الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

إبراهيم نوار يكتب: التهديد النووى فى الشرق الأوسط.. التزام الولايات المتحدة بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فجأة عاد الاتفاق النووى الإيرانى إلى صدارة الأحداث، بعد نوم قلق ومتقطع منذ سبتمبر الماضي. الاتفاق الذى وقعته إيران مع القوى الرئيسية فى العالم بعد مفاوضات شاقة فى عام ٢٠١٥ لم يصمد فى مكانه إلا حوالى ٣ سنوات فقط، ثم أعلنت الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس السابق دونالد ترامب انسحابها منه من جانب واحد فى عام ٢٠١٨.
وخلال السنوات الثلاث التزمت إيران بكل ما يخصها من واجبات، فى مقابل رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها، وفك تجميد أرصدتها المالية بواسطة الولايات المتحدة، وتطبيع العلاقات المالية والاقتصادية والتكنولوجية بينها وبين العالم.
لكن انسحاب الولايات المتحدة، وفشل الدول الأوروبية فى تعويض إيران عن الخسائر التى تلحق بها بسبب العقوبات الأمريكية، وإعلان الولايات المتحدة فرض عقوبات ثانوية على الدول التى لا تلتزم بتلك العقوبات، دفع إيران إلى استئناف برنامجها النووي، وتكثيف برنامجها العسكري، استعدادا لأى مواجهة محتملة مع الولايات المتحدة وإسرائيل. 
وخلال شهر العسل الطويل نسبيا فى العلاقات بين الرئيس الأمريكى ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو، راحت واشنطن وتل أبيب تدقان طبول الحرب على إيران، حتى وقعت الواقعة التى كادت تشعل كل حقول النفط والغاز فى الشرق الأوسط، وتحول المنطقة إلى رماد، بعد أن أسقط صاروخ أرض- جو إيرانى واحدة من أكثر طائرات التجسس الأمريكية تطورا من طراز آر كيو-٤ جلوبال هوك، وهى طائرة مسيرة بلا طيار كانت تملك أمريكا منها فى ذلك الوقت ٤ طائرات فقط فى ٢٠ يونيو ٢٠١٩، أى تحل ذكرى إسقاطها غدًا الثلاثاء.
وهاج ترامب وماج، وأمر رئاسة الأركان الأمريكية بانتقاء عدد من الأهداف العسكرية الاستراتيجية لضربها بأسرع ما يمكن. لكن الرئيس الأمريكى تراجع قبل تنفيذ الأمر، وأصدر تعليماته بالعودة "كما كنت". فصمتت المدافع، وسكنت محركات الطائرات، وعادت الصواريخ إلى مخابئها الحصينة. 
فى العام التالى خسر ترامب الانتخابات، مع القوى الأخرى وإيران للعمل على إصلاح ما أفسده سلفه.
لكن ماكينة الضغوط الصهيونية، من إسرائيل ومن داخل الولايات المتحدة، أحاطت بايدن وفريقه المفاوض بحواجز سلبية وعوائق منذ اللحظة الأولى، بدءا من توجيه الاتهامات إلى المفاوض الرئيسى روبرت مالى الذى كان عضوا فى فريق المفاوضات الذى توصل إلى اتفاق ٢٠١٥، وهو الاتفاق الذى كانت ترفضه اسرائيل.
وبدلًا من أن تعلن واشنطن محو خطيئة ترامب، والعودة للاتفاق، فإنها جاءت بجدول أعمال لمفاوضات غير مباشرة مع إيران لوضع شروط لعودتها، وهو ما يتناقض مع حقيقة أن الولايات المتحدة هى التى قررت منفردة الانسحاب من الاتفاق. 
جمود تفاوضى مقابل تقدم نووي
وبينما كان فريق المفاوضات الأمريكى مشغولا بوضع شروط غير مقبولة للعودة، كان يعمل وراء فريق المفاوضين الإيرانيين فريق آخر من الخبراء والمهندسين والفنيين، لمواصلة تطوير البرنامج النووى الإيراني، دون التقيد بقيود الاتفاق من حيث نسبة تخصيب اليورانيوم، وزيادة الكميات المخصبة إلى أضعاف ما نص عليه الاتفاق، وتطوير أجهزة الطرد المركزي، إلى أضعاف ما كانت عليه قوتها، وزيادة عدد خطوط إنتاج اليورانيوم المخصب إلى ما يفوق كثيرا ما كانت قد توقفت عنده التكنولوجيا النووية الإيرانية فى عام ٢٠١٥. بمعنى آخر فإن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق، أدى إلى تعطيله لكنه لم يعطل البرنامج النووي. 
