الأربعاء 27 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

أوليفييه دوزون يكتب: الجنوب العظيم.. هل يشير إلى نهاية عصر «الكونية»؟!

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

موقف "الجنوب العظيم" الذى يرفض الانضمام إلى الإدانات الغربية ضد روسيا بإبداء حياد حذر مثل الصين أو الهند أو حتى إندونيسيا أو أفريقيا أو دول الخليج أو أمريكا اللاتينية، لن يعكس جدلًا متضاربًا يواجه الغرب، من الذى قد يعارض مؤيدى عالم تقليدى كلى برؤية تقدمية وما بعد الحداثة والفردية؟
هذه هى الطريقة التى تصف بها الثقافات الغربية الشمولية على أنها شأن قديم، ومرحلة عفى عليها الزمن فى تاريخ البشرية، يجب التخلى عنها والتخلى عنها دون قلق. وعلاوة على ذلك، يتطلب فكر ما بعد الحداثة هذا "إضفاء الطابع المؤسسي" على العزلة عن طريق فصل الروابط. للتحرر، فإنه يذيب التضامن.
وفى هذا السياق، يمكن لدول الرفاهية الاجتماعية أن تستجيب ماديًا للأضرار التى تسببها الوحدة الفردية، لكنها لا تستطيع الاستجابة روحيًا.
وهكذا تولد ما بعد الحداثة مجتمعات بها مواطنون يشبعون بالطعام، لكنهم متعطشون للتواطؤ، وبالتالى مجتمعات مهددة باليأس والاشمئزاز من الحياة أكثر من التهديد بالفقر.
علينا أن نفكر فى الأمر، الحكومات "غير الليبرالية" فى أوروبا الوسطى تعبر، على سبيل المثال، عن مفهوم أكثر تجسيدًا وعضوية للأمة من ذلك الذى دافعت عنه أوروبا الغربية أو المؤسسات الأوروبية ما بعد الحداثة التى تعتبر مجردة وعقلانية جدًا بحيث لا تشمل الحياة الشعوب وذاكرتها. وتقول الفيلسوفة شانتال ديلسول "إنه مفهوم يرد أولًا على هذا الإعدام للأمة، الذى أعلنه الغربيون فى النصف الثانى من القرن العشرين، بحجة أن أى ارتباط بالأمة سيثير القومية، التى أكسبتنا قرنًا من الحروب والشمولية.. الأمة، لذلك فهو مكروه حيث أعطى نفسه شكلًا مجرّدًا غير دموى حتى لا يكون من المحتمل أن يتعمق فى الكراهية ". وفى الحقيقة، نحن نواجه تنافسًا بين نموذجين؛ الفردية الغربية والليبرالية والعالمية تواجه العديد من الثقافات المتميزة التى تحاربها باسم كل مرة لشكل من أشكال الشمولية والتجذر".
وأخيرا يجب التركيز على أن: "نجد أنفسنا اليوم فى مواجهة رغبة معلنة فى عدم التغريب، أو نزع الغرب. إننا نشهد تراجعًا جديدًا فى الشرعية العالمية، مما يدل على رفض المعايير الغربية الموحدة حول الليبرالية ".


