الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

باب عشق مفتوح للجميع.. فلندخل قبل أن تغلقه الكراهية

.
.
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يعرض حاليا على خشبة مسرح الطليعة، العرض المسرحي "باب عشق"، من إنتاج فرقة الطليعة التابعة للبيت الفني للمسرح، من تأليف إبراهيم الحسيني، وإخراج حسن الوزير.

يقول الشاعر والناقد أشرف ضمر: على أبواب الحياة يقف الجميع، كثيرون على باب "المال، والقوة، والنفوذ، والكراهية أحيانا"، قليلون على باب "المحبة، والعشق"، والباب الأخير لا قيمة "مادية" له، فقيمته "نورانية" بحتة، "روحانية" صرف، وما تلك الحياة إلا هذا الصراع الأزلي بين البابين، بين العنصرين المتضادين المتجاورين دائما، الشر والخير، الباطل والحق، العتمة والنور، المادة والروح.

مقدمة كان لا بد منها لفهم فلسفة العرض العبقري "باب عشق" للمؤلف المسرحي إبراهيم الحسيني، والمخرج حسن الوزير،  الذي يقول عنه: "في باب عشق تجربة مسرحية تنتصر للحياة التي نحب أن نعيشها، نأمل أن يعشقها الجمهور كما عشقناها".

ومن أجل فهم أكثر للحدوتة أو الأعجوبة المسرحية، علينا أن نستهلها بنهايتها، أو بتلك الحيرة الإنسانية الأبدية:
«يا الله.. لماذا كل هذا الشقاء؟! كلما فتحنا باباً للعشق أغلقته الكراهية، القبح يدهسنا، وما يدعو للحزن والحسرة، أن الحياة أجبرتنا على أن نكون من صناعه»، عبارة قاسية في صيغة سؤال، أو استفهام استنكاري وتعجب قائم، يطرحه الحسيني على لسان بطلة عرضه الأميرة دعد التي يصفها الكاتب على النحو التالي فراشة تنثر العشق، ويمكن لجناحها إن اهتز أن يُـحدث خللا فى الكون.

إنها تلك الأميرة النجدية، والشاعرة الحالمة بفارس له قلب شاعر، وبشاعر له عقل حكيم وقوة فارس، ليكون فارس أحلامها وحبيبها وزوجها، ومن ثم حاكما لمملكة نجد، فهي الأميرة ووريثة العرش.

من أجل هذا الحلم تعلن مسابقة غريبة، وترصد لها جائزة أغرب، فمن يكتب قصيدة قوية تعجبها، تصف حسنها وجمالها، سيفوز بقلبها، وستختاره زوجا لها، وبالتالي سيكون حاكما للمملكة كلها، وهنا ذروة الصراع الأزلي بين العنصرين، عنصر المادة المعتمة، يمثله قائد الجيوش جلال البسطامى، ذلك المحارب القوى والمتآمر مع  بكر الفحّـام وزير البلاد، الذي يـُـجيد المؤامرات ويترقب الفـُـرص، ومعهما راشد السيـّـاف الذي يصفه الكاتب بأنه صخرة صماء وسيف مُـشهر دائمًا، وعنصر النور اللامادي، الروح المحسوسة لا الملموسة، عنصر المحبة والعشق، ويمثله الأميرة دعد والشاعر دوقلة، الذي يقول عنه الكاتب إنه شاعر فصيح يعرف كثيرا من أسرار المعانى والبلاغة واللغة، لكنه يعرف قليلًا عن أطماع البشر.

وحين يصل خبر المسابقة لطاهر التاجر والمُـغامر والطامع فيما هو أكثر من ذلك، يلاحق دوقلة ويغريه بالمال، ليشتري منه قصيدة يدخل بها المسابقة ويفوز بحكم البلاد، جاهلا بأن دوقلة ينتمي لعالم لا قيمة للمادة فيه، فيرفض عرضه، ليتفق التاجر مع عبد يدعى هارون له نفسية تطمح للحرية ويبحث عنها بأى ثمن على حد وصف المؤلف، على سرقة القصيدة وقتل صاحبها، إلا أن المحاولة تفشل، ويصير العبد والشاعر صديقين، رفيقين في رحلة شاقة لقصر الأميرة، والتقدم للمسابقة، لكنها رحلة لا تكتمل، ينهيها خنجر غيلان الجبلي، عند خيمته المتواضعة التي لجأ إليها عابر سبيل اسمه دوقلة ومعه عبد بائس اسمه هارون، طلبا للماء والراحة من وعثاء السفر، ولأن الشاعر حسن النية ولا يضمر الشر لأحد، يثرثر بأمر قصيدته ليسيل لعاب الجبلي ويغريه بقتله، فيطعنه ويسرق القصيدة، وهو لا يعتبر ذلك خيانة، فالخيانة الحقيقية من وجهة نظره ستكون خيانة لنفسه ما لم يغتنم تلك الفرصة الذهبية التي أتت له عند باب خيمته ولم يسع إليها، سيغتنمها حتى لو دفع مقابلها دماء زكية لشاعر غريب مر بخيمته، بل حتى لو دفع حياته ثمنا لتلك المغامرة الحمقاء.

