الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

السجائر "تشتعل".. "الإحصاء": إنتاج 287 مليارًا و310 ملايين سيجارة سنويًا.. حملات لضبط المخالفين لـ"التسعيرة".. وشعبة الدخان: إقرار زيادة الضريبة هو "الحل"

السجائر
السجائر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

جدل بين قطاع كبير من المستهلكين والتجار وأصحاب الشركات حول زيادة أسعار السجائر بشكل مبالغ فيه؛ لترتفع بنسب أكثر من %70 للعلبة الواحدة، لتصل الزيادة ما بين 10 و 12 جنيهًا.

هذا الجدل يبدأ كل عام مع حلول شهر يونيو حتى نهاية يوليو مع إقرار الموازنة العامة وإعلان الضرائب المقررة على السلع والمنتجات، مما دفع جهاز حماية المستهلك بإلزام شركات إنتاج وتصنيع واستيراد وتوزيع السجائر والتبغ ومشتقاتها كالمعسل بجميع أنواعها، بطباعة أسعار المنتج على العبوة بشكل إلكترونى بتقنية QR Code، وهو الشكل الذى يؤمن عدم محو السعر، كما ألزمتها من خلال قرار رسمى فى ديسمبر 2021، بالإعلان عن أسعار المنتجات داخل منافذ ونقاط التوزيع محليًا بجميع المحافظات، على أن يكون السعر المدون هو سعر المستهلك ومكتوب باللغة العربية.

بداية هذا العام شهدت السوق ارتفاع الأسعار بشكل مبكر مع إعلان شركة الشرقية للدخان فى مارس الماضى ارتفاع أسعار بعض أنواع السجائر الشعبية من جنيه إلى ٥ جنيهات فى العلبة الواحدة، وتلاها إعلان شركة «فيليب موريس» زيادة كل أسعار منتجاتها منذ أبريل الماضى؛ لتصل قيمها ما بين ٣٩ جنيهًا إلى ٥٩ جنيهًا.

«الناس مش قادرة تبطل، حتى مع ارتفاع الأسعار بقت بتشترى فرط، وفى ناس بتشترى المهرب».. هكذا وصف «أيوب»، صاحب كشك لبيع السلع والسجائر، حالة السوق المحلية بعد ارتفاع أسعار السجائر، مشيرًا إلى اختفاء أنواع معينة منها ما دفع المستهلكين من المدخنين إلى شراء العبوات المهربة «رخيصة الثمن».

وأضاف لـ«البوابة»: «بطلت أنزل سجاير فى الماركت، الأسعار مش هتخلى حد يشترى، الجملة بقت سعرها عالى وسعر العلبة فى القاروصة التى تحتوى على ١٠ علب بقت ٥٠ جنيها، المفروض أبيعها بأقل هامش ربح بـ٥٢ جنيها، وده سعر غالى على المستهلك، حتى سعر القص المعسل زاد، كان بـ٣٠ بقى بـ٤٠ جنيها».

هيمنة الشركات

على الصعيد العالمى، يهيمن بعض شركات التبغ الكبرى على سوق السجائر، وتتسم صناعة السجائر بأنها «تركز سوقى» مرتفع، ويعنى ذلك أن هناك شركتين أو ٣ شركات لديها حصة كبيرة تهيمن بها على السوق.

ارتفاع معدل بيع السجائر عالميًأ

وتظهر المؤشرات التى أجرتها Euromonitor أن مصر والهند والفلبين من بين الدول العشر التى تبيع أكبر عدد من السجائر منذ عام ٢٠١٦. وترفض مصر زراعة «التبغ» فى الأراضى الخاصة، بناء على القرار الوزارى رقم ٥٤ لسنة ١٩٦٦ بقصر استنباط التبغ أو زراعته محليا لأغراض التجارب على وزارة الزراعة، بالإضافة الى أن مصر موقعة على الاتفاقية الإطارية لمنظمة الصحة العالمية بشأن مكافحة الدخان فى ١٧ يوليو ٢٠٠٣ لحماية البيئة وصحة الأفراد.

ارتفاع الأسعار فى السوق المحلية

زيادة غير مبررة فى أسعار السجائر، سواء المحلية أو المستوردة منذ بداية ٢٠٢٣ على الرغم من عدم إعلان الحكومة أى زيادة فى الضرائب وأسعار التبغ ومشتقاته.

