عندما تقف أمام الإنتاج الغزير والرصين للكاتب الكبير مصطفى بيومي، لن تجد مصطلح يعبر عن منجزه، إلا كونه رائدا من رواد الأنثروبولوجيا الثقافية التي تهدف إلى فهم الظاهرة الثقافية وتحديد عناصرها، كما تهدف إلى دراسة عمليات التغيير الثقافي والتمازج الثقافي، وتحديد الخصائص المتشابهة بين الثقافات، وتفسر بالتالي المراحل التطورية لثقافة معينة في مجتمع معين.
ولهذا استطاع علماء الأنثروبولوجيا الثقافية أن ينجحوا في دراساتهم التي أجروها على حياة الإنسان، سواء ما اعتمد منها على التراث المكتوب للإنسان القديم وتحليل آثارها، أو ما كان منها يتعلق بالإنسان المعاصر ضمن إطاره الاجتماعي المعاش.
وهذا يدخل– إلى حد بعيد- فيما يسمى (علم اجتماع الثقافة) والذي يعني تحليل طبيعة العلاقة بين الموجود من أنماط الإنتاج الفكري، ومعطيات البنية الاجتماعية، وتحديد وظائف هذا الإنتاج في المجتمعات.
من هنا يتضح أن مصطفى بيومي ومن خلال هذه الشمولية النادرة في عالم الفكر رائد من رواد علم الأنثروبولوجيا الذي من أساسياته تقديم دراسة علمية للثقافة من مختلف جوانبها المادية والإنسانية والروحية.
وإذا أردنا تطبيق هذه التعريفات علي إنتاج الأستاذ مصطفى بيومي، نجد دراسات تندرج تحت هذا العلم، ففي الجوانب المادية نجد كتابات فريدة مثل: الوظيفة الاجتماعية للماء في الأدب العربي، وكرة القدم في الأدب المصري شهادة اجتماعية وسياسية، وفي الجانب الإنساني قدم مصطفى بيومي العديد من الدراسات، منها: العاهرات في الأدب.
حيث يؤكد مصطفى بيومي أنه ليس مثل النص الأدبى فى قدرته على التعبير عن مسيرة الدعارة وشخصية العاهرة فى مراحل مختلفة من التاريخ المصرى الحديث، فهو يعيد إنتاج الواقع ويسلط الضوء الساطع الكاشف على أسراره وخباياه. حيث قدمت الدراسة شخصية العاهرة فى إبداع: يحيى حقي، نجيب محفوظ، عبدالرحمن الشرقاوي، رفعت السعيد، بهاء طاهر، رفعت الفرنواني، علاء الديب، إسماعيل ولى الدين، جمال الغيطاني، يوسف القعيد، عمرو عبدالسميع، علاء الأسواني.
فى التواصل مع نصوص هؤلاء ما يكشف عن تشابك الخطوط فى الظاهرة المعقدة، ذات الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية والأخلاقية. الدفاع عن الدعارة والعاهرات ليس مطروحًا أو ممكنًا بطبيعة الحال. وكذلك دراسته الرائدة عن الشذوذ في الأدب.
أما الجانب الروحي في كتابات مصطفي بيومي، فيظهر في دراسته المهمة القرآن الكريم في أدب نجيب محفوظ، حيث أكد أن القرآن الكريم يحظي بمكانة بالغة الأهمية في أدب نجيب محفوظ، الروائي والقصصي الحائز على نوبل، ما يتناسب مع جلال القرآن وقداسته في الحياة المصرية التي يحرص أديبنا على تجسيدها بكل مفرداتها الواقعية.
وفي مقدمة الكتاب يقول مصطفى بيومي كاشفا عن منهجه المتوافق مع دراسة الأنثروبولوجيا الثقافية الجامعة بين علم الأفكار وتفكيك المجتمع يتسع عالم الحيب محفوظ للكثير عن "القرآن وللكثير" من "القرآن وتقع دراستا في قسمين: القسم الأول تمهيد يتوقف عند ما يتضمنه أدب نجيب والقسم الثاني دراسة للمعجم القرآني، المباشر وغير المباشر بترتيب بسم الله الرحمن الرحيم" و"الفاتحة"، وانتهاء بآخر سورة قرآنية في أدب نجيب محفوظ: "الفلق"، وهو القسم الذى يدرس ما في عالم الكاتب الكبير "من القرآن".
التمهيد يتناول عمومية الموقع القرآنى من خلال المحاور التالية: مكانة القرآن- صورة قارئ القرآن- القرآن والموت- تعليم القرآن- القرآن حاميا- القرآن والسياسية- تفسير القرآن- القرآن والإعلام- القسم بالقرآن- نهاية المطاف- القرآن والفكاهة. أما من الدراسة للعجمية فيرصد ويحلل كل ما ورد من إشارات قرآنية في عالم نجيب محفوظ والمأمول أن يكون التمهيد مدخلا مفيدًا للتواصل مع متن الدراسة.
