ما زلت أعتبر الكشف عن جبانة العمال بناة الأهرامات أعظم الاكتشافات الأثرية التى قمت بها فى حياتى وهو الكشف الأغلى بالنسبة لى.. والسبب أنى قبل الكشف عن مقابر العمال بناة الأهرامات بهضبة أهرامات الجيزة، حيث هرم الملك «خوفو» العظيم الأعجوبة الوحيدة على وجه الأرض الباقية من عجائب الدنيا السبع القديمة، وإلى جواره هرمى ابنه الملك «خفرع » وحفيده الملك «منكاورع. كنت أتصدى لكل المزاعم اليهودية بأن بناة الأهرامات كانوا يهودًا عاشوا فى مصر وسخرهم الفراعنة فى بناء الأهرامات، وكنت استحضر الأدلة العلمية على عدم وجود يهود فى مصر فى فترة بناء الأهرامات، وكيف أن السخرة يمكنها أن تشيد أثرًا كبيرًا ولكن لا يمكنها أن تشيد أثرًا جميلًا بالغ الإعجاز.
كما كنت أتصدى أيضًا لمن يقول إن أصحاب هذه الحضارة هم علماء قارة الأطلانتس المفقودة.. لكن بعد الكشف عن جبانة العمال ومقابرهم لم أعد فى حاجة إلى أى دليل.. وكيف ونحن الآن نعرف أين عاش هؤلاء العمال بمختلف طوائفهم، والمكان الذى دفنوا فيه وشكل مقابرهم وما أعدوه لأنفسهم من عتاد جنائزى، وكذلك الألقاب والأعمال التى أسندت إليهم فى مشروع بناء الهرم؟
ولكن المفاجأة الكبرى أن الكشف عن هذه الجبانة أثبت بالدليل القاطع أن المرأة الفرعونية شاركت الرجل فى بناء الهرم، وكانت مسئولة عن كثير من الأعمال، وكانت المرأة الفرعونية تعمل فى صناعة الخبز والجعة والطعام للعمال.. إضافة إلى أعمال مجهدة كطحن الحبوب وجميع أعمال المنزل.
ومن الألقاب التى تم الكشف عنها فى جبانة العمال لقب سيدة تدعى «نفر حتب إس» وتعمل «قابلة» أى تقوم بمساعدة النساء أثناء الولادة. وكذلك ألقاب مثل كاهنة» حاتحور، وكانت حتحور» رمزًا للأمومة والحماية فى مصر القديمة وكان لها دور كبير فى عقيدة الملك.
وتعكس مقابر النساء الدرجة الاجتماعية المساوية للرجل التى نالتها فى مصر القديمة، ومازلت أذكر يوم أن قمنا بالكشف عن مقبرة أحد الموظفين ويدعى «بتتى» وبتنظيف المقبرة والكشف عنها أسفل رمال الصحراء.. وجدت نفسى داخل فناء مفتوح عن يمينى نص للرجل صاحب المقبرة يتوعد فيه كل من يحاول أن يمس مقبرته بأذى قائلًا: أن فرس النهر سوف يقتله، والتمساح سوف يهشم عظامه.. وسوف يفترس الأسد لحمه.. وهذا النص اسمه «نص اللعنة، والتى اعتقد المصرى القديم فى مفعولها السحرى، وأن هذه الحيوانات المكتوبة والمرسومة سوف تتحول إلى حقيقة وتفترس كل من يحاول الاعتداء على المقبرة!
وكانت المفاجأة أن الزوجة قد وضعت لنفسها نصًا مواجهًا للنص الذى كتبه زوجها، وبدلًا من أن تكتفى بفرس النهر والتمساح والأسد أضافت أن الثعبان سوف يبث سمه فى جسد المعتدى ثم يأتى العقرب ويفرغ هو سمه لتشتعل النيران داخل جسده بعدها يفتك به فرس النهر فيفصل عظامه عن لحمه ويقوم التمساح بالتهام العظم بينما الأسد يتولى أمر اللحم.
على أى حال لقد أعتدت فى محاضراتى دائمًا أن أخاطب السيدات الجالسات بالقول أن هذا دليلا آخر على أن المرأة فى كل زمان ومكان أشرس من الرجل عند الانتقام.. وإن كان هذا الكلام طبعًا لم يعجب النساء ومن خلال كشف مقابر العمال بناة الأهرام ان المرأة الفرعونية كانت عمل أيضا فى منطقة الاسعاف بجوار المحاجر وقد أنقذت العديد من العمال الذين شاركوا فى بناء الأهرام.