يتخذ حوالي 9 ملايين لاجئ مصر موطنًا لهم، وهم من جنسيات متعددة بما في ذلك العدد الأكبر من سوريا والسودان. وخلال الأشهر القليلة الماضية، استقبلت مصر أكثر من 250 ألف لاجئ سوداني، يمثلون حوالي 60٪ من إجمالي عدد الذين فروا من العنف الدائر في السودان وأُضيفوا لأكثر من 6 ملايين سوداني. ظاهرة لجوء العرب والأفارقة إلى مصر ليست حديثة بل استضافت مصر من قبل آلاف الفلسطينيين والعراقيين إلى جانب اليمنيين ومواطني الجنوب السوداني.
وفي يوم اللاجئ العالمي الموافق 20 يونيو، والذي أطلقته الأمم المتحدة في 2001 احتفالًا بالذكرى الخمسين لاتفاقية عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين، تُظهر أحدث بيانات الاتجاهات العالمية التي نشرتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن النزوح والتهجير القسري مستمر في الارتفاع. في نهاية 2022، وصل عدد من أجبروا على ترك منازلهم 108.4 مليون شخص في جميع أنحاء العالم نتيجة للحرب أو الاضطهاد أو الكوارث، منهم 35.3 مليون لهم وضع اللاجئين خارج دولهم، و62.5 مليون من النازحين داخليًا. ويركز يوم اللاجئ العالمي لهذا العام على موضوع الأمل بعيدًا عن الوطن، حيث أصبح إدراج اللاجئين في قوائم المفوضية العليا للاجئين أملا في حد ذاته لا يحصل عليه إلا قليلون كما أن تمكين اللاجئين في البلدان المضيفة من الوصول إلى الخدمات وفرص العمل مازال هو أيضا ضمن الآمال بعيدة المنال.
لكنّ مصر ورغم تفاقم الأزمات في دول الجوار والإقليم مازالت تحافظ على ذلك الأمل لنحو 9 ملايين شخص يعيشون على أراضيها وتواصل فتح أبوابها لتوفير ملاذ آمن للمزيد من الذين أجبرتهم الظروف على مغادرة بلدانهم على عكس الكثير من الدول خلال أزمات عالمية مماثلة حيث ترفض دخول لاجئين إليها. ليس ذلك فحسب بل إن مصر تتعامل مع هؤلاء اللاجئين من منظور إنساني وتضمن لهم العيش بكرامة على التراب المصري ولا تستخدم الحكومة والشعب -على حد السواء- لفظ "لاجئ" حيث يتم استخدام عبارة "الأخوة" قبل ذكر جنسيتهم بما يعكس الاحترام؛ ويلاحظ ذلك في الخطب الرسمية للمسؤولين فيقال الأخوة السوريين، الأخوة اليمنيين، الأخوة السودانيين، وهكذا مع كل الجنسيات المقيمة على الأرض المصرية.
كما تطالب الدولة المصرية في كل مناسبة بضرورة التعاون العالمي في إيجاد حلول طويلة الأمد لمخاوف المقيمين على أرضها والهاربين من صراعات داخل بلدانهم، من خلال نهج شامل يدمج الجوانب الإنسانية والإنمائية، فهناك حاجة ملحة لتخصيص الموارد الكافية لتلبية احتياجات هؤلاء وتقديم الدعم للبلد المضيف على أساس "مبدأ التقاسم العادل للأعباء"، وهذه المعاني أوردتها وزارة الخارجية المصرية في بيانها بمناسبة يوم اللاجئ العالمي حيث أكدت أنه يمثل فرصة مهمة لتسليط الضوء على معاناة هؤلاء والتأكيد على التضامن معهم ومع المجتمعات المضيفة لهم. وتنظر الوزارة إلى موضوع المفوضية، الذي يركز على دعم اللاجئين والدول المضيفة لهم، على أنه دعوة عالمية للمساعدة، بحسب البيان، بما يسمح للاجئين بإعادة بناء حياتهم حتى يصبح من الممكن لهم العودة الآمنة إلى أوطانهم طواعية.
ورغم كون أزمة اللاجئين حيثما كانوا أو كانت جنسيتهم لابد أن تكون أولوية للمؤسسات الحكومية الدولية والجهات المانحة إلا أن الأزمات والصراعات أظهرت أن تلك الجهات تكيل بمكيالين. عندما تكون جنسية اللاجئين عربية وأفريقية مثلما شاهدنا في حالة العراق عند الغزو الأمريكي أو سوريا عند قصف قوات دولية لأراضيها أو السودان كما هو الصراع المحتدم الآن فإن الاهتمام يكون في أدنى مستواه ناهيك عن الإهمال واللامبالاة، بينما عندما نشب الصراع في أوكرانيا وهرب الملايين من سكانها هرعت الدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى جانب المنظمات الدولية إلى دعمهم وتقديم المساعدات المادية والنفسية السخية والتسهيلات اللوجستية لتحقيق الراحة والاستقرار لهم من خلال توطينهم في عدة دول ولم نسمع اعتراضًا أو تنديدًا أو شكوى من سوء المعاملة أو تقصيرا في التمويل.
إن الدول الغربية بما في ذلك أعضاء في الاتحاد الأوروبي تفشل في الوفاء بوعودها تجاه اللاجئين إذا كانوا من أفغانستان أو سوريا أو السودان.. كما أنها تضيِّقُ فرص إعادة توطينهم في أراضيها على الرغم من أنها تتحمل في كثير من الأحيان جزءً من مسؤولية ما يحدث من صراعات ونزاعات من خلال تدخلها في الشؤون الداخلية لتلك الدول ومساندة أطراف ضد أطراف أخرى خلال الصراعات وحتى مدهم بالسلاح مما يؤججُ تلك النزاعات ويطيل أمدها.
فعن أي أمل تتحدث المنظمات والقوى الدولية وإلى متى تستمر الشعارات دون مضمون أو سياسات حقيقية تتحمل المسؤولية في أزمات اللاجئين المتتالية الذين هم مجرد ضحايا للصراعات الداخلية والكيل بمكيالين من القوى الدولية؟!