وسط مداخل مهيبة شاهقة، تكتنفها أعمدة حجرية ورخامية تنتهي بتيجان عربية، يخطو الداخل إلى مسجد الرفاعي أو "جامع الرفاعي" كما يطلق عليه المصريون، والذي يقف على أعتاب القاهرة القديمة بكامل ألقه وأناقته وهيبته الجلية؛ ويُعّد من أجمل مساجد مصر التي بنيت في العصر الحديث، واشتهر بأن زينت واجهاته بالشبابيك النحاسية، حتى يتوسط الجهة الغربية المدخل الملكي الرائع، وكذلك بأعمدته الحجرية ذات القواعد الرخامية الجميلة والمزخرفة. وهو المظهر الذي دعا الدولة المصرية لاختيار صورته على العملة من فئة 10 جنيه.
ورغم تجاور مسجدي "السلطان حسن" و"الرفاعي" -حيث لا يفصل بينهما سوى بضعة أمتار- إلا أن هناك فاصلا زمنيا كبيرا بينهما يصل لأكثر من 500 عام؛ فمسجد السلطان حسن بني عام 1356 ميلاديا، بينما مسجد الرفاعي أمرت ببنائه خوشيار هانم والدة الخديوي إسماعيل سنة 1869 ميلاديا.
وكان يوجد في نفس موقع جامع الرفاعي قديما مسجدا من العصر الفاطمي يسمى" ذخيرة الملك"، والذي تحول إلى مقام للشيخ "علي أبو شباك"، إلى أن اشترت خوشيار هانم الأماكن المحيطة به، وأوكلت إلى المهندس حسين باشا فهمي إنشاء الجامع عام 1286هـ/ 1869م وأن يلحق به مدافن للأسرة العلوية، واستوردت مواد البناء من أوروبا مثل الرخام الإيطالي، وتعرض بناء الجامع للتوقف حتى اكتمل بناؤه وافتتحه الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1330هـ/ 1912م ، بحسب وزارة السياحة والآثار المصرية.
زاوية الرفاعي
يوضح الأثري سامح الزهار، المتخصص في الآثار الإسلامية والقبطية، أن جامع الرفاعي يعد أول المباني التي استخدمت مادة الإسمنت في بنائها في تاريخ العمارة الإسلامية بمصر ، وكان ذلك مؤشرا للانتقال إلى العصر الحديث.
وبالرغم من وجود مقابر ملكية بالمسجد إلا أنه تمت تسميته باسم الشيخ الرفاعي أو بالأحرى نسبة إلى ضريح الشيخ علي أبو شباك الرفاعي، وكان المقام اسمه زاوية الرفاعي ونسب بالخطأ إلى الإمام أحمد الرفاعي المدفون في العراق، وعلى الرغم من أن الإمام أحمد الرفاعي لم يدفن بذاك المسجد إلا أنه يشهد الاحتفال بمولده سنويا في مشهد مليء بأجواء الفرحة والسعادة.
أما عن الشيخ "علي أبو شباك"، فتذكر المصادر التاريخية الصوفية نصا بأنه هو الشيخ علي أبي شباك الرفاعي بن أحمد بن عبد الرحيم بن عثمان الرفاعي، أخو القطب الصوفي أحمد الرفاعي بن علي المكي بن يحيى النقيب بالبصرة بن ثابت بن الحازم احمد بن علي المكي بن الحسن رفاعة بن المهدي بن أبو القاسم بن محمد الحزين بن الحسين بن الحسين بن أحمد الأكبر بن موسى أبو شيحة بن إبراهيم المرتضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
آية معمارية
يتكون مسجد الرفاعي من مساحة مستطيلة تبلغ حوالي 6500 متر، خصص أكثر من ألف متر للصلاة، والباقي للمدافن والملحقات، ويعلو الجامع منارتان أقيمتا على قواعد مستديرة، إلى جانب رواق عظيم للقبلة يشكل مساحة مربعة مغطاة بقبة ذات مقرنصات، ترتكز على أربعة أكتاف في أركان كل منها أربعة أعمدة رخامية بتيجان منقوشة ومذهبة غاية في الروعة، اما القبة فيحيط بها أسقف خشبية مزخرفة بنقوش ذهبية أبدعها المعمار المصري.
ومن الناحية الهندسية، يتوسط الوجهة الغربية المدخل الرئيسي الذي تحيط به أعمدة حجرية ذات قواعد رخامية، فقد صمم مسجد الرفاعي بشكل يتناسق مع جامع السلطان حسن من حيث الارتفاع والنسق العام حتى اصبح اهم المساجد التي بنيت في القرن العشرين واكثرها زخرفاً وأتقنها صنعة فقد تم وضع المساحة الداخلية للمسجد على محيط بيلغ 6500 م كذلك ساحة للصلاة منها وصلت مساحتها الى 1767 م، اما بقية المساحة فقد خصصت للمقابر والملحقات وللمسجد مئذنتان أقيمتا على قواعد دائرية مثل مئذنتي جامع السلطان حسن والذي يعد نموذجا فريدا لبناء المساجد في عالمنا العربي والاسلامي.
أضرحة المسجد
ويضم جامع الرفاعي عددا من الأضرحة، أولها ضريح خوشيار هانم المتوفاة عام 1885 وذلك قبل إتمام بناء المسجد الى جوار ضريح الخديوي إسماعيل، كما يوجد ضريح شاه ايران محمد رضا بهلوي الذي قضى ما تبقى من حياته في القاهرة، بعد انتهاء نظامه وقيام الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979 وقد أمر الرئيس السادات بدفنه بجامع الرفاعي بعد وفاته عام 1980، ووضع على القبر تركيبة رخامية بديعة رسم عليها الشعار "الساساني" للدولة البهلوية، وبجوارها اسم الشاه باللغة الفارسية.
ويوجد كذلك ضريح الملك فؤاد الأول على يمين المدخل الملكي للجامع، والمكسي جدرانه بالرخام الملون الأنيق، ويقع الى جوار قبر والدته الملكة فريال زوجة الخديوي إسماعيل، وأم الملك فؤاد، اما في ثالث حجرة فتوجد مقبرة الملك فاروق، الذي وافق على نقله الرئيس محمد أنور السادات.
كما يوجد ضريح جنانيار هانم أخت فرندياند ديليسبس مهندس مشروع قناة السويس، والتي كانت متزوجة من الخديوي إسماعيل، ويتميز شاهد ضريحها بتصميمه على طراز العمارة المسيحية، ويعلوه صليب أسفله آيات قرآنية.
وفي عام 2022 تم نقل رفات الملكة فريدة، زوجة الملك فاروق ،من مقابر الإمام الشافعي بسبب التوسعات في المقبرة، إلى المقابر الملكية بجامع الرفاعي، وتم نقل الرفات لتدفن بجانب بناتها الثلاث في مقبرة الملك فؤاد الأول التي تجمع غرف للسيدات والرجال.
ولا عجب في هذا الألق المعماري والفني، فمنشأة المسجد هي إحدى منارات عصرها الثقافية والفنية، وهي خوشيار هانم، تلك السيدة شركسية الأصل، والتي كانت متزوجة من إبراهيم محمد علي باشا والي مصر وابن محمد على باشا الكبير، وهي أم الخديوي إسماعيل والتي لقبت بهوشيار قادين او بالوالدة باشا وهي أخت السلطانة برتفنيال زوجة السلطان العثماني محمود الثاني ووالدة السلطان عبد العزيز الأول والتي ينسب لها الفضل في بناء هذا الصرح الأثري العظيم.