وبالفعل يتقدم "الجبلي" القاتل، السارق، ويحوز بالقصيدة الدعدية المميزة جدا، صعبة القافية متفردة المعانى التى كتبها دوقلة وكانت سببا في مقتله، إعجاب الأميرة النجدية، إلا أنها تشك في هذا الغيلان، فعيناه ليستا عينيِّ عاشق ولا شاعر بل قاتل وطامع، فضلا عن أنه قدم نفسه لها ولأبيها الملك رخاء الدين، بأنه من صحراء الجبل، فكيف يقول في قصيدته المزعومة: "إن تتهمي فتهامة وطني، وإن تنجدي فالهوى نجد"؟!، وشتان الفارق بين حضر تهامة وجدب صحراء الجبل؟! مجرد شك ستتأكد منه لاحقا.

وهنا تتنامى إليها أخبار المكيدة والمؤامرة التي يحيكُها بكر وجلال، للانقلاب على أبيها الملك واغتصاب الحكم عنوةَ من وريثته الحالمة التي تبحث عن شاعر من العامة يحكم المملكة ومحاربيها العظماء، مهزلة سياسية لا بد من أن يحاربوا للقضاء عليها بأي ثمن حتى الإطاحة بالملك رخاء الدين المريض الكهل العاجز عن إرغام ابنته على الزواج من أحد أمراء الولايات التي تهدد بالانفصال، ويقولون على ابنته إنها طائشة حمقاء لا تقدر حجم المسئولية ولا تفهم شيئا عن شئون الدولة ولا سياستها، بل لا تفهم من الحياة سوى الحديث كالفراشات عن الحب والعشق والشعر، لكن الأميرة دعد ليست مجرد فتاة بلهاء حالمة، بل أثبتت أنها داهية سياسية من الطراز الرفيع، فأخفت خبر وفاة أبيها الملك، وراحت تدبر وتخطط للقبض عليهم.

يكاد الشك يقتلها تجاه غيلان، فتقرر أن تضعه في أقسى اختبار عرفته البشرية، "اختبار الدم"، عليها أن تتدلل عليه وتطلب مهرها لا مالا ولا ذهبا، ولا حتى شعرا، بل دما، فمهرها هو رقاب المتآمرين على العرش، ينفذ أمرها ويقتل المتآمرين، فتتأكد من شكوكها، فالشاعر الحقيقي يتمتع بإنسانية وعذوبة تحولان بينه وبين القتل، الشاعر الحقيقي يحمل ريشة ومحبرة، لا خنجرا في جنبه، الشاعر الحقيقي لا يلطخ يديه بالدماء أبدا، الشاعر الحقيقي لا يفرح بعرض دموي كهذا، هنا تواجهه: لماذا قتلت زوجي يا غيلان؟ وتأمر بقتله قصاصا لزوجها دوقلة الذي لم ولن تلتقيه أبدا وتعلن نفسها ملكة إلى أن تجد هذا الفارس الذي يقدر العشق والمحبة ويكون جديرا بها.

شكرا بحجم الكون لكل من أسهم في خروج هذه الأعجوبة المسرحية للنور، بداية من ممثليه المتمكين لغة وأداء وتجسيدا: "ماهر محمود في دور الشاعر دوقلة، وهالة ياسر في دور الأميرة دعد، وفكري سليم في دور الملك رخاء الدين، ومحمد صلاح في دور بكر الفحام وزير البلاد، ومحمد جاد في دور قائد الجيوش جلال البسطامي، وخالد العيسوي في دور راشد السياف، ومحمد حسني في دور التاجر طاهر، وإسلام بشبيشي في دور العبد هارون، ومحمد أمين في دور غيلان الجبلي.

بالاشتراك  مع: "محمد دياب، ومحمود جمال، ودنيا عوني، وشيماء يسري، ومي زويد، وصافيناز، وسامح صبري، وعبدالعزيز بدري،  وعبدالله ضوي، وأحمد عمر، ومحمد البرماوي، وليلى أحمد، وندى سيف، وأصالة عمرو، وريماس حسين، وأحمد الشريف، وأنس عبدالرؤوف". شكرًا من القلب لـ"فادي فوكيه - الديكور، ومها عبدالرحمن - الأزياء، درويش الأسيوطي - أشعار، ومحمد حسني - موسيقى والحان، ومحمد بحيري استعراضات".
شكرًا بحجم السماء لمن فتح لنا "باب عشق"، الكاتب المسرحي المتفرد دائمًا إبراهيم الحسيني، وللمخرج العبقري، الإنسان حقا، حسن الوزير.
العرض حاليا يقدم على خشبة واحد من أكثر المسارح المصرية عراقة وأصالة، مسرح الطليعة بالعتبة.