الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

الانقلابات والمؤامرات وأوهام القوة.. سردية أخيرة للبروفيسور ديفيد مور عن "إرث موجابي"

.
.
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قبل أقل من 4 سنوات، غيب الموت الزعيم الإفريقي روبرت موجابي، عن عمر ناهز الـ 95 عاما، وذلك بعد الإطاحة به من السلطة في نوفمبر 2017 على يد نائبه السابق والرئيس الحالي لدولة زيمبابوي "إمرسون منانغاغوا" الملقب بالتمساح بسبب مكره السياسي.

ظلت سيرة موجابي مليئة بالتناقضات، فهو المناضل السابق من أجل الحرية في روديسيا الجنوبية "زيمبابوي قبل الاستقلال"، والرجل الذي تعهد بصيانة الديمقراطية الحديثة بعد الاستقلال في عام 1980، وبعد عقد من القيادة التي حظي فيها بمكانة لائقة بين المجتمع الدولي، بدأت أسهمه في التآكل.

مثلت مذابح غوكوراهوندي التي انطلقت عام 1983، وراح ضحيتها وفق عدد من التقديرات حوالي 20 ألف مواطن، في مقاطعات ماتابيليلاند وميدلاندز، قبل أن يعود موجابي بعد ذلك بسنوات ليقول إن ما حدث حينها كان "لحظة جنون"، ولكنه يمثل نقطة بارزة في التعامل الوحشي منذ بداياته في السلطة.

ومع تداعيات اللحظة الراهنة التي تعيش فيها زيمبابوي حاضر لا ينفصل عن تاريخها منذ الاستقلال التي ارتبطت بـ 37 عاما من الحكم والهيمنة لقيادة رجل واحد تتضارب فيه سيرته كما تتضارب بعض الأساطير حول رواياتها الخرافية؛ صدر حديثا عن دار نشر هيرست في لندن، كتاب جديد لتفكيك سيرة الزعيم الذي هوى بمقدرات زيمبابوي من دولة بمستقبل واعد عند الاستقلال، إلى دولة طاردة لمواطنيها جراء الأوضاع الاقتصادية الصعبة والهيمنة السياسية التي مورست بعنف شديد.


الكتاب يأتي بعنوان "إرث موجابي: الانقلابات والمؤامرات ومفاهيم القوة في زيمبابوي"، للبروفيسور ديفيد مور، المتقاعد حديثا من قسم الأنثروبولوجيا ودراسات التنمية بجامعة جوهانسبرج في جنوب إفريقيا، ويضم نحو 10 فصول وخاتمة، يقدم فيها خلاصة دراسته لقيادة موجابي، وتحولاته التي أدت في النهاية إلى وضع زيمبابوي فيما هي عليه الآن جراء سياساته، سواء في تعامله مع خصومه وصولا إلى التشبث بالسلطة، ومقاومة أي معارضة بإجراءات قاسية، إلى أن وصلت اللعبة لمنتهاها في 2017، بتحديد إقامته، واستقالته في 21 نوفمبر من ذات العام.

يتناول "د. مور" كيف حصل موجابي على السلطة واحتفظ بهيمنته على الحزب والدولة لمدة أربعة عقود، وهل وصل أسلوب موجابي الخاص في السلطة إلى نهايته بسقوطه، حيث يكافح خلفاؤه أكثر لموازنة التناقضات السياسية في زيمبابوي.

يتعمق "إرث موجابي" في مثل هذه الأسئلة، مستفيدا من أكثر من أربعين عاما من الأبحاث الأرشيفية والقائمة على المقابلات حول التاريخ السياسي لزيمبابوي.. بدءًا من منتصف السبعينيات يتتبع الدكتور مور كيف سمحت التحركات الميكيافيلية لموجابي بالوصول إلى قمة المنحدرات الزلقة للاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي (ZANU)، من خلال تعقيدات الحرب الباردة، والتوترات الإقليمية والأيديولوجية وصراعات الشباب، وأيضًا فيما بين الأحزاب وداخلها.

يسلط الكتاب الضوء على حقبة التحرير الأولى التي كانت ممزقة بفعل الفصائل التي تحددها أحيانا الفلسفات السياسية، وأحيانا الانتماءات القبلية للوصول إلى القمة، وكان على موجابي أن يفرض إرادته على الحلفاء والأعداء على حد سواء.. أظهر صعوده العدواني اللاحق من خلال التسلسل الهرمي للاتحاد الوطني الإفريقي الزيمبابوي (ZANU)، التصميم، بالإضافة إلى الخط الميكافيلي القاسي، الذي سيطر على ما تبقى من حياته المهنية.

منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، سمحت شخصية موجابي واستعداده لاستخدام العنف، بتطهير ساحته من المنافسين والراديكاليين عبر تعقيدات الحرب الباردة والتوترات الإقليمية والأيديولوجية. يوضح "د.مور" كيف أن الدروس التي تعلمها موجابي خلال صعوده الصعب والوحشي إلى القمة بقيت معه طوال حياته السياسية.

في عام 1980 عندما حصلت زيمبابوي على استقلالها، كانت العملة المحلية، دولار زيمبابوي تساوي ضعف الدولار الأمريكي، ويلاحظ “د. مور” أنه "إذا قبل شعب زيمبابوي هذا المقياس لموازنة مزايا الماضي والحاضر كانت الحياة بحلول عام 2005، أسوأ 56 ألف مرة مما كانت عليه عند تولى موجابى قيادة الدولة".

لم تتعاف رئاسة موجابي من الفشل الذريع لبرنامج الإصلاح الزراعي؛ وعُزل موجابي جيوسياسيًا وفرضت عليه عقوبات من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، وانقلب بشكل متزايد على خصومه السياسيين وسمح لحلفائه بالسيطرة على ما تبقى من الاقتصاد المتقلص، مع إسكات الأصوات الناقدة، وعدم وجود مساحة للآراء السياسية المعارضة، كان الجيش في نهاية المطاف الذي يقوده كبار الحلفاء في (ZANU)، هو الذي أجبره على التنحي.

وفي ظل الحكم المستمر لمؤسسة الجيش التي تكافح لإعادة زيمبابوي إلى النمو، يوضح "د. مور" أن إرث موجابي الحقيقي لا يزال قائمًا. الكتاب غنى بالتفاصيل حول الانشطارات الفصائلية والاضطرابات التي شهدتها الدولة، وأثر التوجه الأيدولوجي المضطرب في الدفع بسياسات متناقضة.. قدم الدكتور ديفيد مور قراءة نقدية أكثر عمقًا وأكثر قدرة في استجلاء الماضي مستهدفا حاضر ومستقبل زيمبابوي، الدولة التي كانت تعتبر جوهرة الإقليم الجنوبي من القارة الإفريقية.