بدأت أسعار السجائر فى موجات الغلاء منذ موافقة البرلمان عام ٢٠٢٠ على فرض زيادة جديدة فى أسعار السجائر، لتبلغ ضريبة السجائر الجديدة ٥٠٪ من سعر بيع المستهلك النهائى، إضافة إلى ٤ إلى ٧ جنيهات حسب سعر بيع علبة السجائر.

وجاءت هذه التعديلات بناء على تقارير توضح أن ذلك سيسهم فى زيادة حصيلة الضرائب على التبغ بما يقرب من ٩ مليارات جنيه، وبالفعل أصدرت مصلحة الضرائب قائمة بزيادة ضريبة الجدول الثابتة على منتجات السجائر بالسوق المحلية بين ٥٠ و١٠٠ قرش مع رفع السقف السعرى لكل الشرائح بما يتواكب مع زيادات الأسعار التى ستنتج عن زيادة الضريبة، كما فرضت فى نفس العام وللمرة الأولى ضرائب على السجائر الإلكترونية فى مصر.

«الزيادة الضريبية السنوية لم تصدر بعد، وارتفاع الأسعار جشع تجار».. هذا كان رد إبراهيم إمبابى، رئيس شعبة الدخان فى اتحاد الصناعات، مؤكدًا أن أحد أسباب تلاعب التجار فى أسعار السجائر بالسوق المحلية هو تأخر تغيير الزيادة الضريبية المعروفة سنويا، والتى تبلغ جنيها واحدا أو اثنين على العلبة.

وأضاف رئيس شعبة الدخان لـ«البوابة»، أن مسئولية ضبط الأسعار فى السوق تقع على كاهل مباحث التموين، مشيرًا إلى أن بعض التجار يقومون بتخزين السجائر والتحكم فى إمداد السوق بالسجائر، مما يجعل المستهلكين يرضخون للأسعار المرتفعة دون وعى.

وأوضح «إمبابى»، أن إقرار الزيادة الضريبية والإعلان عنها فيما يخص السجائر كفيل بإلزام التجار بأسعار محددة، فيما أنكر وجود سجائر مهربة داخل السوق المحلية قائلًا: «مرصدنهاش».

«ارتفاع الأسعار نتيجة رفع الضرائب يؤثر على معدل العرض والطلب فى الأكشاك والمحلات الصغيرة».. وفقا لما قاله «أحمد. م»، صاحب كشك لبيع السجائر لـ«البوابة»، فإن معدل ارتفاع الأسعار منذ بداية العام، يعد الأكبر منذ مدة طويلة، سواء على المنتج المصرى أو المستورد، قائلا: «مش عارفين إيه الأسباب، فى نوع مستورد كان بـ٢٩ جنيها، بقى ٤٠ جنيها، المحلى كان بـ٢٦ جنيها بقى بـ٤٢ جنيها، مضيفا أن ارتفاع الأسعار أثر على معدل شرائه أيضا للكميات الجملة، وأصبح يشترى عبوات أقل من السابق».

نسب الإنفاق المحلى

«الكيف مش بيذل بس هو عادة مش قادرة أبطلها»، هكذا روى أسامة حماد، قصته مع التدخين وارتفاع الأسعار، حيث ظل ١٨ عاما يدخن السجائر مهما ارتفعت أسعارها، قائلا: «نفسى أبطل بس مقدرتش فضلت سنتين مش بشرب ورجعت تانى ليها».

وأوضح «أسامة»، أن معدل تدخينه يصل إلى عبوة يوميًا من النوع المستورد «العبوة الواحدة تحتوى على ٢٠ سيجارة»، مشيرًا إلى أنه يفضل شراء السجائر المستوردة التى تقارب فى سعرها الأنواع المحلية، لكنها ذات جودة أعلى بالنسبة له.

وأضاف أسامة، أن معدل إنفاقه على شراء ٣٠ علبة شهريا يكلفه مبلغا كبيرا من دخله، حيث يعمل فى شركة بجانب عمله الخاص، مشيرا إلى أن الارتفاع الأخير لأسعار السجائر مبالغ فيه وأن السبب يرجع إلى احتكار التجار للسوق وارتفاع أسعار السلع الأخرى، وبالتالى التبغ ومشتقاته.