سوف نفهم أن خصائص الغرب الحديث هى الفردية وهى فى الواقع التى تتحداها الثقافات الخارجية التى لا تزال تؤكد على التضامن، الذى تقوم عليه جميع العلاقات ومن هذا المنظور، ليس من المستغرب أن نرى، على سبيل المثال، البلدان الأفريقية تشترك أكثر فى التفكير الذى طورته الديمقراطيات "غير الليبرالية"
على هذا النحو، تم بناء الأسرة الأفريقية أولًا حول حياة مشتركة. بالنسبة للكثيرين، للمال مكان ثانوي. كما يقول الكاردينال روبرت سارا: "كانت عائلتى فقيرة، لكننا ظللنا سعداء ومتحدين" يمكن أن نسمعها كثيرًا بين الأفارقة. فى غينيا، تظل الأسرة الخلية الأولى فى المجتمع، المكان الذى يتعلم فيه المرء أن يكون منتبهًا للآخرين وأن يخدمهم دون تباهٍ. أعتقد أن على أوروبا والغرب إعادة اكتشاف الإحساس بالعائلة من خلال النظر إلى التقاليد التى لم تتخل عنها أفريقيا أبدًا. فى قارتي، تشكل الأسرة بوتقة القيم التى تروى الثقافة بأكملها، ومكان انتقال العادات، وحكمة المبادئ الأخلاقية، ومهد الحب المجاني". كما أضاف: "بدون العائلة، لا يوجد مجتمع ولا كنيسة داخل الأسرة حيث ينقل الوالدان الإيمان.. إنها العائلة التى تضع الأسس التى نبنى عليها صرح وجودنا" وعلى نفس المنوال، تؤكد الفلسفة الأفريقية: "الرجل لا شيء بدون المرأة، والمرأة لا شيء بدون رجل، وكلاهما لا شيء بدون عنصر ثالث وهو الطفل".
فى الأساس، النظرة الأفريقية للإنسان هى ثالوثية، وهناك شيء إلهى فى كل واحد منا. وبالفعل الطريق، جعل الكاردينال سارا لا يفشل فى انتقاد نظرية النوع ووفقًا لهذه الأيديولوجية، لا يوجد فرق وجودى بين الرجل والمرأة ولن تُدرج الهويات الذكورية والأنثوية فى الطبيعة؛ سيكون نتيجة البناء الاجتماعي، وهو الدور الذى يلعبه الأفراد من خلال المهام الاجتماعية.
بالنسبة لهؤلاء المنظرين، يعتبر الجنس أدائيًا، والاختلافات بين الذكور والإناث هى مجرد اضطهاد معياري، وقوالب نمطية ثقافية، وبنى اجتماعية يجب تفكيكها من أجل تحقيق التكافؤ بين الذكور والإناث. "القول بأن النشاط الجنسى البشرى لم يعد يعتمد على هوية الرجل أو المرأة، بل على الميول الجنسية، مثل الشذوذ الجنسي، هو شمولية شبيهة بالحلم" بالنسبة للكاردينال ذو الأصول الأفريقية.
ومع ذلك، فإن فكرة الهوية المبنية فى الواقع تنفى بشكل غير واقعى أهمية الجسد والنوع. الرجل لا يصبح امرأة أبدًا، ولا يصبح رجلًا أبدًا، مهما كانت التشوهات التى يمكن أن يقبلها هذا أو ذاك ويختتم روبرت سارا بالقول: "إن القول بأن النشاط الجنسى البشرى لم يعد يعتمد على هوية الرجل أو المرأة، بل على الميول الجنسية، مثل المثلية الجنسية، هو شمولية شبيهة بالحلم".
لقد أصبح الوقت المعاصر مهوسا بالصورة الذاتية ويكمل نفسه فى الإنسانية. علاوة على ذلك، فإن هذا الأخير هو الوريث المخيب للآمال للإنسانية اليهودية والمسيحية، التى استبدلت قدسية الإنسان بقدسية الإنسان التى تنحدر منها البيئة الراديكالية.
النموذجان المذكوران أعلاه: الفردى والشامل يجمع بالتأكيد عددًا معينًا من الثقافات المختلفة جدًا.. ومن المفهوم أن حقوق الإنسان لا يتم اختبارها بنفس الطريقة فى أمريكا وأوروبا خاصة أن الشمولية ليست هى نفسها عند الآسيويين والمسلمين.
 معلومات عن الكاتب: 
أوليفييه دوزون.. مستشار قانونى للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والبنك الدولى. من أهم مؤلفاته: «القرصنة البحرية اليوم»، و«ماذا لو كانت أوراسيا تمثل الحدود الجديدة؟» و«الهند تواجه مصيرها».. يتناول فى مقاله، تداعيات موقف دول الجنوب من الحرب فى أوكرانيا.