اخترت لكتابي عنوان "سوبر مامي" ووجهت كتاباتي للأم لأنني أؤمن تماما بأن الأم ليست مقدمة رعاية، ولكنها المعلم الذي يبني ويؤسس ويشكل روحا قادرة على تجاوز المستحيل، إنها الحصن ومصدر الأمان والطاقة وينبوع الحب، وهذا لا يقلل من دور الأب بقدر ما هو تعظيم لتلك المدرسة الربانية التي سخر لها الله كل العلوم حتى وإن لم تدرس أو تتعلم.
وقبل أن أضع لكم روشتة هذا الأسبوع أسوق لكم قصة ربما يعرفها الكثير لكن يجب إعادة قراءتها والتمعن فيها لمعرفة قدرة هذا المخلوق وهو الأمل على جعل المستحيل سهلا ومتاحا، وعلى تحقيق إعجاز وليس إنجازا.
كان الطفل توماس أديسون في المدرسة الابتدائية، وعاد إلى المنزل من المدرسة ذات يوم برسالة من معلمه، كانت الرسالة موجهة إلى والدته، ” ابنك غبي [مختل عقليا]، لن نسمح له بالحضور إلى مؤسستنا بعد الآن “.
رسالة كانت كخنجر انغرس في قلبها، الطبيعي أن تنهار وتبكي وتعنف ابنها لكنها تستحق ان يقال عنها "سوبر مامي" فلقد وضعت روشتة ليست فقط طبية ولكن حياتية.
طوت الرسالة بجمر ما جاء فيها في قلبها ووارت دمعها وحسرتها عن طفلها وحينما سألها عما جاء في الرسالة قالت له إنهم يثنون عليك..
كانت مشكلة توماس أنه يسأل كثيرا فضاق به معلموه واتهموه بالغباء، علمته والدته بالمنزل، وأظهر حبًا شديدا بالمعرفة، وأبدى نضجًا مبكرًا وتقدمًا عقليًا يفوق عمره وكان أديسون أنفذ بصيرة من مدير مدرسته ومُعلميها الذين ضاقوا ذرعًا بكثرة أسئلته.
عمل أديسون وهو في الرابعة عشر من عمره عامل تلغراف في إحدى محطات القطار وتعلم قواعد لغة مورس، وكانت فرصة أديسون العظيمة من هذا العمل أن تمكن من اختراع التلغراف الآلي الذي يترجم العلامات بنفسه دون حاجة لشخص يعرف لغة مورس يكون في الجانب الآخر، تناقصت حاسة السمع كثيرا عند أديسون، ما جعل رئيسه في العمل ينزعج من عدم الرد عليه، فطلب منه أن يكلمه كل نصف ساعة حتى يعرف أن متواجد في العمل.
فاخترع أديسون لكي يجنب نفسه مشقة التحدث كل نصف ساعة مع رئيسه الممل، جهاز عرف باسم المكرر الآلي يغنيه عن الاتصال بنفسه ويمكنه من التفرغ لتجاربه واستعمله لإبراق رسائل من على خط آخر من غير حاجة إلى مبرق، وقد أفادته تلك الوظيفة وانشغاله بمسائل الاتصال اللاسلكي أن تعمق في تجارب العالم ” فارادي ” حتى أصبح واحدًا من أهم خبراء التلغراف.
توالت اختراعات توماس أديسون حتى بلغت حوالي ١٠٩٣ اختراعا ومنها آلة عرض الصور والمصباح المتوهج الكهربائي الذي توصل إليه بعد أن خاض ٩٩ تجربة فاشلة حتى نجح في المرة المائة.
لقد كان الدافع القوي وراء هذا العبقري العظيم تلك الأم ماري أديسون التي ندين لها ولابنها بضوء المصابيح التي تنير عتمة ليالينا.
كان الدافع وراء هذا العظيم تلك الأم العظيمة. وها نحن مدينون لتوماس وأمه بالمصباح الذى يضىء عتمة ليالينا.
أظن أن أجبنا على شكوى كل أم بأن طفلها الذي يسأل كثيرا ليس غبيا، بل هو طفل يقظ ويتمتع بدرجة رائعة من الذكاء، لأنه يحاول أن يكتشف العالم من حوله.. فلا تطفئ شغفه ولا تسخري منه ولا تنهريه، بل استمعي جيدا باهتمام، علميه كيف يبحث عن الجواب وكيف يسأل ويتحاور وحولي الأمر إلى نقاش يبدي فيه رأيه، وحذار إذا سألك طفلك الكذب عليه، ولتكن إجابتك بأسلوب لبق وسهل حسب عقله وسنه.
وسنراه كما تتمنين ونتمناه ممن يشار إليهم بالبنان.
آراء حرة
د.غادة عبد الرحيم تكتب الروشتة "4": طفلك كثير الأسئلة ليس غبيا.. والدليل «توماس»
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق