تمر الذكرى العاشرة لاندلاع ثورة الثلاثين من يونيو، وهي واحدة من أهم الثورات التي خرج فيها الشعب المصري مطالبا بالتخلص من حكم الفاشية الدينية، والتي بنجاحها تم الكشف عن الكثير من الأمور المخفية، والعالم السري الذي تعيش فيه جماعة الإخوان الإرهابية، كما تعرضت مصر لموجة عاتية من الإرهاب راح ضحيته الكثير من أبناء القوات المسلحة والشرطة المصرية فضلا عن المدنيين والأطفال والمنشآت والمؤسسات الحيوية في البلاد.
وبالرغم من سوداوية الفترة التي وصلت فيها جماعة الإخوان الإرهابية لرأس السلطة التنفيذية والتشريعية، فإن هذه اللحظة التاريخية كشفت الكثير عن الحقائق المستترة والمتعلقة بنشاط الجماعة الإرهابي، ووجهها العنيف، وروابطها مع التنظيمات العنيفة الأخرى، كما كشفت عن خططها وأجندتها الرامية إلى تحويل مصر إلى "ولاية" تابعة في قرارها وتحركاتها ومواقفها الدولية لدول أجنبية تستحوذ على الجماعة الإرهابية.
بعد عام واحد، جاءت ثورة 30 يونيو سيلا جارفا، حطم غرور الجماعة الإرهابية بعدما فشل نظامها الخاص وميليشياتها وفرقها النوعية الإرهابية مع ما يساندها من جماعات متطرفة أخرى تمركزت في سيناء، وصارت عاجزة عن تحقيق حلم "التمكين" الذي ظلت تحلم به عقودا من الزمن، وباتت كلها جزءا من الماضي، أمام اصطفاف الشعب مع جيشه.
موجة نار لإحراق الوطن
حاولت الجماعة الإرهابية تهديد الشعب المصري وتهديد قيادات الجيش من خلال محاولات فاشلة للتلويح بما يمتلكونه من شباب مسلح يمكن أن يقف أمام أي قوة في البلد، خاصة إذا تعرضت مصالح الجماعة للضرر، وهو ما ظهر جليا عندما زار محمد مرسي، وكان مرشحا للانتخابات الرئاسية في العام 2012، وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري آنذاك المشير محمد طنطاوي، ليبلغ المجلس العسكري بوجود موجة اضطرابات غير مسبوقة في حال خسارته للانتخابات.
وأذيعت الحلقة الثامنة من مسلسل "الاختيار 3" تسجيلا يظهر فيه "مرسي" متحدثا عما أسماه بموجة اضطرابات غير مسبوقة، في محاولة منه لتهديد قيادات الجيش، بينما رد عليه المشير طنطاوي بصورة حازمة، وأخبره أنه يدرك التخطيط لهذه الاضطرابات قائلا: "الجهة التي تريد إضرام النار في البلد ستكون مصيبة على البلد" طالبًا منه أن يخبر جماعة الإخوان أنه ليس هناك داع لمثل هذه الأمور.
كما تطرق اللقاء لطلب "مرسي" من المشير طنطاوي يتضمن التدخل لإلغاء قرار المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب، وهو أيضا ما رد عليه المشير بحزم مؤكدا أنه قرار محكمة وليس له سلطة للتدخل في شؤون المحكمة.
التنظيم الخاص والفرقة 95
استهدفت المؤامرة الإخوانية وضع العداوة والفتنة بين الشعب والجيش، تمهيدا للسيطرة عليه أو تفكيكه وإعادة تشكيله وفقا لنظام المليشيات، أو صناعة قوة مسلحة تحمل مسميات مثل "الحرس الثوري" تكون مهمتها حماية الجماعة والدفاع عنها وتذليل طريقها ومصالحها، فمنذ التأسيس حرصت على تشكيل جناحها العسكري المعروف بـ"النظام الخاص"، والذي نفذ العديد من المهام الإرهابية، فى مقدمتها اغتيال القاضى الخازندار أمام منزله، واغتيال رئيس وزراء مصر محمود فهمى النقراشى، ثم محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في حادث المنشية، ورغم التقلبات والعواصف التي تعرض لها هذا التنظيم المسلح في زمن الرئيس عبدالناصر، فإنه استكمل طريقه وتشكل من جديد على يد مجموعات أخرى حافظت على بقاءه.
أعادت مجموعة عُرفت بتنظيم 1965 تشكل التنظيم الخاص فى بداية الستينيات بقيادة الشيخ عبد الفتاح إسماعيل، ومعاونة المهندس الزراعى محمد الشريف، وحدد هدفه فى قتل عبد الناصر ومعاونيه، وقلب نظام الحكم بالقوة، وانتهى التنظيم بالقبض على أعضائه وإعدام رئيس التنظيم ومعه سيد قطب ومحمد يوسف هواش.
في كتابه "الفرقة الضالة" رجَّح الباحث سامح فايز أن تكون عودة الحياة في التنظيم الخاص كانت على يد مصطفى مشهور، المرشد الخامس للإخوان، في العام 1975، بعد خروجهم من السجون، وأنه بعد تحول أعضاء الجماعة لفريق قطبي بالكامل (يؤمن بأفكار سيد قطب العنيفة) عملت الجماعة على تغيير مسمى النظام الخاص للتخلص من رواسب الماضى المتعلقة به.