«أسامة» ليست الحالة الوحيدة، فعلى الرغم من ارتفاع أسعار التبغ ومشتقاته خاصة السجائر، إلا أن نسب إنفاق المصريين على التدخين وفقا لآخر دراسة للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لعام ٢٠١٨ والمنشورة ٢٠٢٠ يمثل ٤.٧٪ من إجمالى إنفاق الأسر.

الأسر الأكثر فقرًا والأقل من المتوسط هي الطبقة الأكثر شراء وإنفاقًا على التدخين

نسب إنفاق المصريين على شراء منتجات التبغ ومشتقاته

وقسم «الإحصاء» إنفاق الأسر على التدخين إلى ٤ شرائح، الأولى وهى الأقل إنفاقا، ويبلغ نسبة الإنفاق فيها ٥.٣٪، وتقع هذه الأسر فى دائرة الفقر، بينما تنفق الشريحة الثانية ٥.٩٪، وهى الطبقة الأقل من المتوسط، بينما تنفق الطبقة المتوسطة ٥.٧٪، والطبقة الأسر فوق المتوسط ٥.١٪، بينما تنفق الأسر الأعلى إنفاقا نسبة ٣.٦٪ من إنفاقها الكلى على التدخين.

وتوضح تلك الدراسة، أن الأسر الأكثر فقرا والأقل من المتوسط هى الطبقة الأكثر شراء وإنفاقا على التدخين.

اقتصاد الإنتاج

من جهة أخرى، يعد الاقتصاد المرتبط بحركة التجارة الداخلية لبيع وشراء السجائر فى مصر من الأسواق المرتفعة، طبقأ لآخر إحصائيات الجهاز المركزى للإحصاء الصادرة مارس ٢٠٢٣، ارتفع معدل إنتاج التبغ ومشتقاته فى مصر مقارنة بعامى ٢٠١٤ و٢٠١٩، حيث ارتفع الإنتاج الفعلى للسجائر بنسبة تصل إلى ٢٢٪. ويعنى الإنتاج الفعلى بالكميات الذى حققته فعلا العمليات الإنتاجية على الواقع خلال فترة ٢٠١٨-٢٠١٩ فى مصر، حيث بلغ الإنتاج الفعلى للسجائر عام ٢٠١٤- ٢٠١٥ إلى ٦٤ مليارا و٣٥١ مليون سيجارة، بينما وصل إنتاج السجائر فى الفترة ٢٠١٨- ٢٠١٩ إلى ٢٨٧ مليارا و٣١٠ ملايين سيجارة بقيمة بلغت ٤٦ تريليونا و٢٥٦ مليارا و٩١٩ مليون جنيه، كما وصل الإنتاج الفعلى من المعسل ٢٠٨ مليارات و١٠٣ ملايين عبوة وبلغت قيمتها ٥ تريليونات و٦٦٨ مليارا و٣٦ مليون جنيه.

حملات للإقلاع عن التدخين

مع ارتفاع أسعار السجائر، شن مواطنون على مواقع التواصل الاجتماعى حملات لمقاطعة الشراء، وأخرى لإقناع المدخنين بالإقلاع بعد ارتفاع سعرها وضررها الصحى.

«أبوسلطان»، أحد رواد مواقع التواصل الاجتماعى، عبر على صفحته على موقع «فيسبوك»، عن رفضه استمرار المدخنين فى شراء التبغ ومشتقاته، قائلا: «المنشور ده للناس اللى بتولع فلوسها وبتنفخ فى الهوا السجاير، علبة السجاير تخطت الـ٤٠ جنيها، وقريبا بـ٥٠ جنيها، ودى أقل سعر لعلبة سجاير فى مصر، والمدخن أقل كمية له فى اليوم من أول ما يصحى لغاية ما ينام علبة، دى للحريص كمان، أنا عندى اقتناع شخصى أنه لو حوش الـ٤٥ جنيها بتاعت السجاير، هل فعلا آخر السنة هيلاقى ١٨٠٠٠ جنيه؟، طبعا لأ»، ونصح المدخنين بالإقلاع عن شراء السجائر وشراء السلع والمنتجات الغذائية، وأن الغلاء الحالى توقيت مناسب لفعل ذلك. كما قالت نورا علام عبر صفحتها: «للى لسه بيشرب سجاير فى الفترة دى تحديدا وسعرها الجنونى ده محتاج يراجع نفسه، حرام تدفع كل يوم ٤٠ أو ٥٠ جنيها فى حاجة بتهلك صحتك وتخرب بيتك ماديا، لو أنت بتشرب علبة واحدة فى اليوم وبطلتها يعنى أنت كده وفرت ١٦٠٠ شهريا».

