«لا صانع قرار، لا ينبغي لأي بلد أن يختار بين الحد من الفقر وحماية الكوكب».. بهذه الكلمات افتتح إيمانويل ماكرون القمة لاتفاق مالي عالمي جديد أمس الخميس في باريس. الهدف للمنظمين: "بناء إجماع جديد لنظام مالي دولي أكثر اتحادًا"، هدفين قمته إيجاد صياغة لاتفاق مالي عالمي جديد لاستعادة الثقة بين الشمال والجنوب
ولذلك اجتمع بزعماء نحو خمسين دولة وحكومة وأكثر من 300 ممثل للمؤسسات المالية الدولية والقطاع الخاص والمجتمع المدني لمدة يومين في العاصمة الفرنسية" ، بمبادرة من الرئيس الفرنسي لإعادة التفكير في النظام المالي الدولي. لمساعدة الدول الأكثر فقرا ، التي تواجه صعوبات في مواجهة تغير المناخ ، في صميم المناقشات التي ستنتهي غداً الجمعة.
الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا ونظيره الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا ورئيس الوزراء الصيني لي تشيان٠ "من بين الشخصيات الموجودة في باريس ، إلى جانب وزيرة الخارجية الأمريكية للخزانة جانيت يلين ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين".
وتسعى القمة في النهاية إلى وضع حجر الأساس لنظام مالي عالمي جديد، يمكّن الدول النامية من مواجهة تبعات تغير المناخ ومكافحة الفقر. وخلال افتتاح القمة، دعا ماكرون إلى "صدمة مالية عامة ورفع "التمويل الخاص" لمساعدة الدول الفقيرة.
جاءت بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمحاولة إعادة تشكيل النظام لاقتصادي العالمي، وطرح فكرة "إنشاء عقد جديد بين الشمال والجنوب"، حسب بيان لقصر الإليزيه.
اتفق القادة الحاضرون على أن الحكومات لا يمكنها الاقتراض أكثر لمكافحة تغير المناخ إذا كان هذا الاقتراض يجعلها أكثر عرضة لتهديد لم تسببه الأزمات الاقتصادية السابقة" ،
بعد حفل الافتتاح الذي ترأسه إماكرون ، تم تنظيم مناقشات عالية المستوى حول ست موائد مستديرة رئيسية بين رؤساء الدول وصناع القرار الرئيسيين شارك فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي. فيما سيفتتح ماكرون القمة في اليوم الثاني ، غدا الجمعة ، بسلسلة من الخطابات والأفكار من بينهم: رئيس قمة المناخ القادمة COP28 ، ورئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد ، و الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لايجاد.
نظام لإعادة التفكير في النظام المالي لمواجهة الصدمات العالمية.
ظهرت فكرة اتفاق جديد بين الشمال والجنوب خلال قمة شرم الشيخ COP27 في مصر يوم 20 نوفمبر. حيث أطلق هذه المبادرة ماكرون، في نهاية المؤتمر ، كان رئيس وزراء باربادوس ميا موتلي قد طرح على الطاولة اقتراحًا ملموسًا لإصلاح المؤسسات من أجل تمويل أفضل لمكافحة تغير المناخ في أفقر البلدان.
ندد في منتدى دينو، باتي جلال ، السفير الإندونيسي السابق لدى الولايات المتحدة ، ومايكل شيلدريك ، المؤسس المشارك للمنظمة غير الحكومية قالا بأن الدول الغربية هي التي تساهم بأكبر قدر في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكنها لا تحترم التزاماتها المالية لدول الجنوب لمساعدتها على محاربة آثار الاحتباس الحراري.
هذا وقد أقر ثلاثة عشر من القادة والسياسيين في بيان نشروه في جريدة لوموند أمس أنه في السنوات الثلاث الماضية ، وقع 120 مليون شخص في فقر مدقع ، ولا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة بحلول عام 2030 "، ،" وقالوا تحت إعلان النوايا "سنواصل الدعوة إلى استمرار التقدم ، والبناء على الأحداث الرئيسية الأخرى ، بما في ذلك قمم مجموعة العشرين أو مؤتمر الأطراف 28 الذي سيعقد هذا العام في الإمارات العربية المتحدة".