ونجحت إيران بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق فى بناء أدوات ضغط جديدة، تمكنها من رفع شروط التفاوض حول استئناف العمل به. وتضمنت أوراق الضغط الجديدة رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى ٦٠٪ وربما إلى ٨٣٪، أى بما يزيد على ١٥ ضعفا عما كان منصوصا عليه، وتطوير قدرة أجهزة الطرد المركزى إلى أضعاف ما كانت عليه، وإضافة خطوط إنتاج جديدة إلى المنشآت القائمة وتحديثها، وزيادة تحصين تلك المنشآت.
وطبقا لأحدث تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى نهاية الشهر الماضي، فإن كمية اليورانيوم المخصب إلى درجة ٦٠٪ لدى إيران وصلت إلى ١١٤.١ كيلو جرام، وهو ما يزيد بنحو ٢٣ مرة على المتفق عليه فى عام ٢٠١٥، وهى كمية تكفى عند تخصيبها إلى درجة ٩٠٪ لصناعة سلاح واحد على الأقل طبقا لتقدير خبراء دوليين، أو ثلاث رءوس حسب تقدير خبراء إسرائيليين. وفى الوقت نفسه توسعت إيران فى دمج التكنولوجيا النووية فى قطاعات الاقتصاد المختلفة، بما فيها الزراعة والصحة والطاقة.
كما استثمرت إيران السنوات الخمس الماضية فى إحداث طفرات نوعية فى برنامج الدفاع الصاروخي، وإنتاج القطع العسكرية المسيرة الجوية والبحرية، وتوسيع نطاق نفوذها البحرى الإقليمى والعالمى من شمال المحيط الهندى والخليج والبحر الأحمر إلى المحيط الأطلنطي. 
اتصالات لاستئناف المفاوضات
فى ٣ أبريل الماضى نشر موقع "أكسيوس" الأمريكى تقريرا ذكر فيه محرر الموقع فى تل أبيب أن الولايات المتحدة ناقشت مع شركائها الأوروبيين مقترحا جديدا للتعامل مع إيران على أساس مبدأ: "تجميد فى مقابل تجميد". أى بقاء الوضع على ما هو عليه فى إيران بدون زيادة أو نقصان، مقابل رفع بعض العقوبات كحوافز فى مقابل التزامها بتجميد أجزاء من برنامجها النووي.
هذا التحرك كان يكشف قلق الإدارة الأمريكية من استمرار جمود المفاوضات النووية، بينما تقوم إيران يوميا بتطوير برنامجها النووي، فعادت حركة الدبلوماسية الأمريكية مرة أخرى، فى الأشهر الأولى من العام الحالي، رغم حملة إسرائيلية منظمة للضغط عليها، من أجل إعلان موقف واضح يتضمن "تهديدا عسكريا يتمتع بالمصداقية" كما يطالب نتنياهو، والتنسيق عن قرب مع تل أبيب بخصوص عمليات عسكرية محتملة لضرب المنشآت النووية الإيرانية. 
وقد رد بايدن على تلك الحملة بإعادة التأكيد على أربعة مبادئ فى التعامل مع المسألة النووية الايرانية: المبدأ الأول هو أن الدبلوماسية وليس الحرب هى خياره المفضل فى التعامل مع إيران، مع عدم استبعاد الحرب كخيار أخير. المبدأ الثانى هو التأكيد على التزام الولايات المتحدة بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووى بأى حال من الأحوال. المبدأ الثالث هو التزام الولايات المتحدة بالتفوق النوعى العسكرى لإسرائيل فى مواجهة جيرانها.
أما المبدأ الرابع فهو التأكيد على حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، والقيام بعمل عسكرى منفرد ضد إيران متى شاءت، وأن الولايات المتحدة لا تقف ضد ذلك. 
وذكرت مصادر دبلوماسية أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية الشريكة فى الاتفاق النووى E٣ (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) بدأت فى مناقشة هذه الخطة الجديدة للتعامل مع إيران (تجميد مقابل تجميد) فى شهر فبراير الماضي.
