اعترف أننى وضعت نفسى فى مأزق عندما حاولت أن أختار جانبا من جوانب إبداع الأستاذ مصطفى بيومي للكتابة عنه، ورغم الاحتشاد الذى ملأنى عند التفكير فى ذلك، وعودتى لزيارة حديقته الإبداعية، اكتشفت أننى أمام اختيار صعب، فعلى أن أختار، زهرة واحدة من بين عشرات الأزهار المختلفة فى لونها ورحيقها وشكلها، فكان قرارى الأصعب هو الكتابة عن صانع ومبدع هذه الحديقة الثقافية.
يعتبر مصطفى بيومى الامتداد الطبيعى لجيل السبعينيات فى الجامعات المصرية، المهموم بقضايا الوطن والحلم بمجتمع مدنى عادل وديمقراطي، وتأثر مثل كل أبناء جيله بمراحل التوهج السياسى والفكرى والثقافى الذى شهدته مصر عبر مراحلها المختلفة.
ورغم عملة الصحفى الذى كان يمكن ان يشغله عن موهبته الابداعية، استطاع مصطفى بيومى أن يحجز مكانا متقدما فى عالم الإبداع فلم يكتف بعملة كمحرر صحفى يكتب عن الثقافة والأدب والأدباء، بل وجدناه، شاعرا وروائيا وناقدا، وباحثا مجتهدا فى تفاصيل الإبداع المصرى والعربي، من قصص، وروايات، وسينما، ومسرح، وغناء وشعر.
لنكتشف أننا امام كاتب موسوعي، استطاع أن يؤسس لمنهج جديد فى النقد والتحليل الأدبى والفكري، بقدرة ودقة متناهية، يمكن تسميتها بفن رصد التفاصيل الصغيرة التى تجعل القارئ أكثر فهما واستيعابا للعمل الأدبى أو السينمائى أو الغنائي، عن طريق توسيع عدسة (زوم) على الشخوص والأسماء والأماكن، فى هذه الأعمال، لنكتشف أننا امام حديقة واسعة تضم مجموعة من الزهور المتنوعة.
بدأب وصبر واجتهاد شديد، ودون ضجيج وفى صمت ظل مصطفى معتكفا مثل راهب فى محراب الثقافةً، وأكاد اجزم ان مصطفى هذا الشاب الذى تجاوز الستين بسنوات قليلة قضى اغلب عمره، لا يفعل شيئًا سوى التفكير والقراءة والكتابة رغم حبه للحياة، لأنه يؤمن ان الكتابة هى الحياة الأبدية.
وربما يعكس هذا الفهم طبيعة شخصية مصطفى كفنان وكاتب، والذى يمكن تلخيصها فى كلمة واحدة هى (إنسان)… الإنسان المحب للناس والخير والجمال المتصالح مع نفسه والذي يحمل كل الحب والود للجميع، المتعالى عن الشرور والأحقاد والصراعات والأطماع.
ولا أزال ممتنًا لموقفه الداعم لى عندما وضع قلمه وابداعه تحت تصرف مجلة الهلال ومطبوعاتها الأخرى الكتاب والرواية اثناء تشرفى برئاسة تحريرها (٢٠٠٥/٢٠٠٩)،فلم يخل عدد من اعداد المجلة من مقال له، وشرُفت بنشر روايته (لعبة الحب) فى سلسلة روايات الهلال عام ٢٠٠٨.
واعترف لى مؤخرا أن استاذنا الكبير رجاء النقاش طلب منه أن يسهم بالكتابة فى الهلال كنوع من الدعم لي، قائلا إن هناك حملة تستهدفني، وقد كان لهذه المشاركة من مصطفى هو وعشرات الكتاب والمثقفين بالكتابة فى تلك المطبوعات الأثر الكبير فى نجاح الهلال ومطبوعاتها وعودتها كمجلة رائدة فى مصر والعالم العربي، وهذه قصة أخرى سيأتى وقتها لروايتها.
جمعنى ومصطفى بيومى هم مشترك، فقد كان معجبا بفكرة تكريم رموزنا فى حياتهم وقد أرسيت هذا النهج والتقليد بإصدار أعداد خاصة فى حياة مبدعينا وليس بعد رحيلهم، فشارك مصطفى بيومى بقلمه فى هذه الأعداد بحماس، ولعل ذلك ما جعله يكتب على صفحته الخاصة جمله ربما كانت تعبيرا عن هذا المعنى وبها بعض الحزن على طبيعة المناخ العام والثقافى بشكل خاص الذى لا ينتبه لقيمة المبدعين إلا بعد رحيلهم لأسباب تتعلق بأمراض المجتمعات المصابة بالشللية وعمى الالوان الثقافى والسياسي.
يقول مصطفى بيومى فى كلمته: (اعتزال النشر قرار صعب بقدر ما هو حتمي. المناخ الثقافى رديء مزعج، ولم أعد قادرا على التعايش مع أعاصير الإحباط واليأس. ممتن جدا لكل من كان يتابعنى ويرى فى كتاباتى ما يستحق الاهتمام).
التقط زميلنا وصديقنا الكاتب الأستاذ عبدالرحيم على وهو صديق عمر للأستاذ مصطفى بيومى المعنى من هذه السطور وهو الذى بدأ فى جريدة البوابة اليومية وموقعها الإلكتروني، إرساء تقليد بعمل اعداد خاصة لرموز الفكر والثقافة والفنون، فقرر تكريم أديبنا الأستاذ مصطفى بيومى وإصدار عدد خاص من (البوابة) مع إهدائه درع مؤسسة البوابة الصحفية عرفانا لمًا قدمة من إبداع للثقافة والأدب المصرى والعربي.
ويا صديقنا مصطفي.. دمت لنا ودام إبداعك الذى يستحق الكثير وسيبقى نورا وزهورا فى حياتنا.