وكانت صحيفة "لو موند" الفرنسية قد أفردت عمودا في عددها الصادر أمس الأربعاء، تحدثت فيه عن تعهد زعماء 13 دولة منها فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا والبرازيل وبريطانيا "بالمضي قدما لاتخاذ تدابير ملموسة من أجل انتقال إيكولوجي عادل وموحد".
في الواقع ، وفقًا للإليزيه ، فإن القمة "تهدف قبل كل شيء إلى وضع خارطة طريق صاغتها فرنسا بالتشاور والتنسيق مع حلفائها للأشهر المقبلة ويبدو أنها سوف تشهد نجاحا بعد الدعم الدولي لنحو 100 دولة وأكثر من 300 منظمة عالمية.
الإرادة السياسية
حضرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ، التي كانت واحدة من الموقعين على الإعلان المنشور في صحيفة لوموند ،وأيدت مبادرة الرئيس الفرنسي لمساعدة الدول النامية والأكثر تضررا لكن من بين زعماء مجموعة السبع ، لم يحضر سوى المستشار الألماني أولاف شولز وماكرون ، مما يثير مخاوف من أن الحدث ان يكون أكثر إثارة رغم كونه يلامس مواضيع حيوية ورغباتك شعبية عالمية. أما على مستوى الاتحاد الأوروبي ، فقط قادة بلغاريا وسلوفاكيا حضرا.
قال فاني بيتيتبون ، مدير المنظمة غير الحكومية "ليس المال هو الذي ينقصه ولكن الإرادة السياسية. إذ يتوجب على رؤساء الحكومات الآن تحمل مسؤولياتهم. لأنه بعيدًا عن التمويل ، فإن الأمر لا يزيد ولا يقل عن إعادة بناء الثقة بين بلدان الشمال والجنوب.
"داخل المجتمع المدني ، تقدم العديد من الجمعيات والمنظمات غير الحكومية بالفعل العديد من السبل" ، داعية إلى فرض ضرائب على أكبر الملوثين - خاصة شركات الوقود الأحفوري ، مشيرا إلى "مسؤوليتهم التاريخية في فوضى المناخ.
محاور القمة
ناقش الحشد السياسي والمدني العالمية في القمة الحاجة لتخصيص أموال طائلة لمواجهة آثار أزمة تغير المناخ ومكافحة الفقر. وقد غرد ماكرون أمس الأربعاء قائلا "أشعر بأنه يمكننا إحداث فرق كبير لكوكب الأرض وفي مجال مكافحة الفقر".
ويعتزم ماكرون إنجاح قمته وتفادي ما انتهت به القمم السابقة بعدم رضى النشطاء والمدافعين عن البيئة لذا اقحم اليات الحفاظ على البيئة واقحم ملف المناخ ليكون رئيسيا في القمة بجوار الملف المالي، يحاول التمكن من تأمين اتفاق دولي تاريخي على إنشاء صندوق لدعم الدول الفقيرة بمواجهة تأثيرات التغيرات المناخية. كما شملت المواضيع التي ناقشها قمة "الميثاق المالي الجديد" المعقودة اليوم في باريس، إلى جانب ملفات أخرى، أليات تمويل هذا الصندوق.
وفقا لخبراء قصر الإليزيه، يكمن أحد الأهداف الرئيسية لهذه القمة في مناقشة الهيكل المالي الدولي والمؤسسات النقدية العالمية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي)، التي نشأت بفعل اتفاقات "بريتون وودز" (1944) في أواخر الحرب العالمية الثانية، وتكييفها لمواجهة التحديات العصرية.
يأتي هذا في وقت وجدت فيه دول الجنوب (الفقيرة) نفسها محاصرة، بمواجهة أزمات متتالية (كوفيد، التضخم الاقتصادي العالمي، الحرب في أوكرانيا)، كان لها أثر ثقيل للغاية على اقتصاداتها وعمليات التنمية فيها. في نفس الوقت، تعتبر هذه الدول أن الحصول على تمويلات لمشاريع داخلية من هاتين المؤسستين (البنك وصندوق النقد الدوليين) صعب للغاية، وأنها تحتاج لمساعدات سريعة وعاجلة لمواجهة موجات الجفاف والفقر والكوارث البيئية المتتالية، وللتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري.
