- تخطى فى كتاباته كل التفسيرات اللاهوتية التقليدية وكتب عن يسوع لو ارتدى الجينز.
- كان من أكبر رموز القوى الناعمة التى خدمت مصر داخليا وخارجيا.
- حاصل على وسام قائد من جمهورية فرنسا تقديرًا لجهوده وإسهاماته فى المجال التربوي، ووسام الأرز من جمهورية لبنان، ووسام الاستحقاق الصليب المجرى وغيرها
أظهرت جنازة الأب هنرى بولاد اليسوعى الخميس 15 يونيو ٢٠٢٣ وما أعقبها من قراءات مختلفة منشورة عبر وسائط التواصل الاجتماعى وعبر مختلف الصحف الرقمية والمنشورة، الوجه الخفى للآباء اليسوعيين فى مصر، وبشكل استثنائى دورهم فى تربية الضمير الإنسانى المصرى فى الفترة منذ 1879 يوم وطأت أقدام أول يسوعى الأراضى المصرية وحتى اليوم على الرغم من انتشار ظاهرة المؤسسات التعليمية الخاصة والدولية مع بدايات القرن الحادى والعشرين.
يوم جنازة الأب بولاد ظهر العمل الحقيقى الذى كان يقوم به الأب بولاد الإنسان تجاه الكثير والكثير من غير المعروفين والذين اجتمعوا لوداعه والكثير منهم لا يعرف بعضهم البعض، ولكن ما لم شملهم جميعًا هو معرفتهم بالأب بولاد وتأثيره عليهم. لم يكن أبونا بولاد راهبًا عاديًا، كما أن الرهبانية اليسوعية الغير تقليدية فى جسد الكنيسة الكاثوليكية العالمية. يكمن السر خلف الدور الاستثنائى لليسوعيين فى مصر على الرغم من ندرة عددهم وندرة مؤسساتهم التربوية والثقافية والاجتماعية بالقاهرة والإسكندرية والمنيا وحتى سنوات قليلة بالأقصر، هو نذر العمل الخفى اليومى الذى يقومون به لخدمة الجميع دون انحياز أو تمييز أو تعلق بشيء، هكذا كانت الروحانية التأسيسية "المبدأ والأساس" للقديس إغناطيوس دى لويولا مؤسس الجماعة الرهبانية اليسوعية منذ حوالى ٥٠٠ عام. ومن ثم فارسالية اليسوعيين حيثما وجدوا تتخطى حدود المألوف والتقليد الرهبانى المتعارف عليه، مع عدم الإخلال بنذور الرهبنة الأساسية الثلاثة الفقر والطاعة والعفة.
يكمن سر اليسوعيين الخفى فى تربية الضمير الإنسانى بشكل عام وفى مصر بشكل خاص فى أمرين، الأول هو مبادئ الروحانية الإغناطية للقديس إغناطيوس دى لويولا مؤسس الرهبانية اليسوعية حيث النزعة الإنسانية فى التربية، بالإضافة إلى النموذج الفريد والاستثنائى فى الخدمة والرسالة وهو ما يجذب الناس دومًا بغض النظر عن أطيافهم وطبقاتهم ودياناتهم وطوائفهم لمحبة اليسوعيين والإعجاب بهم، لعل هذا يوضح سر التوليفة الاستثنائية التى احتفلت بالأب المحبوب وليم سيدهم يوم وداعه بكنيسة مدرسة العائلة المقدسة بالفجالة التى تراسها من قبل الأب بولاد.
بحسب ما ورد فى مؤلفه الموسوعى "اليسوعيون فى مصر.. مساهمتهم فى التربية والتنمية والثقافة" الذى ألفه الراحل الأب وليم سيدهم اليسوعى فى العام 2020، فهو الأب هنرى ابن لاون بولاد، وهيلان غزة من طائفة الروم الملكيين الكاثوليك، ولد فى الإسكندرية سليلًا لأسرة دمشقية الأصل؛ حيث لا تزال هناك حارة تحمل اسم أسرته فى العاصمة السورية حتى اليوم.
أنهى الأب بولاد دراسته الأولى حتى تخرجه من المرحلة الثانوية فى مسقط رأسه، ثم التحق الرهبانية اليسوعية فى أواخر سبتمبر من العام 1950 وتابع بعد ذلك دراسته فى ميادين الروحيات والأدب واللغات والفلسفة واللاهوت لما يقرب من ستة عشر عامًا بين لبنان وفرنسا ومصر والولايات المتحدة الأمريكية، سيم كاهنًا يوم عيد القديس إغناطيوس دى لويولا مؤسس الرهبانية اليسوعية يوم 31 يوليو من العام 1963، ثم نال درجة الماجستير فى التربية من جامعة شيكاجو الأمريكية بعنوان "السلوك الشفهى وبعده الاجتماعى فى نظرية التحليل النفسي".
بدأ الأب بولاد خدمته فى حقل العمل المصرى منذ نهاية الستينيات حيث تولى مسؤوليات روحية وتربوية وإنسانية عديدة فى مدارس اليسوعيين ولدى الشبيبة فى رهبانيته وشهد تأسيس جمعية كاريتاس-مصر مع اندلاع حرب 1967 والتى تولى رئاستها بمصر وفى أفريقيا والشرق الأوسط على مدار عقود وظل عضوًا بمجلس إدارتها حتى شهر نوفمبر من العام 2022
الأب بولاد حاصل على وسام قائد من جمهورية فرنسا تقديرا لجهوده وإسهاماته فى المجال التربوي، ووسام الأرز من جمهورية لبنان، ووسام الاستحقاق الصليب المجرى تقديرًا لإسهاماته فى علم اللاهوت، وأوسمة من دول أخري.