من أشهر المليشيات التي أسستها الجماعة امتدادا للتنظيم الخاص، هي الفرقة 95، التي تم الكشف عن كثير من أمورها في عام حكم الإخوان، ويرجع سبب تسميتها إلى العام الذي تأسست فيه، تولى مسئوليتها خيرت الشاطر ثم انتقلت إلى أسامة ياسين الذي شغل منصب وزير الشباب والرياضة في حكومة الإخوان، وتحدث عن دور عناصر الفرقة في اعتلاء أسطح العمارات أثناء ثورة يناير بهدف تأمين الإخوان.
ممدوح الحسيني.. تدبير أمور التنظيم
تعقب سامح فايز في كتابه المشار إليه سابقا، شخصية ممدوح الحسيني، أحد قيادات الجماعة، يحمل خلفية قطبية متشددة، ويعود سجله الإرهابي إلى السبعينات حيث "جماعة المسلمين" التي انتمى إليها وعرفت إعلاميا باسم جماعة "التكفير والهجرة" وارتكبت الكثير من الجرائم أشهرها اختطاف الشيخ الذهبي وزير الأوقاف واغتياله.
أشارت إليه عدة تقارير ووصفت دوره خاصة في الأحداث الإجرامية التي مارستها الجماعة عقب ثورة الثلاثين من يونيو، محددا دوره أولا كمسؤول إداري عن منطقة مدينة نصر والقاهرة الجديدة إبان ثورة يونيو 2013، وهى المنطقة التى شهدت أحداث مسجد رابعة العدوية، ومن قبلها حادث خلية مدينة نصر الإرهابية، وحادث اغتيال النائب العام هشام بركات، وحادث اغتيال العقيد عادل رجائى.
نقلا عن مقال للكاتب والباحث ثروت الخرباوى فإن "الحسينى" هو المرشد الفعلى لجماعة الإخوان بعد يونيو، وهو ما يطلق عليه داخل الجماعة «المرشد السرى»، وهى آلية اتبعتها الجماعة بسبب تاريخها مع الملاحقات الأمنية فأصبح هناك مرشد معروف للجميع وآخر سرى لا يعرفه سوى الخاصة من الجماعة، وهو مدبر أمور التنظيم.
عبدالمجيد الشاذلي.. استقدام الإرهابيين لمصر
كشفت ثورة 30 يونيو حقيقة تسلل مجموعات إرهابية إلى الداخل المصري مستغلين الانفلات الأمني الذي حدث بعد أحداث يناير 2011، وهو ما وثقته الحلقة العاشرة من مسلسل "الاختيار3" بعرضها لتسجيل فيه يتحدث الإخواني خيرت الشاطر عن مجيء عناصر إرهابية من الخارج، استجابة لنداءات عناصر داخلية مثل عبدالمجيد الشاذلي.
واعترف "الشاطر" بوجود مجموعات خطر للغاية سماها بـ"مجموعة التوقف والتبين"، وقال: إن مجموعة عبدالمجيد الشاذلي المعروفة بالتوقف والتبين أو القطبيين أو السلفية الجهادية مجموعات خطر حقيقي حتى لو كانوا قليلي العدد لأنهم يتبنون فكرة العنف، ولديهم فكرة أنهم لابد أن يقفزوا على الحكم والسلطة وهو تعديل في استراتيجياتهم السابقة.
وأضاف "الشاطر"، أن عبدالمجيد وجه نداء لتنظيم القاعدة ولجماعات العنف بالخارج للمجيء إلى مصر، ونزلت مجموعة يتراوح عددها من 30 إلى 40 شخصًا في وسط غياب أجهزة الأمن، وربما يكون لديهم تفكير في عمليات تفجير محدودة.
في كتاب "الفرقة الضالة" اقتبس الكاتب سامح فايز وصف للشاذلى بأنه «أحد خواص سيد قطب» من موقع «أنا السلفى»، متحدثا عن مراحل حياته وأفكاره التى آمن بها بداية من سيد قطب، ومصطفى شكرى زعيم جماعة التكفير والهجرة، ويضيف عن أفكاره أنه يرى أن الناس الذين يرضون عن أنظمة الحكم القائمة كفار، هم ساكتون على حكم بغير ما أنزل الله ولهذا فهم عنده شركاء، والمجتمع فى عمومه رايته راية كفر ما دام يحكم بغير ما أنزل الله.
تتبع الكتاب خطورة الشاذلى، ووفقا للمؤلف فإن أخطر مجموعة خرجت من رحم دعوة الإخوانى القطبى عبد المجيد الشاذلى هى السلفية الجهادية فى سيناء؛ بعد امتداد أفكاره إليها عن طريق مؤسس السلفية الجهادية فى شبه جزيرة سيناء أسعد البيك، والذى درس على يديه أخطر الجهاديين فى سيناء، أبرزهم طبيب الأسنان خالد مساعد، مؤسس جماعة التوحيد والجهاد على نفس نسق جماعة التوحيد والجهاد فى العراق التى أسسها أبو مصعب الزرقاوى.
وبعد مطاردات مع الأمن المصرى سجن أغلب أعضاء ذلك التنظيم، لكنهم استغلوا الفوضى التى أعقبت يناير ٢٠١١ وهربوا من السجون ليعود العنف مجددا إلى سيناء بعد تأسيس تلك المجموعة ما عرف باسم جماعة أنصار بيت المقدس، والتى بايعت داعش فى وقت لاحق تحت مسمى ولاية سيناء.