يُعد «ابن دانيال والأمير وصال» و«جهاد الفواحش» من أبرز نصوص الكاتب المسرحي محمد أبو العلا السلاموني المسرحية، الصادرة مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهما مسرحيتان تستكملان سلسلة أعماله، التي تتناول خلالها الكاتب الواقع الثقافي والتراثي في مواجهة ظواهر التطرف والتخلف والعنف والإرهاب.
وتمثل المسرحية الأولى كوميدية شعبية عن «ابن دانيال»، التي تكشف زيف دعاوي عودة الخلافة بعد سقوطها في بغداد في لعبة "طيف الخيال"، حيث تعري المسرحية موقف النخبة الثقافية التي تتجاهل فنون العرض والفرجة الشعبية لصالح فنون القول واللغة في لعبة «غريب وعجيب».
أما «جهاد الفواحش» فهي كوميديا سوداء، تتناول ما يسمى بجهاد النكاح لترويج فكرة الفريضة الغائبة عن الغزو والعنف والجهاد، التي تتبناها الجماعات المتطرفة للتغرير بالشباب والمراهقين وتورطه في العمليات الإرهابية والانتحارية تحت وطأة هاجس الجنس والهوس بالجواري والسبايا والإغراء بالحور العين، لتدفعه دفعا نحو الموت اللذيد.
ابن دانيال والأمير وصال.. تراث المسرح الذي ظلمته النخبة
في القرن السابع الهجري لقد عاصر ابن دانيال أكبر محنتين قوميتين مرت بها المنطقة العربية، أولها: المحنة السياسية إثر السقوط المروع للخلافة العباسية في بغداد على أيدي همجية جحافل التتار، وثانيها: المحنة الثقافية التي تمثلت في همجية التطرف الديني ضد الفنون والثقافة على أيدي فقهاء السلطة المملوكية المستبدة في مصر، ومن خلالهما انكشفت حقيقة المحنة الحضارية الأكبر المتمثلة في تخلف المنطقة واستمرارها في ظلمات العصور الوسطى والاستبداد بعد غلق باب الاجتهاد الديني وحرق كتب المعتزلةن وابن رشد، وانتشار السلفية الرجعية على يد ابن تيمية وتلامذته، في حين ينطلق بقية العالم نحو عصر النهضة والتقدم والعصور الحديثة.
وقد استطاع ابن دانيال من خلال فن «خيال الظل» أن يتناول تلك المحنتين بطريقة مبتكرة وغير مباشرة، حين كتب وعرض بابة «طيف الخيال» عن الأمير وصال معبرا عنه بوسيلة ساخرة عن خدعة استعادة حكم الخلافة العباسية في القاهرة بعد سقوطها في بغداد، كما كتب وعرض بابة «عجيب وغريب» معبرًا أيضا عن فنون وظواهر الفرجة الشعبية، التي صدرت الفرمانات المملوكة والفتاوي الفقهية بتجريمها ومعاقبة ممارستها.
وكشفت بابة «طيف الخيال والأمير وصال» عن زيف قدسية الحكم في نظام الخلافة، الذي حاول فقهاء السلطة أن يجعلوه أصلا من أصول الدين، وهكذا ظلت لعبة أو خدعة الخلافة مستمرة طوال حكم المماليك في المنطقة فيما يقرب من ثلاثة قرون من الاستبداد والتخلف، إلى أن جاء الغزو العثماني والإطاحة بالدولية المملوكية ليكملوا المزيد من من التخلف والاستبداد حتى قام كمال أتاتورك بإسقاط الخلافة العثمانية في تركيا 1923، تلك كانت الخدعة الكبرى لنظام الخلافة الذي كان مجرد ذريعة منذ أحداث الفتنة الكبرى في القرن الأول الهجري للوصول إلى الحكم باسم الدين، البريء منها، في حين يكمل الشيخ علي عبدالرازق الدور الثقافي والسياسي، الذي سبقه ابن دانيال حين كشف خدعة قدسية الحكم في بابة طيف الخيال والأمير وصال بعد سقوط الخلافة في بغداد.
أما المحنة الثانية التي عاصرها ابن دانيال وعبر عنها في بابة «عجيب وغريب»، فهي المحنة الثقافية التي هددت فنون الفرجة الشعبية تحت زعم أنها بدعة وضلالة، واستطاع ابن دانيال أن يتجنب أسلوب المباشرة في عرض خدعة الحكم بنظام الخلافة في بابة «طيف الخيال» بحكاية الأمير وصال ليأمن بطش الفقهاء والسلطة المملوكية، فقد فعل ذلك في عرض "عجيب وغريب" خصوصا في شخصية الواعظ الفقية الذي يسميه «عجيب الدين»، حيث حاول تقديمه ضمن فنون الفرجة الشعبية من ألاعيب وشعوذات في صورة نقدية ساخرةمع ما يقرب من 27 لعبة وشخصية، حتى لا يتهم بمعارضة قرارات السلطة وفتاوي الفقهاء بتحريم هذه الفنون، لذا فقد ظلت النخبة تنظر لهذا الفن نظرة دونية ويعبرونه خطر يهدد كيانها، لكن العودة لتراث فنون العرض والفرجة واستلهامها وتوظيفها لخدمة قضايا وهموم الواقع سيساعد على نهضة الحركة المسرحية.
جهاد الفواحش.. دراما الخلافة بين هاجس الجنس والخرافة
استلهم المؤلف هذه الدراما العجيبة باسم «جهاد الفواحش في زمن الدواعش» في صورة كوميدية سوداء، تعبيرا عن سقطة العقل العربي في براثن الهاجس والهوس الجنسي، الذي بدأ تاريخه مع الفتنة الكبرى القديمة حتى الفتنة الكبرى الحديثة، فتنة الفوضى الخلاقة التي نعيشها الآن، ولربما في المستقبل منبها ومحذرا من هذه الخرافة التي تدعى بالخلافة، التي تعتنقها كل جماعات الإسلام السياسي سواء من السنة أو الشيعة، إذ إن كلا منهما يعتنق هذه الخرافة التي كانت سببا في الخراب والدمار في تاريخ الإسلام والمسلمين.
وكانت خرافة الخلافة هي سبب الداء والبلاء في نمو واستمرار الفكر السلفي الإرهابي، سواء كان سنيًا أو شيعيًا، فالقضاء على هذه الخرافة لن يأتي إلا بنهضة فكرية وثقافية تخرجنا من نفق هذا العالم الخرافي مثلما خرجت أوروبا من العصور الوسطى إلى عصر النهضة، حيث صنعت قطيعة بين الفكر الميتافيزيقي المطلق والفكر الواقعي المستنير، وبين فكر الحكم باسم الدين والحكم باسم الشعب، فعلى النخبة من المفكرين والمبدعين أن تدرك أن أوروبا خرجت من نفق العصور الوسطى المظلمة على أيدى طليعة من المثقفين والمفكرين رعاة مبدعي الفنون والآداب في إيطاليا أولا ومنها انطلقوا إلى بقية أوروبا، وهو للأسف ما لم ينتبه إليه معظم النخبة في بلادنا حتى الآن، هكذا يشير لنا المؤلف إلى أجراس إنذار الخطر والحذر في أعماله، الذي يحلم بتجسيدها على خشبة المسرح.