وطبقا للتقارير المنشورة فى صحيفة "فايننشال تايمز" (٢ يونيو) وموقع "أكسيوس" (أبريل ويونيو ٢٠٢٣)، واللقاءات التى تمت بين المبعوث الأمريكى الخاص بإيران "روبرت مالي" وممثل إيران لدى الأمم المتحدة السفير "أمير سعيد إرواني"، يمكننا أن نستنتج أن الإيرانيين كانوا على علم بالنهج الجديد الذى تعتزم الولايات المتحدة العمل بمقتضاه من أجل إحياء الاتفاق النووي. 
كذلك فإنه من المرجح أن قناة التواصل الدبلوماسى غير المباشر بين الجانبين فى العاصمة العمانية مسقط، ظلت تعمل بدون انقطاع، حتى وصلت إلى نقطة مهمة تستدعى المزيد من التشاور، وربما كان ذلك هو أحد موضوعات الزيارة الأخيرة التى قام بها السلطان هيثم بن طارق للعاصمة الإيرانية طهران فى ٢٨- ٢٩ مايو الماضى بعد زيارته الأخيرة للقاهرة. ومن المرجح كذلك أن التفاصيل الدقيقة بخصوص اتفاق أمريكي- إيرانى لتبادل السجناء، والاتفاق بشأن الإفراج عن بعض أرصدة إيران فى الخارج، تم إنضاجهما عبر القناة الدبلوماسية فى مسقط. وقد بدأ فعلا تنفيذ اتفاق الأرصدة المالية، بعد أن تم إبلاغ العراق بموافقة الولايات المتحدة على تحويل ما قيمته ٢.٧ مليار دولار إلى البنك المركزى الإيراني. كما أن مسقط من المرجح أن تكون العاصمة التى تتم فيها صفقة تبادل السجناء قريبا. 
رسائل خامنئى للداخل والخارج
فى الأسبوع الماضى ألقى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية على خامنئى كلمة فى حشد من المديرين والخبراء والمهندسين والفنيين العاملين فى البرنامج النووى الإيراني، حدد فيها رؤيته لمسألة استئناف المفاوضات مع القوى العالمية الرئيسية بشأن مستقبل البرنامج النووي، وتضمنت هذه الكلمة رسائل واضحة فى هذا الخصوص للداخل والخارج. 
الرسالة الأولى، هى أن إيران منفتحة على فكرة عقد اتفاقيات مع القوى الغربية بشأن البرنامج النووي، وإنه لا خطأ فى ذلك.
الرسالة الثانية، هى المحافظة على البنية الأساسية للصناعة النووية الإيرانية، التى بذلت إيران مجهودا كبيرا فى إقامتها بواسطة الخبراء والمديرين والمسئولين. الرسالة الثالثة، هى أن التقدم فى الصناعة النووية هو "مفتاح تقدمنا العلمي". وقال خامنئى إن الصناعة النووية عنصر لا غنى عنه لقوة الدولة، ومصداقيتها، مؤكدا على دورها المحورى فى تحقيق التقدم فى مجالات مختلفة. وأوضح أهمية التأثير الإيجابى للصناعة النووية على القطاعات التكنولوجية والاقتصادية والصحة وإسهاماتها فى تقديم مستوى حياة أفضل للأفراد. كما أضاف إلى ذلك أهمية الصناعة النووية فى تعزيز مكانة إيران ووضعها السياسى على مستوى العالم. 
الرسالة الرابعة، هى أن إيران لا تسعى إلى امتلاك سلاح نووي، لأن ذلك "يتعارض مع مبادئ الإسلام"، التى تمجد الحياة وتدعو للمحافظة عليها. وكان خامنئى قد أصدر فتوى فى هذا الشأن عام ٢٠٠٣.. لكنه فى الوقت نفسه أكد أن القوى الغربية لا تستطيع أن توقف إيران عن امتلاكها إذا أرادت. 


الرسالة الخامسة، عدم الثقة فى القوى والمؤسسات الغربية، فهى دائما من وجهة نظره تكسر وعودها ولا تفى بالتزاماتها، ومن ثم فلا يجب الوثوق فيها، بما فى ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وينطوى هذا التحذير على ضرورة وجود ضمانات قوية لأى اتفاق يتم التوصل إليه. 