احتياجات مالية طائلة والتزامات دون تنفيذ
اعتبرت مجموعة من الخبراء التابعين للأمم المتحدة إضافة إلى وكالة الطاقة الدولية، أنه من أجل أن تتمكن هذه الدول من تحقيق أهدافها، سيتعين عليها إنفاق 2400 مليار دولار سنويا في مشاريع اقتصادية، ورفع إنفاقها على مصادر الطاقة البديلة من 260 مليون دولار سنويا حاليا، إلى 1,9 تريليون على مدار العقد القادم.
أما منظمة "أوكسفام" غير الحكومية، فاعتبرت أنه يجب تخصيص 27 ألف مليار دولار من أجل "مكافحة الفقر وعدم المساواة والتعامل مع تغير المناخ في البلدان النامية" بحلول عام 2030، أي ما يقرب من 3900 مليار دولار سنويا. في هذا الإطار، وضمن خطة العمل المناخية التي تم تبنيها في 2021، يستفيد البنك الدولي من مبلغ 4000 مليار دولار سنويا حتى عام 2030 لتمويل مشاريع البنى التحتية للبلدان النامية، ما يعني أنه بحاجة إلى مضاعفة هذه الميزانية لملاقاة الأهداف التي وضعتها "أوكسفام"
كما ناقش الدول خلال قمة "الميثاق المالي الجديد"، وسائل لتمويل الخطط الطموحة التي تبنتها، مع العلم بأنها في السابق كانت قد التزمت بالمساهمة في تمويل صناديق لهذه الأهداف، لكنها لم تنفذ.
فيما نددت ديزيريه أسوغبافي، مديرة منظمة "وان" (ONE) للفرانكفونية، بموقف البلدان المتقدمة معتبرة أنها "التزمت بالفعل بتخصيص 0.7% من ثرواتها للبلدان النامية، والمساهمة بمبلغ 100 مليار دولار لمواجهة تبعات التغير المناخي. ولكن حتى الآن لم يتم توزيع هذه الأموال، إلا جزئيا ربما، وربما لم يتم توزيعها على الإطلاق".
إعادة هيكلة ديون الدول الفقيرة
تستفيد القمة من ثقل وزن الحاضرين السياسي، فإلى جانب الرئيس المصري قادة الدول ،يتواجد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، والرئيس البرازيلي والمستشار الألماني، ومثل
الصين رئيس وزرائها والسعودية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والولايات المتحدة وزيرة الخزانة.
كما شارك نحو 20 زعيم أفريقي بأعمال القمة، بعد أن كان العديد منهم قد رفعوا الصوت مؤخرا ضد الدول الغنية التي تضخ المليارات لدعم أوكرانيا، في حين بدأت بتخفيض دعمها لدول القارة الفقيرة.
وفي خطاب ألقته صباح اليوم الخميس في باريس، قالت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين إن بلادها "ستضغط" من أجل مشاركة الجهات الدائنة للدول الفقيرة في مفاوضات لإعادة هيكلة ديونها.
مقترحات لتمويل الصندوق
تقدمت عدة جمعيات مدنية ومنظمات غير حكومية بأفكار من شأنها إيجاد مصادر لتمويل هذه الأهداف، إحداها كانت فرض ضرائب على كبار الملوثين، خاصة شركات التنقيب واستخراج النفط، مشيرين إلى مسؤوليتها التاريخية في "الفوضى المناخية الحالية". في فرنسا، أرسلت 12 جمعية في يونيو الجاري التماسا للرئيس إيمانويل ماكرون جمع أكثر من 24 ألف توقيع، مطالبين بفرض ضرائب على الصناعات النفطية. وفقا لفاني بيتيتبون، مديرة المناصرة في منظمة "كير فرانس" غير الحكومية، "ستسمح هذه الضريبة بجمع مبلغ يصل إلى 300 ألف مليار دولار".
لكن حسب الأخبار المتداولة قبيل افتتاح القمة، يبدو أن هناك إجماعا حول فرض ضرائب إضافية على قطاع النقل البحري فقط. فبناء على معطيات البنك الدولي، يمكن لهذا القطاع أن يدر أموالا تقدر بين 60 و80 مليار دولار سنويا.
الموضوع يمكن أن يحسم في يوليو القادم خلال اجتماع المنظمة البحرية الدولية، لكن مسألة استخدام الأموال ستظل بحاجة إلى حسم بدورها. فبينما يناشد البعض أن تذهب إلى الدول النامية مباشرة، يطالب البعض الآخر باستخدامها في إزالة أثار التلوث الكربوني الناجمة عن هذا القطاع.
