبه باب سر صغير قد يكو نلخروج الحامية للدفاع ضد القوات المتسللة ويليه برج بلا اسم من أعمال صلاح الدين، وبرج الصحراء، وبرج بلا اسم وهو بقايا برج من أعمال صلاح الدين، ثم البرج الجديد، وهو من أعمال تجديدات محمد علي في القلعة، ليكون عدد أبراج القلعة 18 برجًا.
كما ن للقلعة عدة أبواب أبرزها هو الباب المدرج، في السور الغربي للقلعة، وهذا الباب به عدة نصوص تأسيسيه أولها النص التأسيسي الأول للقلعة وفيه مدون اسم الناصر صلاح الدين ووزيره بهاء الدين قراقوش وتاريخ البدء ببناء القلعة عام 579هـ، ثم نصوص تأسيسيه تثبت أعمال التجديدات التي تمت في عصر المماليك الجراكسة، في عهود السلطان الظاهر جقمق بتاريخ 851هـ، وتجديد في عهد السلطان الأشرف قايتباي، وتجديد في عهد العادل طومانباي عام 906هـ /1501م.
والقسم الجنوبي الغربي القسم المدني سكنه كل ملوك مصر وكان أول من سكنه السلطان الكامل عام 604هـ بعد انتهاء بناء القلعة، وظل يتوالى عليه الملوك والسلاطين والولاة حتى الخديو إسماعيل.
بئر يوسف
تضم القلعة عددا من الآثار الرائعة والتي منها ما يرجع إلى عصر صلاح الدين وأبرزها بئر يوسف، أو بئر الحلزون، وهو معجزة معمارية بكل المقاييس، حيث تم حفر هذا البئر في جبل المقطم بعمق 90 مترًا، ويتم النزول إليها بنحو 300 درجة سلم، وحسب المؤرخ ابن زنبل الرماح كانت هذا البئر متصلة بالنيل، وكانت تزود القلعة بالمياه العذبة، حتى قرر قراقوش توسعتها فنقر عين مالحة فتغير طعم الماء وبطل استخدامها للشرب.
وتتألف البئر من طابقين الأول على عمق 50 مترًا والثاني على عمق 40 مترًا، وفي كل طبقة سواقي تدور لرفع المياه للأعلى، وكان يتم إنزال الأبقار للبئر لإدارة السواقي فإذا ما شاخت تم ذبحها للإطعام وإنزال غيرها، وقام السلطان الكامل بابتكار طريقة أخرى لنقل المياه إلى القلعة، حيث استغل أسوار صلاح الدين وجعل فوقها مجرى للعيون، ويتم رفع المياه فوق السور لهذا المجرى بالسواقي، وعثر الدكتور على بهجت أثناء إجراؤه حفائر الفسطاط على بقايا سور صلاح الدين وبه أثر تلك المجاري المائية، وهي التي استبدلها الناصر محمد بن قلاوون بقناطر ضخمة وذلك عام 712 هـ ثم طورها يلبغا السالمي عام 812 هـ ثم جاء قنصوه الغوري وصنع مجرى جديدًا عام 902هـ وهو سور مجرى العيون الباقي حتى الآن.
أربعة جوامع وقصر
من الآثار الباقية في القلعة 4 جوامع من عصور مختلفة أولها جامع الناصر محمد بن قلاوون، والذي أمر بتشييده عام 735هـ /1335م، وكذلك بنى القصر الأبلق ولا زالت بقياه موجودة، وفي العصر العثماني شيد سليمان باشا الخادم جامعًا ثانيًا عام 925هـ /1528م، وهو المعروف بجامع سارية الجبل، وفي عام 1109هـ /1697م، شيد أحمد كتخدا العزب جامعًا ثالثًا صغيرًا بالقرب من باب العزب لطائفة الجنود العزبان، ثم أضاف محمد علي عدة منشآت هامة، منها تجديد دار الضرب وتوحيدها على مستوى القطر وقصرها على دار ضرب القلعة، وهي مكان صناعة العملة، وأنشاء دارًا للمحفوظات عام 1227هـ /1812م، وأنشأ قصر الحرم 1243هـ /1827م، ثم أمر بإنشاء جامعه الشهير وهو الرابع بين جوامع القلعة، وذلك عام 1246هـ /1830م ولكنه مات قبل أن يكتمل.
وهكذا تكاملت القلعة عبر العصور درة المنشآت الحربية الإسلامية، وكي ندرك تأثيرها على الزائرين، فننقل إحساس المستشرق بول كازنوفا حيث قال عنها «هذه الصور والمناظر التي تُرى من هذا المكان بالقلعة تهز مشاعر أكثر الناس برودًا، وتدفع بالفيلسوف إلى بحر التأمل، وتبعث النشوة في روح الفنان، بل تدفع أبعد الناس عن الإحساس بالجمال إلى عالم من الأحلام والتأملات، حقًا إنه ليصعب على المرء أن يفيق من روعة وسحر هذا المنظر الذي لا يوجد نظير له فوق سطح المعمورة»