آفاق المفاوضات المقبلة
إن تأكيد إيران على عدم سعيها لامتلاك سلاح نووى يلتقى فى منتصف الطريق مع إعلان الولايات المتحدة أنها لن تسمح لها بامتلاك هذا السلاح. ويبدو الآن من وجهة النظر الاستراتيجية أن الطريق أصبح ممهدا أكثر من ذى قبل للتوصل إلى اتفاق نووى طويل الأمد مع إيران، إذا تخلى فريق المفاوضين الأمريكيين عن فكرة عقد اتفاق جزئى مرحلي، لأن هذه الفكرة تعود بالمفاوضات إلى المربع الأول الذى توقفت عنده مفاوضات فيينا فى العام الماضي. ولا يبدو أن إيران تخلت عن موقفها السابق فى فيينا فى رفض أى اتفاق جزئى أو مرحلي. وإذا كان خامنئى قد وضع شروطا ومعايير لأى اتفاق ناجح، فإن على واشنطن أن تدرك أن إيران لن تتراجع عن هذه الشروط والمعايير، لأنها لن تخسر شيئا إذا رفضت، ولن تربح شيئا إذا قبلت. لكنها فى حال الرفض تستطيع أن تواصل برنامجها النووى كما تشاء. والحقيقة أن امتلاك إيران لتكنولوجيا إنتاج السلاح النووى واحتياجات ذلك المادية هو أهم بعشرات المرات من امتلاك السلاح النووى فعلا. ذلك أن امتلاك الأسلحة النووية لا يساوى حرية القدرة على استخدامها. ومن ثم فإن مجرد امتلاك القدرة على صناعتها يكفى كعنصر من عناصر الردع. أما قرار الإنتاج الفعلى فيصبح مجرد خيار سياسى إذا استدعت الظروف، طالما توفرت القدرة التكنولوجية. وفى هذا السياق فإن إصرار واشنطن على أفكار مثل "تجميد مقابل تجميد"، أو "قليل مقابل قليل" هو مجرد إضاعة للوقت، لأن إيران لن تقبل بتخريب منشآتها النووية بيديها.
ولن توافق على التخلى عن أجهزة الطرد المركزى المتطورة المصنوعة محليا، لكنها يمكن أن تقبل بالتوقف عند تخصيب اليورانيوم إلى ٦٠٪ وربما تخفيضه إلى ٢٠٪ حسب قانون صدر عن البرلمان. وهى ربما تقبل أيضا تخفيض مخزون اليورانيوم المخصب. وفى كل الأحوال فإن العالم يجب أن يتعامل مع إيران على أنها "دولة نووية" لكنها لن تمثل تهديدا لجيرانها فى المنطقة، باتفاق مضمون. ويبدو الآن أن الولايات المتحدة أصبحت أكثر قبولا لتخفيض سقف مطالبها من إيران إلى مستوى لم يكن معروفا من قبل. فقد كشف موقع أكسيوس فى التاسع من الشهر الحالى أن الولايات المتحدة وجهت فى شهر مايو رسالة شديدة اللهجة إلى إيران عبر قناة الاتصال فى مسقط، أوضحت فيها أنها سترد ردا قاسيا، إذا أقدمت طهران على تخصيب اليورانيوم إلى نسبة ٩٠٪ وهى النسبة الكافية لإنتاج سلاح نووي. هذا التحذير يعنى عمليا وبشكل ضمنى أن ما هو دون ذلك قابل للتفاوض. 
أما بالنسبة لإسرائيل، فما تزال هناك خلافات واضحة حتى الآن فى شأن توجيه ضربة عسكرية وقائية استباقية إلى إيران. وينبع هذا الخلاف من جانبين، الأول عسكرى بحت، يتعلق بمدى الاستعداد العسكرى الإسرائيلى للقيام بعملية عسكرية ضد إيران بمفردها، بدون مساعدة الولايات المتحدة. والثانى سياسى يتعلق برغبة تل أبيب عدم تخريب جسورها مع واشنطن بينما تجرى اتصالات لمحاولة إحياء الاتفاق النووي.
وهناك تيار فى أجهزة الأمن القومى وصنع السياسة الخارجية الإسرائيلية يسعى لتخريب المفاوضات حتى لا يتبقى على المائدة غير الحل العسكري. ومع ذلك فإنه رغم تكرار الحديث لسنوات طويلة عن توجيه ضربة عسكرية وقائية لتدمير البرنامج النووى الإيراني، فإن إسرائيل لم تفعل. وقد لا تفعل ذلك أبدا.