تسهيل الديون وتحفيز مصارف التنمية الدولية
ناقش القادة المجتمعون في باريس ضرائب أخرى ووسائل مجدية لتمويل خطط مواجهة تغير المناخ والفقر، مثل إعادة هيكلة ديون الدول الصغيرة وتعزيز دور القطاع الخاص في هذه الخطط.
اعتبرت ليسون ريبايندر، من منظمة "CCFD-Terre Solidaire" الفرنسية غير الحكومية، أن "خدمة الديون في بلدان الجنوب في أعلى مستوياتها منذ نهاية
التسعينيات،و93% من البلدان الأكثر تعرضا للكوارث المناخية هي في حالة من المديونية المفرطة أو قريبة منها". وتضيف "تمر هذه الدول اليوم بأزمة تسديد ديونها للهيئات والدول الدائنة والمؤسسات المالية والمصارف الخاصة، ما يمنعها من الاستثمار في قطاعات الخدمات العامة أو في مكافحة تغير المناخ".
في الوقت الحالي، وفقا لريبايندر، سيتضمن المشروع قيد المناقشة إضافة بنود في عقود القروض من شأنها أن تسمح بتعليق السداد في حال حدوث كارثة مناخية. هذا الإجراء تم تبنيه بشكل استثنائي من قبل مجموعة الـ20 أثناء جائحة كورونا.
وتورد "لكن علينا أن نذهب أبعد من ذلك ونفكر في إلغاء كبير للديون...".
توافق هارجيت سينج، رئيس الاستراتيجية السياسية العالمية في شبكة العمل المناخي الدولية، مع ريبايندر في هذا الطرح "تستمر الدول الأغنى في منح بلدان الجنوب قروضا بشكل أساسي - في عام 2020، مثلت التبرعات 26% فقط من التمويل المناخي الملتزم به"، مناديا بأن "الكفاح ضد تغير المناخ يجب أن يخرج بسرعة من منطق جني الأرباح".
وعقب هذه القمة، ستوضع الدول الغنية في مواجهة وعدها بتقديم 100 مليار دولار سنويا كمساعدات للدول الفقيرة. هذا الالتزام الذي كانت قد تبنته قبل ثلاث سنوات دون أن يتم تنفيذه. كما ستدعى مصارف التنمية متعددة الأطراف إلى تقديم المزيد من القروض، وذلك بحضور رئيس البنك الدولي الجديد أغاي بانغا ومديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا.
خارطة طريق
تدرك فرنسا، المستضيفة لأعمال القمة الدولية، أنه "لن تكون لديها القدرة على اتخاذ القرار" حاليا. لكن بحسب الإليزيه، فإنها تسعى إلى وضع وتبني خارطة طريق للأشهر القادمة، تُمكن العودة إليها في قمة مجموعة الـ20 القادمة التي ستعقد في سبتمبر المقبل في الهند، وفي الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي سيعقد في أكتوبر القادم.
ولهذا يعول كثيرا الرئيس ماكرون على تثقل المملكة السعودية المالي والاقتصادي في إعطاء الميثاق المالي العالمي الجديد روحا قوية بجوار الصناديق السيادية الخليجية والأوروبية والآسيوية
فيما اعتبرت سيسيل دوفلوت، رئيسة منظمة "أوكسفام" غير الحكومية، أن "هذا الحدث سيساعد في وضع العديد من القضايا المهمة في قلب المناقشات الدولية". أما فاني بيتيتبون فاعتبرت أن "ما ينقص ليس المال، ولكن الإرادة السياسية. على رؤساء الحكومات الآن تحمل مسؤولياتهم، لأنه بالإضافة إلى التمويل، يجب العمل على إعادة بناء الثقة بين بلدان الشمال والجنوب".
فبما يرى الرئيس ماكرون صاحب المبادرة أن القمة مناسبة من أجل إعادة التفكير بصورة جماعية في هيكلية تمويل التضامن الدولي والعمال المناخي من خلال اقتراح حلول عملية بغية تعزيز النظام المالي الدولي لكي يصبح أكثر فعالية وأكثر استجابة وأكثر عدلًا لشعوب العالم برمته.