عرفت الأستاذ مصطفى بيومي، رجلا مثقفا موسوعيا، هادئا ودودا، دمث الخلق، ما إن أجلس لجواره، وأسأله في أمر، حتى أجدني في مواجهة نهر متدفق يجود عليّ، مثلما اعتاد أن يجود على كل من قصده، بما أخبرته الأيام والتجربة وسنوات الإجتهاد والسعي المخلص.
عنونت شهادتي، بكلمة "شيخي"، وهي كلمة ليست عابرة أو مرسلة، ولكنها نتاج إحساس صادق عايشته كثيرا، فمن منا لا يتوق لنصيحة صادقة، من عقل يثق في رجاحته، وقلب يؤمن بأنه يكن له شيء من الحب وإن عزّ اللقاء، وندرت الجلسات، وتباعد الاتصال، حرصا على عدم إزعاج الرجل المهموم بالعلم والثقافة وتحصيل وبث المعرفة التي انفق عليها نصف قرن من عمره أو يزيد.
كنت، ولا زلت، أجد النصيحة الصادقة كلما طرقت باب شيخي، اسأل وأنا مُنشغل، وربما وأنا مهموم، الإ أن همومي وانشغالاتي تتبدد فور سماع نصائحه وتوجيهاته. يتدفق الحديث واسجل الملاحظات، واجدني طَرِبَا بما يقول وما اسمع، ولا يسعني إلا التمنّي أن يطول اللقاء ويمتد الحديث، وازداد علما ومعرفة.
الحقيقة التي لا جدال فيها أنّي أحببت شيخي، ولكن مأساتي أنّي لا استطيع التعبير عن الحب لمن احببتهم، ومثلي كثير، ولذلك أسباب فرضها علينا واقع الحال، وتقوّل بعض البائسين والتعساء، ولكنّي الآن أجد الفرصة سانحة أمامي، ولدي المُتسع لأقول لشيخي صراحة أنّي أحبه، وأنّي أحب الجلوس لجواره، وأحب الاستماع إليه، وأحب نصائحه وتوجيهاته، فهو الدرّة الصادقة النادرة في زمن عكّر صفوه التصنّع والزيف.
اسأل الله أن يمد في عمره وأن يحفظه وأن يدوم اللقاء، وأن ننهل من علمه ومعرفته وتوجيهاته ونصائحه، حفظ الله الأستاذ مصطفى بيومي بقدر ما قدّم للثقافة المصرية والعربية، وبقدر ما أخلص للفن والإبداع والنقد، وبقدر ما بث فينا الأمل وجعلنا نؤمن بأن الدنيا "لسّه بخير".