لم يترك المصريون موقفًا أومُناسبة «سعيدة أو حزينة» على حد السواء، دون أن يُحولوها لنُكتة، فهي السياج الآمن لعبور الأزمات وإنهاء التوترات وتطيب الخواطر وتهدئة النفوس؛ حتى باتت «خفة الظل» السمة السائدة للمصريون بين الشعوب؛ ففي أحلج الظروف وأدقها تخرج النكتة متبوعة بالجملة الشهيرة «اضحك محدش واخد منها حاجة».
وعلى مر الأزمنة والعصور، باتت نكات المصريين جزءًا لا يتجزأ من الشخصية المصرية وحتى وإن كانت غير مقصودة؛ وقد قيل إن الفراعنة هم أول من عرفوا النكت المضحكة في تاريخ البشرية، وبرهن على ذلك ما وُجدّ مُدونًا على عدد من البرديات تعود أحدها للعصر البطلمي وقد كُتبت بالهيروغليفية.
ورغم أن النكتة تهدف للضحك والفكاهة في ظاهرها؛ إلا أنه في فترات زمنية عديدة كان لمضمونها مغزى مُحددًا، وقد عملت في العديد من الأزمات التي رفضها الشعب على تعديل الأوضاع وإرضاع الجماهير التي تُردد النكتة لتُحاكي أصحاب القرار وتُشير بوضوح للأزمة التي يمتعض منها المصريين، واستخدموها كأسلحة لمُواجهة جميع الصعوبات في الحياة وخاصة الاقتصادية والسياسية، حتى أطلق على المصريين «شعب ابن نكتة».
وعن تأثير النكتة، يُؤكد العديد من الكُتاب بأن جملة «المصريين ولاد نكتة» ليست من فراغ بل هي تأثير الجينات التي يتمتع بها المصريون؛ وقد تصل فلسفة المصري إلى أنه بالصبر والضحك يُمكنه التغلب على المُستحيل لأنه يؤمن إيمانًا راسخًا بمقولة «اضحك للدنيا.. الدنيا تضحك لك»، وأدى ذلك لانتشار الكثير من النكت والطرائف بين المصريين حتى في عصر السوشيال ميديا ولكن عبر «الكوميكس».
وعلى مدار عقود من الزمن؛ شهدت البرامج التليفزيونية والحفلات الترفيهية؛ كانت فقرة تقديم "النكتة" هي أحد أهم وأبرز الفقرات؛ وقد لمع العديد من الأشخاص في طريقة إلقاء ونوعية النكت والتي تجذب المتابعين وتحسن من مزاج المُتلقي؛ وهو الأمر الذي أدى إلى تخصيص يوم للاحتفال بالنكتة، يوافق الأول من يوليو كل عام.
ويتحول هذا اليوم للابتسام والضحك وتشجيع الناس على تناسي مشاكلهم وتنحي أزماتهم، وإن كان ذلك لوقت قصير؛ خاصة وأن الكثير من الباحثين أشاروا إلى أن الضحكة المُنبعثة من القلب لها آثارها العلاجية الفعالة على جسم الإنسان وتعزز من الأوعية الدموية، وتبطئ من الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية.
من ناحيته، قال الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي: إن النكتة تعبير مجازي لحالة يمر بها الإنسان في فترة غضبه، فتأتي في صورة كوميدية لتخفيف الضغط النفسي عن النفس.
وأوضح "فرويز" لـ"البوابة" تفاصيل تعريف النكتة، قائلًا: «لو أن شخصٍ ما لديه مُضايقات على سبيل المثال من الأسعار؛ فيقوم باصطناع نكتة وفكاهة على الأسعار لتخفيف وتقليل الضغط النفسي بشأن ذعره من الأسعار، وهو الأمر الذي ينعكس على الإنسان لتخفيف حجم المعاناة والضغط النفسي الذي يشعر به الإنسان بسبب معضلة بعينها».
وأضاف "فرويز" أن النكتة والضحكة هي أسلوب مصري قديم جدًا؛ يهدف لتفريغ الضغوط النفسية؛ لافتًا إلى أن مقولة "المصري ابن نكته" تؤكد أن المصري طوال عمره يعالج الضغوط والأزمات بالنكت والضحك للتخفيف عن ذاته؛ لافتًا إلى أن النكتة تعمل على تهدئة ارتفاع الادرينالين العصبي في جسم الإنسان وعملت على الهروب من الأعراض الطبية التي تؤثر على الجسم بسبب الضغوط النفسية، لافتًا إلى أن الضحكة تعمل على إفراز الناقل العصبي في الدماغ والمعروف بـ"سيروتونين"، ويعمل على تحسين المزاج ويقلل من الاكتئاب. وتابع أن مقولة "هم يضحك وهم يبكي"، هي خير دليل على أن النكتة المُضحكة تخرج من رحم الأزمة والمشكلة؛ لافتًا إلى أنه بمجرد ضحك الإنسان بعد سماع النكتة أو قولها يخرج من الضغوط والتوترات النفسية.
وأشار إلى أن النكتة تطورت في العصر الحديث مع السوشيال ميديا، وأصبح "الكوميكس" نوع وأسلوب جديد للنكتة يتماشى مع أسلوب الفُكاهة الجديد؛ خاصة وأن منصات السوشيال باتت الأكثر متابعة من قبل المواطنين.