أقامت مؤسسة "البوابة" الصحفية يوم السبت 17 يونيو 2023 حفل تكريم للكاتب القدير مصطفى بيومي، وذلك تتويجًا لمسيرة عطاء فكري وثقافي خاضها "بيومي" وأثمرت عن عشرات المؤلفات ومئات الدراسات النقدية وغيرها من ثمار العقل والروح.
وبهذه المناسبة نقدم هذه الجولة السريعة عن أبرز ما قاله رموز السياسة والفكر والثقافة عن كاتبنا القدير:
عبد الرحيم علي: كنز فكري وأدبي نريد أن يبقى بريقه
قبل نحو 6 أشهر وتحديدًا أواخر شهر ديسمبر.. وفي أحد الاجتماعات الساخنة سأل الكاتب الصحفي عبد الرحيم علي، رئيس مجلسي إدارة وتحرير "البوابة"، عن سر غياب الأستاذ مصطفى بيومي عن هذا الاجتماع.. فأخبره الحاضرون أن نزلة برد من العيار الثقيل أصابت الرجل الذي لم يغب أبدًا.. وهنا ظهرت علامات التأثر الشديد على عبد الرحيم علي وراح يسرد على الحاضرين القيمة الفكرية والثقافية لـ"بيومي".
حيث أشار إلى غزارة إنتاجه الأدبي والنقدي الذي لطالما أثرى الحياة الإبداعية في مصر، مستعرضًا أشهر مؤلفاته التي أحدثت حراكًا في المياه الراكدة ونهل منه الكثيرون وتتلمذ على يديه كثيرون ممن يشار إليهم اليوم باسهامات ثقافية، وانتهى الحديث بإصدار "علي" توجيهات فورية بمراجعة كل الأعمال الصحفية والنقدية التي كتبها "بيومي" لاستعادة زمن الكتابة الجميل وإفادة القراء بابداعاته.
ومنذ ذلك الحين أعادت "البوابة" نشر أشهر الموضوعات الأدبية والنقدية لكاتبنا المكرم والتي طالما حظيت بمشاهدات وقراءات عالية لتثبت أن جمهور القراء بخير وأنهم حين تقدم لهم وجبات ثقافية شهية يقبلون عليها بنهم وينصرفون عن السطحية واللهث وراء الترند.
عمار علي حسن: اختار مفتاحًا واحدًا لا يفكر فيه سوى أولياء المعرفة وأصفياء الفن والساعون إلى أمل بعيد
أما الكاتب عمار علي حسن فقال عن كاتبنا القدير مصطفى بيومي: ما إن تبحث عن أى أديب مصرى كبير، أو أى قضية تناولها الأدب، حتى يخرج لك مصطفى بيومى من بين سطور الكتب، كواحد من أهم مؤرخى ومصنفى الأدب بمصر فى نصف القرن الأخير، بل هو متفرد فى نظرته الشاملة، وهو يتلمس تاريخ النقد، ويتتبع تاريخ الأدب، ويفحص أيام الأدباء وسيرهم.
واستطرد "عمار" قائلًا: ويزيدك فى هذا أن الرجل لم يقتصر على نقد وتسجيل وحصر وتفكيك وبعثرة وترتيب وتنظيم وهندسة كثير من إنتاج أعلام الأدب وقضاياهم، إنما نفذ من هذا كله إلى نقد نصوصهم، وهو فى هذا متميز، من زاوية ربط النص بسياقه، وأخذه إلى آفاق أرحب فى التفسير والتأويل.
مصطفى بيومى، ابن بلدى المنيا، الذى عصرته الدنيا وصهرته، لم يبخل بجهد، ولا وقت، على الأدب، وغيره من المعارف، فهو متعدد الاهتمام والاطلاع والكتابة، له فى كل اتجاه سهم، وفى كل جمع قول، أخلص للأدب، قراءة وكتابة، حتى أضناه، وسلى جسده، وأورثه أسقامًا، تقعد غيره، فلا يقدر على حملها، أما هو فيقوى على ضعف الجسد بقوة الروح، ومضاء الإرادة، وحضور الرغبة التى لا تتوقف فى إضافة شىء جديد إلى الثقافة، بعيدًا عن أى هرج أو مرج، وكيف يهرج الزاهدون العاكفون فى صوامع المعارف والفنون!.
ويضيف "حسن": عرفت مصطفى بيومى منذ زمن بعيد، وتابعت كل ما يكتب، وأكبرت له جهاده فى سبيل الانتصار للجمال والمعرفة، ولكنى، ولأسباب تخصنى، أجد نفسى ضعيفًا حيال كتاباته عن المنيا، فأنا ابنها، وهو قادر طوال الوقت على أنه يذكرنى بها، كابن مخلص لهذه المدينة التى كانت وديعة رائعة جميلة، وجار عليها الزمن، فصارت إلى حال أخرى، يجرحه القبح والفوضى.
لم يسع مصطفى إلى أن يخطف من القاهرة كل مفاتيحها، وما أكثرها وأقساها! إنما اختار مفتاحًا واحدًا، لا يفكر فيه سوى أولياء المعرفة، وأصفياء الفن، والساعين إلى أمل بعيد، ومجتمع آخر يسوده الجمال والعدل والحرية، كيف لا وهو أكبر المتخصصين فى العالم العربى فى دراسة نص نجيب محفوظ، ذلك الرجل العظيم الذى كان بطله الأثير يحلم دائمًا بأن يشرق النور، وتأتى العجائب، ويرعى العجل مع الشبل، والذئب مع الغنم، حين يعود الفتوة الغائب «عاشور الناجى»؟!.
