الحديث عن صداقتي مع الناقد والأديب والإعلامي الكبير الأستاذ مصطفي بيومي يعني الحديث عن تاريخ ميلاد الحركة الثقافية التي توهجت في المنيا مع أوائل الثمانينيات وازدهرت بتشكيل مجموعة (شعاع) والتي كانت في الأصل مكتبة صغيرة استأجرها الأستاذ مصطفى بيومي بغرض عرض الكتب التقدمية للجمهور بأسعار زهيدة، ولنتلاقى فيها، وعن (شعاع) نجح الأستاذ مصطفى بيومي ونحن معه في إصدار مجلة ماستر حملت العنوان نفسه: (شعاع)، وعن هذه المجلة التي أسندت رئاسة تحريرها للدكتور عبد الحميد إبراهيم وعضوية الهيئة الاستشارية للأستاذين الدكتور أحمد السعدني والدكتور علي البطل يرحمهم الله جميعًا، والأستاذ مصطفى بيومي، وعن هذه المجلة تم تقديم عدة إصدارات إبداعية ونقدية، وكان الإشراف العام من نصيب الشباب: مصطفى بيومي ومنير فوزي وشادي صلاح الدين.
كان مصطفى بيومي بحكم خبرته الإعلامية والثقافية الأجدر بإدارة دفة المجموعة، وكنت قد نجحت بحكم قربي من أساتذتي الدكتور عبد الحميد والدكتور علي البطل في أن أعرفهما بالأستاذ مصطفى بيومي، ولأن مصطفى كان ناضجًا ومثقفًا ومطلعًا على الحركة الثقافية وقارئًا نهمًا لكل ما يصدر في مختلف الاتجاهات، وبحكم انتمائه الفكري كان التقارب حتميًا من اللحظة الأولى بينه وبين الدكتور علي البطل؛ الذي ازدادت صلته به وتعمقت أكثر فيما بعد، أما الدكتور عبد الحميد فكان يحب مصطفى لكنه كان يراه مؤدلجًا، وأن العقائدية تفسد الفن، ومع ذلك كان يقدره للغاية ويثق فيه.
عن دار شعاع توالت الإصدارات التي تحمل بشائر العهد الجديد، حيث حرية الفكر، وبالدفع بالتجريب في مجالات الأدب والفن، فتوالت الإصدارات وكان أولها (بكائية القلب الأخضر1983م)، وهو الديوان الأول والأخير لمصطفى بيومي ومثل جرأة فنية في القصيدة الجديدة وقتها لفظًا وصورة، وبعدها جاء ديواني تحورات الأرض 1984م ثم كانت المجموعة القصصية (البحر) للدكتورة نادية كامل ثم (قصائد للسقوط) لشادي صلاح الذي كانت قصائده تنزع إلى النثرية والتأمل، وتبتعد عن المباشرة، كما صدر فيها أيضًا إن لم تخني الذاكرة كتاب للدكتور عبد الحميد إبراهيم، وصدر لي في هذه السلسلة ثلاثة دواوين أخرى هي: (الذي قالت الريح 1985م) و(لا أحبك مرتين ولا أقايض بالندى1987م)، و(هذا الجنون الجميل1988م)، وصدر أيضًا عن ذات السلسلة ديوان بعنوان (العواصف) بمقدمة تنبه فيها الأستاذ مصطفى بيومي بميلاد الأديب والإعلامي الكبير عبد الرحيم علي صاحب الديوان، ولظروف كثيرة أهمها التعثر المالي فقد كنا ننشر هذه الأعمال بالاكتتاب والتبرعات ولم يكن لدينا دخل ثابت، وإيراد المكتبة لم يكن يكفي لسداد إيجارها الشهريّ، ورغم ذلك أصدرنا أكثر من عدد من مجلة (شعاع) وكان مصطفى بيومي هو الدينامو المحرك لكل هذه الإصدارات.
حققت إصدارات شعاع أصداء كبيرة بين مثقفي مصر ما كنا نحلم بعشرها خصوصًا بين أدباء الأقاليم، الذين احتفى بنا أدباؤها احتفالًا كبيرًا، وتوالت ردود الأفعال تجاه الأعمال الصادرة عنها وبالأخص من كتاب دمياط وسوهاج وأسوان، وأعدت دراسات جيدة أذكر منها دراسات سمير الفيل وأحمد حماسة والدكتور ماهر البقري عن بعض هذه الأعمال؛ وبدأنا نتلقى مشاركات وإسهامات ومكاتبات كلها تقدم لنا التحية وتحثنا على الاستمرار، وتتبادل معنا الخبرات في مجالات الطباعة والنشر؛ حيث كنا نعتمد على الماستر لأن الطباعة وقتها كانت مكلفة للغاية.
كان العمل تطوعيًا، والتفّ حول مصطفى كل مثقفي المنيا تقريبًا، وكنا نتلاقى بشكل شبه يومي في شعاع ومنه نجلس على مقهى سفواي؛ لنرتب ما سنقوم به مستقبلًا.