وأن يكون المتن دليلا على صحة ما ورد فى التمهيد والبرهنة عليه. القرآن الكريم هو كتاب العربية الأول فى كل العصور، ولا يملك كاتب عربي إلا أن يتأثر به ويفيد منه ويعبر - وإن لم يكن واعيا قاصدًا - عن مكانة القرآن العظيمة وخطورة.
تأثيره في الواقع للعيش بأحداثه وبشره. لا تستهدف دراستنا هذه الدفاع عن نجيب محفوظ وإظهار إسلامه وإيمانه، فهو في غنى عن دفاعنا، وهو ليس متهمًا في دينه إلا عند طائفة من المتعصبين المرضى بداء التكفير. لهدف الأساس هو إثبات العلاقة التفاعلية التبادلية بين القرآن الكريم والواقع اليومي كما ينعكس في إبداع كاتب فى حجم وقامة نجيب محفوظ، وهو كاتب يستقى مادته من الحياة مقدمًا خير شهادة عنها. ومثل هذه العلاقة إن صحت - ولا بد أن تصح - تؤكد أن حياتنا.
تتسع للدين والدنيا معا، وأنه لا تناقض بينهما ولا عداء. إذا نجحت الدراسة فى الكشف عن قدر من هذه العلاقة الجوهرية، وإذا نجحت في إضافة جديد عما كتب عن نجيب محفوظ وعالمه الثرى؛ فإن هذا هو النجاح بعينه. وكل فشل أو تقصير سيكون مرده إلى عظيم الطموح الذى لا يملك الباحث من القوة والحيلة ما يحقق به المأمول كله.
إن هذا الكاتب إذا أدركت وزارة التربية والتعليم أهميته لمحاربة التطرف وتنمية الإبداع وتقديم تطبيق عملي لمعنى الأنثروبولوجيا في طرح الفكر القديم والمعاصر لتقرر دراسته علي طلاب المدارس.
من ناحية أخرى؛ يمارس مصطفى بيومي باحتراف منهج التفكيكية وهي واحدة من أبرز مناهج التحليل الفلسفي والأدبي والتي تنتمي إلى مناهج ما بعد الحداثة، ظهرت التفكيكية في النصف الثاني من القرن العشرين، وارتبط ظهورها بالتحولات الفكرية الكبرى التي طالت بنية النص اللغوي وتحليلاته التقليدية، لتتبنَّى رؤية مختلفة عما هو سائد، فترفض التحليل الثابت للنص، وتدعو إلى منح النص الأدبي معانٍ جديدة غير ثابتة، أي دعت إلى انفتاح النص بالشكل الذي يجعله قابلًا لاستيعاب عدد لا متناه من التأويلات المختلفة.
وطبعا لا تفي هذه العجالة لإعطاء ولو جزء ضئيل من حق الأستاذ مصطفى بيومي الذي أراه أحد الذين سمعوا قول السيد المسيح ادخل إلي العمق فدخل ووجد صيدا وفيرا من كنوز الكتابات دخل وأصبح مصطفي بيومي ملك فنون السرد السبع حيث
يحول مصطفي بيومي الكلمات الحجرية قلوب لحمية. يتسلل ببصيرة نادرة إلي الشخصيات والأحداث فيقرأ المجتمع في القصص والروايات. وعلي يديه في مطبخ من نار. يطهي الأدب والأفلام والشخصيات وينتج خبز طاز دائما. تتعدد القراءات لكن لا تتساوي الرؤية خاصة بمنظار وادوات.
1- شاعر.
2- روائي.
3- ناقد ادبي.
4- ناقد فني.
5- قارئ شخصيات.
6- عالم اجتماع.
7- سياسي.
وبالتالي يمثل مصطفي بيومي مؤسسة كاملة الأركان.. موسوعة فريدة ووزير ثقافة منحوت بالناس والكتب. واصل ونافذ للعمق كالأولياء الصالحين. وهذه الصلة ذات طريق واعر.لا يستطيع السير فيه غير الصادقيين وهم قلة في زمن زائف يهدر الكلمة ولا يقيم وزنا للتجلي النقي البعيد والمبتعد عن البهرجة والطبل الفارغ.
في هذا المقام السامي يقيم "إنسان" مصطفي بيومي "أمير مؤمنين" يلعب بالحب ويتلذذ بالقتل كل يوم. يقتل الملل والفشلة والفساد.. يبحث عن القرآن الكريم في أدب نجيب محفوظ فيبهر نجيب محفوظ ذاته. يستنطق المسكوت عنه في أدبه فيفتت سبائك الذهب بمهارة صانع وصائغ ممتع. يصنع معجمه فيخلق شخصياته من جديد بل يكمل مسيرته في"أما بعد". متقمصا دقته ونظامه وصرامته أيضا في إبداع مدهش متجدد ومعاجم شخصيات الروايات هي ابتكار خالص له.
يقرأ المكان كما في ناس من المنيا، يقرأ الزمان في الملك فاروق والسادات وعبد الناصر في الأدب، يقرأ الإنسان وهي أصعب قراءة كما في العاهرات في الأدب والحجاب واليهود وعباقرة الظل.