بعد سنوات طويلة، لن يستطيع الساعون إلى نصوص أدباء كبار، نجيب محفوظ، وبهاء طاهر، وعلاء الديب، وصنع الله إبراهيم، وفتحى غانم، أن يتجاوزوا ما كتب مصطفى بيومى، فهو وضع معاجم للشخصيات التى حفلت بها روايات وقصص هؤلاء، وكتب عن كثيرين غيرهم، مقالات ودراسات وكتبًا، وشارك فى نقاشات ومشافهات عن مختلف الأجيال بما فيها أبناء أيامنا الذين رأت أعمالهم الأولى النور. الأمر نفسه بالنسبة لشخصيات سينمائية بديعة، من الموهوبين الذين لم يكونوا فى أى يوم من نجوم الشباك، فقد كتب مصطفى عنهم بمحبة وإخلاص، وحتى كتبه عن رواد الاستثمار من الكبار الراحلين ستبقى مفيدة. ومع النقد والتأريخ الأدبى والاجتماعى أبدع مصطفى عشرة كتب روائية وقصصية.
ويختم مقاله المنشور في "المصري اليوم" قبل نحو عام: سيعود باحثون ونقاد وكتاب وطلبة علم إلى ما كتبه مصطفى بيومى، وسيكشفون كم كان هذا الرجل دؤوبًا متفانيًا متعبدًا فى محراب الأدب، وحين يقرأون سيرته، سيدركون كم كان بسيطًا زاهدًا، ليله أرق، وأكله ورق، لم تعطه الكتابة سوى ما يقتات به، ويطعم أهله، مما يملأ بطون المعذبين فى الأرض.
احمد رجب شلتوت: مزج في كتاباته بين الأدب والصحافة وأخرج "عباقرة الظل" إلى دائرة الضوء
كما قال عنه الكاتب احمد رجب شلتوت: حاول الكاتب مصطفى بيومي، في أحد أشهر مؤلفاته "عباقرة الظل"، إنصاف عدد من الممثلين الأقل شهرة عن نجوم الصف الأول، وهم من يطلق عليهم أعمدة الطبقة الوسطى في السينما المصرية، ولم يكن مبالغا حينما وصفهم في العنوان بالعباقرة، فقد لعبوا أدوارا لا تقل أهمية عن أدوار البطولة، وأشار الكاتب إلى أنه بهذا الكتاب يدين بالحق للأديب الراحل يحيى حقي، ففي كتابه "ناس في الظل" تحدث عمن أسماهم ملح الأرض، موضحا أنهم جديرون بالحب، وكان هذا الكتاب دافعا لكتابة "عباقرة الظل"، فهدفه رد الاعتبار لنجوم الصف الثاني، أو ملح أرض السينما.
فلا أحد من هؤلاء يحتل الصدارة في الأفلام المشار إليها، لكنهم فيها كالملح في الطعام، الملح سلعة زهيدة الثمن، ولكن لا مذاق للطعام إلا به، وهكذا أفلامهم لا اكتمال للبناء الفنى فيها بمعزل عنهم.
ويضيف "شلتوت": مارس مصطفى بيومي في "عباقرة الظل" نوعا من الكتابة، يجمع بين الأدب والصحافة، تذوب فيه الحدود بين الاثنين حتى تكاد أن تتلاشى، ليس للطبيعة التي يأخذها سرده لما يتعلق بشخصيات ذات مواهب فائقة، ثم انتهت حياتها إلى التجاهل فلم تنل ما تستحق من اهتمام وتكريم، وهو في فصول الكتاب لا يهتم كثيرا بسيرة حياة الشخصية التي يتناولها، بل يركز على أدوارها السينمائية مبينا جوانب التميز فيها، ويرسم بورتريهات للشخصيات من خلال ما أدته من أدوار، فيصنع ما يشبه القصة مستوحيا أحداثها وشخصياتها من الأفلام التي برع فيها هؤلاء الذين يعرض لهم في كتابه، في محاولة للتدليل على استحقاقهم لوصفه لهم بالعباقرة.
يواصل الكتاب رحلته أمام الشاشة وخلف كواليسها منطلقا من فكرة أن الأستاذية لا يشترط أن تقترن بالنجومية، فهي حصيلة الإبداع الصادق المتوهج الذي يتجاوز فكرة البطولة التجارية، وثيقة الصلة بشباك التذاكر والموقع الذي يحتله الاسم في أفيشات الدعاية، ويستعرض تميز عدد كبير من الفنانين ينتمون لأجيال مختلفة ومدارس فنية متباينة، منهم "نعيمة الصغير.. سلطة وسلطان في الفن"، "عبدالعليم خطاب.. مزيج من الموهبة والثقافة"، "سعيد خليل المشهور المنسي"، "نجمة إبراهيم.. الملكة المتوجة فوق عرش الشر"، حيث يشير إلى ما قيل عن إشهار إسلامها قبل تأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين، ويرى أن المسألة ليست أن تكون الفنانة يهودية أسلمت أو أنها عاشت وماتت على دينها القديم، فهي مصرية خالصة قبل أن تكون مسلمة أو يهودية.
ويختم الكاتب مقاله عن مسيرة "بيومي" قائلا: وما تاريح الفن المصري إلا حصيلة جهد المصريين والمتمصرين والوافدين، دون نظر إلى هوياتهم الدينية وأصولهم العرقية، ومن هنا تتشكل خصوصية مصر وتفردها قبل أن يضربها الضعف والوهن.