الأب هنرى بولاد اليسوعى كان محاضرًا وافر النشاط حيث قام بإلقاء آلاف الأحاديث والمحاضرات الثقافية والدينية والإنسانية باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية فى مصر وفى مختلف دول العالم.
يكمن سر القوة اللاهوتية للأب هنرى بولاد اليسوعى فى قدرته على تحدى ثوابت ومبادئ الإيمان والعقيدة واللاهوت والعمل الاجتماعى جرأة الأب بولاد هى سر القوة الناعمة التى ليسوعى مصرى أصيل، جرأته فى نقد المألوف والمستساغ على مستوى الوطن والكنيسة والخدمة والإيمان بالطريقة التى تقود إلى تحول فى الفكر والفعل، أحد أسرار القوة للأب بولاد هو تخطيه حدود المألوف فى الرهبانية اليسوعية وفى العمل الاجتماعى وفى الفكر الإنسانى ومن المحيط المصرى الإقليمى للمسيحى على مستوى العالم وأوروبا بشكل خاص مع ترجمة ونقل مؤلفاته الإنسانية إلى العديد من اللغات الأجنبية.
يظهر جليا حضور الأب بولاد الناعم فى أمرين الأول هو أثر كتاباته ومحاضراته فى ضمائر الكثير من الكاثوليك وغير الكاثوليك ممن شكل بولاد فكرهم الدينى والإنسانى على مدار أكثر من ٥٠ عاما. والأمر الثانى الموازى للأول هو نموذج خدمة المجتمع الذى انخرط فيه هذا الإنسان العظيم من خلال كيان جمعية كاريتاس-مصر على مدار ٥٦ عاما ومن خلال الكثير والكثير من مبادرات العمل المجتمعى التى قادها الأب بولاد بنموذج ومفهوم القائد الخادم الذى تتمحور حوله جميع علوم القيادة والإدارة الحديثة الهادفة إلى تحويل المجتمعات من خلال التركيز على تنمية البشر.
على صعيد قوة الخدمة المجتمعية التى كان يقوم بها الأب بولاد من خلال جمعية كاريتاس-مصر لا يكفى فقط النظر للأدوار والمناصب التى تبوأها فى الجمعية بمصر والشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مدار نصف قرن ولكن فى عمق الخدمة والرسالة التى سعى الأب بولاد إلى تقديمها من خلال كوادر من البشر تلامسوا مع قيمة العمل الإنسانى المقدم للفقراء والمهمشين والمنبوذين الذين لا صوت لهم على مثال الفتيات فى قرى الصعيد المحرومين من الحق فى التعليم، والأطفال فى ظروف الشارع "أطفال الشوارع"، وضحايا فيروس نقص المناعة المكتسب "الإيدز"، والمتعافين من الإدمان، وغيرهم وغيرهم كثيرين ممن عمل الأب بولاد مع ذوى الإرادة الصالحة بكاريتاس مصر والداعمين لها خارج مصر كى يحظى هؤلاء بفرص حياة أكثر كرامة وتضامنا.
كان فيلسوفا استطاع أن يربط بين العلم والإيمان، وذهب الى ماهو ابعد من الاجابة على اسئلة شباب وشابات العالم، واذكر له كتابه: "يسوع يرتدى الجينز الأزرق"، وغيره من الكتب التى تقدمت عن كل التفسيرات اللاهوتية للكتاب المقدس، ومنها:
كتاب أبعاد الحب
كتاب أسس الحياة الروحية
كتاب أمثال يسوع بين الأمس واليوم
كتاب لا أؤمن بهذا الجحيم
كتاب الولادة فى الموت
كتاب هدف الحياة ومعناها
كتاب الإنسان والكون والتطور بين العلم والدين
كتاب السلام الداخلى
كتاب لا للقدر كيف أكون حرا؟
كتاب منطق الثالوث
كتاب إله المستحيل من الأمل إلى الرجاء
كتاب الأفخارستيا الله فينا
كتاب الإنسان وسر الوجود
كتاب الله غير ما نتصوره
كتاب بالمادة أصلى
كتاب الإنسان وسر الزمن
كتاب الإيمان وتحدى الإلحاد
كتاب المقدسات نظرة جديدة فى أسرار الكنيسة
كتاب الطاقة الخلاقة للمعاناة
كتاب أسطورة التضخم السكانى
كتاب نحو حياة أفضل.
وكما يذكر المفكر والصحفى وليم ويصا: هذة بعض كتب الأب بولاد التى نشرت بالفرنسية عبر دور نشر فرنسية وكندية كبرى: "الإنسان"، "لا للقدر، كيف أكون حرا"، "الإنسان وسر الوجود"، "الإنسان وسر الزمان"، "الحب الجنونى لله"، "منطق الثالوث"، "الله غير ما نتصوره"، "هدف الحياة ومعناها"، "يسوع يرتدى البلوجينز"، "يسوع الناصري، من أنت؟"، وغيرها
شرفت بالعمل مساعدا للأب هنرى بولاد خمسة سنوات فى مركز الجزويت الثقافى بالإسكندرية وتعلمت منه أن مصر عاشت بعناية الله وإيمان البسطاء والاهتمام بالعلم.
طبت حيًا وميتًا يارفيق.
