الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

رجاء النقاش يكتب: مصطفى بيومي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

مركز قومي كامل للدراسات الأدبية ذات القيمة العالمية والنادرة في شكل شخص واحد يعتمد على جهده الكبير وتصوفه وإخلاصه غير المحدود لعمله

عرفت الكثيرين من الباحثين الجادين والدارسين المخلصين في الأدب وقضايا الفكر المختلفة، ولكنني أشهد أن أكثرهم تأثيرًا في نفسي وإثارة لإعجابي هو مصطفى بيومي. فطريقة هذا الباحث الأدبي تجعل منه في نظري أحد المتصوفين الذين وصل بهم إخلاصهم إلى حد نسيان الدنيا كلها بما فيها من صراعات وحروب كبيرة وصغيرة حول المصالح والمكاسب ثم الانصراف التام للقضية التي آمنوا بها ومنحوها كل جهدهم وجعلوا منها مركزًا لعواطفهم المختلفة، وهذا ما يفعله مصطفى بيومي، هو يعطي حياته وجهده وكل ما يملك من وقت لدراساته الأدبية.

وهو يعيش في "المنيا" بعيدًا عن العاصمة فإن جاء إلى العاصمة لأسباب تتصل بجهده العلمي مشى على أطراف أصابعه ولم يشعر به أحد، فأنت لا تراه في النوادي الأدبية، ولا تجد له أي أثر في طرقات الإذاعة والتليفزيون، وبالطبع فهو بعيد عن جميع الأستديوهات التي منها تنطلق الشهرة الإعلامية وتفيض بالأضواء على الرجال والنساء. وأيضًا فإن مصطفى بيومي لم يطرق في يوم من الأيام باب صحيفة أو مجلة. ولم أسمع عنه مرة واحدة، وأنا المتابع لأخباره أنه طلب شيئًا من أحد، أو أنه أثقل على مسئول ثقافي هنا أو هناك بالتماس للعون أو المساندة، ورغم أنني أعرف أن إمكانات مصطفى بيومي المادية محدودة بل ومحدودة جدًا، فإنه يعمل ويعمل ولا يفكر في شيء غير العمل والإنتاج، وكأنه من أكثر الناس ثراءً واستغناءً عن أي احتياجات مادية من أي نوع.

مصطفى بيومي الباحث الأديب المفكر، هو نموذج حي للكرامة الثقافية، وللإيمان إلى حد الاستشهاد بأن العمل الجاد المستمر هو وحده الذي ينبغي أن نسعى إليه ونحرص عليه، وأن هذا العمل هو في حد ذاته الهدف الذي يعطي للإنسان جزاءه المعنوي الكامل وأما ما يحققه العمل من عائد مادي أو جائزة أو شهرة وأضواء تحيط باسم صاحبه فكلها أمور لا تعني مصطفى بيومي في شيء.

آخر ما تلقيته من مصطفى بيومي هو مخطوطه لدراسة فريدة عنوانها "الإخوان المسلمون في عالم نجيب محفوظ" والمخطوطة مكتوبة بخط مصطفى بيومي الجميل الأنيق الذي يشبه لوحة فنية بديعة، أما الدراسة نفسها فهي في غاية العمق والدقة والشمول الذي لا تفوته صغيرة أو كبيرة، وما أكثر ما كتب مصطفى بيومي عن نجيب محفوظ وعن غيره من الأدباء، في أجيالهم المختلفة ومنهم صنع الله إبراهيم وبهاء طاهر وغيرهما وما أتيح لي أن اقرأه من دراساته هو من أوضح وأدق المراجع في أدبنا الحديث، بالإضافة إلى ما يتمتع به مصطفى بيومي من أسلوب واضح مشرق جميل وضمير أدبي وعلمي في غاية الأمانة والصدق.

انتبهوا إلى مصطفى بيومي.. فهو مركز قومي كامل للدراسات الأدبية ذات القيمة العالمية والنادرة في شكل شخص واحد يعتمد على جهده الكبير وتصوفه وإخلاصه غير المحدود لعمله.

انتبهوا إليه.. وأعطوه ما لم يطلبه ولن يطلبه من أحد: منحة تفرغ لائقة، أو جائزة من جوائز الدولة، أو كلمة طيبة سوف ترضيه وتسعده لأنه صاحب كرامة ورأس مرفوع.

"ملحوظة: لم ألتق في حياتي بمصطفى بيومي ولم أسعد برؤيته ولكن أقرأ له كل ما يتاح لي من كتابة، وأنتفع دائمًا بعلمه ودقته وغزارة مادته".

مجلة "أدب ونقد" - يوليو 2005