الثلاثاء 28 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

العالم

الولايات المتحدة وتايوان.. التزام قديم وتحديات جديدة

علم الولايات المتحدة
علم الولايات المتحدة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أثارت القدرات العسكرية المتزايدة للصين في السنوات الأخيرة، إلى جانب التدريبات العسكرية المتكررة بالقرب من تايوان، القلق بشأن الغزو العسكري. وقد كانت الصين أعلنت مرارا أنها لن تتخلى عن تايوان وأنها ستقاتل لضمها بالقوة أو بالطرق الدبلوماسية. بالمقابل، تغير موقف الولايات المتحدة مؤخرا بشكل واضح؛ حيث أعلنت على لسان وزير خارجيتها أنها لا تدعم استقلال تايوان. ويأتي هذا في ضوء محاولات الولايات المتحدة لاستمالة الصين وإبعادها عن روسيا، خاصة أن الصين تزود روسيا بالأسلحة في حربها ضد أوكرانيا المدعومة من الغرب.
ورغم تواجد قوات عسكرية أمريكية في تايوان وتعهد واشنطن بالدفاع عنها سابقا، لدرجة أن وزير الدفاع الأمريكي في ٢٠١٩ قد أعلن أن الولايات المتحدة سوف تدخل حربًا مع الصين إذا حاولت الأخيرة استعادة تايوان بالقوة.
وكانت الأفعال الاستفزازية، مثل دخول الصين منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية، في السابق من الأفعال النادرة، لكنها أصبحت تحدث الآن بشكل متكرر لإجبار المسئولين التايوانيين على اتباع سياسات أكثر لصالحهم. قد تظل الحرب غير مرجحة، حيث توقع الكثير من الخبراء المختصين في العلاقات الصينية الأمريكية أن اندلاع حرب في تايوان خلال هذه الفترة أمر غير مرجح، لكن الولايات المتحدة تستبق الأحداث من أجل تأمين موقفها خوفا من قيام الصين بأي عمل عسكري في هذا التوقيت، خاصة أن الولايات المتحدة مشغولة تماما بحرب أوكرانيا مع روسيا ولن تتمكن من فتح جبهة جديدة في تايوان التي تعتقد واشنطن أن سيطرة بكين عليها سوف يضاعف من القوة الصينية العسكرية والاقتصادية.
خلفية تاريخية
تشير المصادر التاريخية إلى أن الجزيرة خضعت لأول مرة للسيطرة الصينية الكاملة في القرن السابع عشر عندما بدأت أسرة تشينغ في إدارتها. ثم في عام ١٨٩٥، تخلوا عن الجزيرة لليابان بعد خسارة الحرب الصينية اليابانية الأولى. استولت الصين على الجزيرة مرة أخرى في عام ١٩٤٥ بعد خسارة اليابان في الحرب العالمية الثانية. لكن نشبت حرب أهلية في الصين القارية بين القوات الحكومية القومية بقيادة تشيانغ كاي شيك والحزب الشيوعي الذي يتزعمه ماو تسي تونغ. انتصر الشيوعيون في عام ١٩٤٩ وسيطروا على بكين.
فر تشيانغ كاي شيك ومن بقي من الحزب القومي - المعروف باسم الكومينتانغ - إلى تايوان، حيث حكموا لعدة عقود تالية. تشير الصين إلى هذا التاريخ لتقول إن تايوان كانت في الأصل مقاطعة صينية. لكن التايوانيين يشيرون إلى نفس التاريخ ليقولوا إنهم لم يكونوا أبدًا جزءًا من الدولة الصينية الحديثة التي تشكلت لأول مرة بعد الثورة في عام ١٩١١ - أو جمهورية الصين الشعبية التي تأسست في عهد ماو في عام ١٩٤٩.
كان حزب الكومينتانغ أحد أبرز الأحزاب السياسية في تايوان منذ ذلك الحين - وهو يحكم الجزيرة لجزء كبير من تاريخها. حاليًا، هناك ١٣ دولة فقط (بالإضافة إلى الفاتيكان) تعترف بتايوان كدولة ذات سيادة. تمارس الصين ضغوطًا دبلوماسية كبيرة على الدول الأخرى لعدم الاعتراف بتايوان أو القيام بأي شيء ينطوي على الاعتراف.
الصين تعرض على تايوان نموذج هونج جونج
رفض رئيس تايوان عرضًا صينيًا بتقديم هونج كونج كنموذج للوحدة مع الصين، وقالت إن الديمقراطية والاستبداد لا يمكن أن يتعايشا في نفس البلد، وقال الرئيس تساي إينج ون، الأربعاء الماضي، إن نموذج هونج كونج المتمثل في دولة واحدة ونظامان لن يصلح لتايوان.
قدمت الصين الصيغة السياسية كطريقة نحو الوحدة بين البلدين. ومع ذلك، قال تساي إن الترتيب فشل في هونج كونج ولن ينجح في تايوان الديمقراطية. تعهدت تساي بالدفاع عن سيادة الدولة الجزيرة خلال خطابها بمناسبة العام الجديد قبل محاولة إعادة انتخابها في ١١ يناير، ووعدت بوضع ضمانات ضد الضغط الصيني المتزايد، وقال «تساي»: «أظهر لنا أهالي هونج كونج أن دولة واحدة ونظامان غير ممكن بالتأكيد»، كما أكد أن الديمقراطية والاستبداد لا يمكن أن يتعايشا معا في نفس البلد بكل تأكيد.