بينما أرجع السيد حسن، الزيادات فى الأسعار إلى جشع الشركات وأن تشجيع ذلك يستنفد من أموال المواطنين، قائلا: «حد يعرف يعنى إيه علبة السجائر تزيد من ١٠ إلى ١٥ جنيها، وده أقل تقدير وفعلا مفيش زيادة من الشركة، يعنى الكرتونة تكسب غير مكسبها الأصلى أكتر من ٥٠٠٠ إلى ٧٠٠٠، يعنى التاجر اللى بيعرف يجيب بضاعة تاجر الجملة اللى مخزن وعارف اللى فيها من الشركات مكسبه فى اليوم الواحد، شكرا أيها التاجر الصغير علشان تكسب ٢٠٠ جنيه، شكرا أيها المستهلك الكبير حتى تستنفد ما عندك من أموال حتى يصبح هناك تاجر واحد كبير يستحق أن نقول عليه نمبر ون فى التجارة الملياردير الكبير».

الرقابة على السوق

كشف أحمد أبوالفضل، مدير إدارة شئون الرقابة على المعاملات التجارية بوزارة التموين، عن تكثيف الحملات الرقابية على التجار والمحلات والأكشاك المختصة بتوزيع التبغ ومشتقاته مثل السجائر والمعسل، مشيرا إلى أنه لا توجد أزمة فى توافر التبغ ومشتقاته، ولكن تداول الشائعات حول ارتفاع أسعاره، خاصة السجائر كان سببا فى طمع التجار فى تخزينها لاحتكار البيع بأسعار أعلى من المعلن عنها. وأكد مدير الرقابة بوزارة التموين، فى تصريحات لـ«البوابة»، أن الوزارة تتبع أسعار السجائر من خلال الفواتير المعلنة ومطابقتها مع أسعار الشركات المدونة رسميا، مؤكدا أن الوزارة تتخذ الإجراءات القانونية ضد من يخالف التسعير من خلال محاضر رسمية ومصادرة العبوات ذاتها، سواء كان المخالف تاجر تجزئة أو جملة، أو صاحب محل.

وأضاف، أن هناك حملات على السجائر مجهولة المصدر خاصة المستورد منها، وأى نوع من السجائر لا توجد لها فاتورة قانونية، يتم اعتبار العبوات مجهولة المصدر، ويتم تتبع عملية البيع والشراء مابين أصحاب الأكشاك والتجار والموزعين للوصول إلى المستورد، والتحقق من قرار الإفراج الجمركى لضمان صلاحية العبوات وعملية البيع والشراء بشكل قانونى.

اقتصاديات مكافحة التبغ

على جانب آخر من الاقتصاد المتعلق بالتبغ ومشتقاته، كشف فرانك شالوبكا، مدير مركز السياسات الصحية فى جامعة إلينوى فى شيكاغو، والخبير الاقتصادى الدولى فى دراسته المتعلقة باقتصاد مكافحة التبغ، أن اقتصاد مكافحة التبغ يركز على أداء السوق بما يشمل البحث فى العرض والطلب، وعواقب هذه الأسواق على الأفراد والمجتمع والاقتصاد بشكل عام، ومتى يتم تنظيم منتجات التبغ وكيفية تنظيمها. 

وأوضح شالوبكا، أنه من الممكن تقدير القيمة النقدية للأضرار المختلفة الناتجة عن تعاطى التبغ، فمثلا هناك تكاليف تتحملها البيئة المحيطة، بعضها واضح وظاهر مثل تراكم المخلفات مثل السخام والقطران على المبانى التى يسمح فيها بالتدخين، والسجائر والنفايات الناتجة عن مضغ التبغ لا تتحلل وتتراكم فى البيئة مع مرور الوقت.