امتحانات الثانوية العامة هذا العام بدأت يوم 12 يونيو الحالي، وتستمر حتى 13 يوليو المقبل بإجمالي عدد طلاب يبلغ 783025 طالب وطالبة. والله يكون في عون الطلبة وأولياء الأمور، فشهر مدة طويلة جدا تضغط على أعصابهم وتستنزف ما تبقى في جيوبهم. وتنقل التقارير أن حالات الغش قد قلت هذا العام مقارنةً بالأعوام الماضية، حيث تم تسجيل 14 حالة غش في امتحانات الثانوية العامة 2023 حتى الآن. ويمكن تفسير هذا التراجع بتغير طرق المراقبة ومنع الغش وتغليظ العقوبة. وهكذا عمدت الكثير من الدول لتغيير طرقها في مراقبة الامتحانات وتتعامل مع الثانوية العامة كقضية أمن قومي.
التفتيش أولا قبل الدخول اللجان يتم من خلال العصا الإليكترونية وهناك فريق متخصص لمكافحة الغش الإلكتروني ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي. وأصبحت لجان الامتحانات مغطاة بكاميرات المراقبة المزودة بتقنية الـ"var"، مثل مباريات الكرة، وهي ترصد أي محاولات لإدخال هواتف محمولة والشروع في الغش. وهناك "باركود" خاص بكل طالب مع بياناته على "البابل شيت" وورقة الإجابة للأسئلة المقالية. أما العقوبة فنظمها قانون مكافحة الإخلال بأعمال الامتحانات رقم 205 لسنة 2020، وتصل إلى الرسوب والحرمان من الامتحانات لمدة عامين والحبس لمدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على 7 سنوات، وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على 200 ألف جنيه.. أو إحدى هذه العقوبات. وتغريم كل من اصطحب هاتفًا محمولًا أو أي وسيلة مساعدة على الغش، غرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه ولا تزيد على 10 آلاف جنيه.
هذه الإجراءات المشددة هدفها تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص، وهي جزء من فلسفة متكاملة وعميقة وراء مراقبة الغش، تذهب أبعد من مفهوم الجريمة الفردية؛ حيث تنظر العلوم التربوية إلى المؤسسات التعليمية وسير الامتحانات فيها كأول اختبار للفساد والسلوك المنحرف في المجتمعات. وترى ضرورة التصدي بقوة للغش في مثل هذه الامتحانات المصيرية لأنها تحدد توجهات الطلاب ومستقبل الشعوب أيضًا؛ فهؤلاء الطلاب سيصبحون أطباء ومهندسين وقضاة وجنود وقادة ومسؤولين عن إدارة بلدانهم. وإذا كان الغش منهجهم الفردي في حياتهم فسيصبح منهجا لأوطانهم.
ويشتكي الطلبة وعائلاتهم من طول مدة التفتيش حيث تؤخرهم عن دخول لجان الامتحان في الوقت المحدد دون أن يتم تعويضهم عن ذلك التأخير. أغرب حيلة كشفتها وزارة الداخلية مبكرًا في شهر مارس الماضي روج لها تشكيل إجرامي للغش بواسطة "أجهزة هواتف محمولة على شكل بطاقات ائتمانية". وهكذا تغير ابتكارات الغش طرقها أيضا مع التقدم التكنولوجي.
والغش في الامتحانات ظاهرة موجودة في كل المجتمعات. وطورت في وسائلها جنبًا إلى جنب مع النشاط الإجرامي كالسرقة والفساد والرشوة. فتشتُ عما يحدث في مجتمعات أخرى وكيف تواجه الغش في الامتحانات. لفت انتباهي أن عددًا من الدول حاربت الغش بطرق مبتكرة أكثر صرامة في امتحانات الثانوية العامة. في تايلاند مثلًا، يلبس كل طالب علبة من الكرتون مصممة لحجب الرؤية من الجانبين بحيث لا يرى الطالب إلا أمامه فقط. في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، تم منذ عقود تعميم وضع كاميرات مراقبة في لجان الامتحانات بحيث تراقب كل حركة أو همسة قد تصدر من أي طالب. في الهند، أقدمت إحدى المقاطعات على إجراء الامتحان على الأرض ومنع الطلاب من ارتداء ملابسهم وسمحت فقط بارتداء الملابس الداخلية ودون طاولات أو كراسي. أما الصين فتعاقب بالسجن سبع سنوات والمنع نهائيا من دخول الامتحان مجددا. ونشرت السلطات يوم الثلاثاء 7 يونيو، يوم الجاوكاو، المعادل لامتحان الثانوية العامة، قوات الشرطة وقوامها 768 ضابطا لمراقبة مراكز الامتحان. كما حاولت بعض المقاطعات في السنوات الأخيرة وضع "قارئات بصمات الأصابع" في لجان الامتحانات، وحظر حمالات الصدر ذات الإطار المعدني، المشتبه في كونها تخفي أجهزة إليكترونية لاصقة. في العام الماضي، استخدمت سلطات مدينة لويانغ طائرة بدون طيار للكشف عن المحتالين الذين يبثون إجابات عبر أجهزة الراديو.
أمًا غينيا فوضعت كاميرات مراقبة مع تطبيق الصور ورمز QR لكل ممتحن لتجنب استبدال المرشحين. جاء وضع النظام الصارم بعد تسجيل حالات غش جماعي غير مسبوقة العام قبل الماضي من خلال 688 هاتفًا، وتم إلغاء امتحانات 399 مرشحًا وإحالة 175 مشرفًا لتسهيلهم عمليات غش واستبدال الطلاب.
وهكذا فإن دولا كثيرة تتعامل مع الغش في امتحانات الثانوية العامة كقضية أمن قومي لأنه اختبار لنزاهة الدولة وإخلال بمبدأ التنافس حيث أن فرص الدخول إلى الجامعات الحكومية المجانية متاحة لعدد قليل من الطلاب من بين عدة آلاف يتقدمون عادة لاجتياز الامتحان.