من الجدير بالذكر، أن هونج كونج قد شهدت العديد من التظاهرات الكبيرة المنددة بقرب إعادة سيطرة الصين على هونج كونج خصوصًا أن الصين تتبنى حكما شيوعا سلطويا، ما يعني تدمير الديمقراطية في هونج كونج.
الولايات المتحدة والدفاع عن تايوان
رغم تصريح الأمريكيين الأخير بأنهم لا يدعمون استقلال تايوان، إلا أن هناك العديد من الأسباب التي تجعل من تايوان على ثقة أن هذا التصريح هو مناورة استراتيجية لإبعاد الصين عن روسيا فقط. على سبيل المثال، لدى الولايات المتحدة تاريخ طويل في مساعدة القدرات الدفاعية لتايوان، حتى بعد إلغاء معاهدة الدفاع المشترك في عام ١٩٧٩، حيث وفر قانون علاقات تايوان «TRA» إطارًا لاستمرار مبيعات الأسلحة والتدريب العسكري.
لا تزال تايوان أيضًا مهمة من الناحية الاستراتيجية كحاجز أمام التوسع البحري الصيني في الممرات البحرية الحساسة، والدفاع عن تايوان بمثابة ردع ضد المزيد من العدوان الصيني في أماكن أخرى. علاوة على ذلك، لم يتعهد كل رئيس فقط بتقديم الدعم لتايوان، ولكن أيضًا يوجد إجماع واسع من الحزبين جنبًا إلى جنب مع الجمهور الأمريكي الذي يبدو متعاطفًا بشكل متزايد مع الجهود المبذولة لتعزيز القدرات الدفاعية لتايوان.
ومع ذلك، هناك العديد من الأسباب التي تجعل التايوانيين أقل تفاؤلًا، حيث تحتفظ الولايات المتحدة بسياسة متعمدة من الغموض الاستراتيجي فيما يتعلق بالتزاماتها تجاه تايوان جزئيًا لردع الإجراءات من أي من جانبي المضيق والتي من شأنها تغيير الوضع الراهن. على الرغم من الاعتقاد بأن الرئيس جو بايدن ربما كان يشير إلى تحول في السياسة مع التزام أقوى بالدفاع عن تايوان، لم يوضح مسئولو البيت الأبيض أي نية لذلك، كما لم تؤدى انتقادات الغموض الاستراتيجي، بما في ذلك الاقتراحات بأن السياسة أخذت مجراها وفشلت في كبح جماح الصين، إلى مراجعتها.
وبالمثل، حتى لو كانت إدارة بايدن وأعضاء الكونجرس صادقين في تصريحاتهم حول الدفاع عن تايوان، فإن التكاليف المحتملة للصراع العسكري مع الصين ستكون كبيرة، خاصة بعد عقود من استثمار بكين في التحديث العسكري، والقيام بأي تدخل نيابة عن تايوان.
تشير عمليات المحاكاة أيضًا إلى صعوبة قدرة الولايات المتحدة على الدفاع عن تايوان. وجدت عمليات المحاكاة التي أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن الولايات المتحدة قادرة على الدفاع عن تايوان، ولكن مع سقوط عشرات الآلاف من الضحايا الأمريكيين وخسائر المعدات المرتبطة بها، مما فتح تساؤلات حول ما إذا كانت واشنطن والجمهور الأمريكي الأوسع جاهزين لمثل هذا الالتزام. وفي الصدد ذاته، تشير الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا إلى التزاماتها تجاه تايوان، حيث يندرج هذا ضمن الأولويات الأوسع للسياسة الخارجية للولايات المتحدة أقل وضوحًا.
بينما تظل الولايات المتحدة أقوى شريك أمني لتايوان والشريك الوحيد الذي يوفر مبيعات الأسلحة، يتطلب دفاع تايوان في نهاية المطاف كلاً من المساعدة الخارجية، فضلًا عن الاستثمار الواسع في الإنتاج المحلي والإصلاحات في التدريب والموظفين. في العام الماضي، كانت الجهود المبذولة لمعالجة الأول واضحة حيث زادت تايوان ميزانيتها الدفاعية بنسبة ١٣.٩٪ لعام ٢٠٢٣.
في النهاية، تدرك الولايات المتحدة أن استعادة الصين لجزيرة تايوان أمر سيكون له تداعياته الدولية، حيث سوف تتعاظم قوة الصين في بحر الصين الجنوبي. علاوة على ذلك، تدرك الولايات المتحدة أن خوض الحرب ضد الصين سوف يكلفها عشرات الآلاف من أرواح جنودها، ولذلك، تحاول الولايات المتحدة إقناع الصين بأن الحرب غير ضرورة من خلال تعظيم القوة العسكرية لتايوان، على اعتبار أن دخول الصين للحرب سوف يعطل عجلة التنمية الخاصة بها.