تمر علينا، اليوم السبت، الموافق 17 يونيو، ذكرى إمام الدعاة، فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، ونستعرض في هذا التقرير أبرز المحطات في حياته، ومنها علاقته القوية بلاعبي كرة القدم، حيث كان دائمًا ما يستقبلهم في بيته ويقيم لهم العزومات.
في أحد الأيام دعا الشيخ الشعراوي، مجموعة من اللاعبين للطعام وكان من ضمنهم الكابتن محمود الخطيب، رئيس النادي الأهلي الحالي، وقال الخطيب في أحد البرامج التلفزيونية: "دخلنا لقينا ترابيزة كبيرة تشيلنا كلنا وعليها أكل كتير ما شاء الله ربنا يديمها نعمة على الجميع وابتدينا كلنا ناكل، وبصينا لقينا الشيخ الشعراوي قدامه طبق صغير فيه حتة جبنة وجنبه عيش ناشف، بياخد لقمة عيش ناشف يحط عليها حتة الجبنة وياكل وهو بيتكلم معانا، وبعدين بعد فترة يرجع ياخد لقمة تانية، وإحنا كلنا بناكل بس أنا عيني عليه ومش باصص غير ليه.. وكل اللي كانوا بياكلوا خلصوا أكل لكن أنا كنت مستني لما هو يخلص ومش راضي يقوم من على الترابيزة، راح الشيخ الشعراوى باصص عليا وقاله إنت خلصت يا ابني ولا لسه؟.. فقولت له أنا مستني حضرتك، فرد عليه الشعراوي وقاله: دا أنا اللي مستنيك.
ويستطرد «الخطيب »، كلامه قائلًا: الشيخ الشعراوي قام بتصرف عجيب يعكس شخصيته تمامًا، وهو فتح "البوفيه" في منزله وأحضر منه أطباق كبيرة والمرور على الجميع، وأخذ قطع اللحم والأكل الفائض بعد أن انتهينا من الأكل ووضعهم في الطبق، وتم تجميع طبق لحم كبير، ثم أحضر طبق آخر وجمع باقي الأكل وفعل هذا مع باقي أصناف الأكل الموجودة.
وتابع: أثناء جلوسنا لم نعلم لماذا يفعل الشيخ هذا، إلى أن رأيناه وضع هذه الأطباق في زاوية، ثم هم بتنظيف المائدة وقام بفرشها وتجهيزها مرة أخرى، ثم وضع عليها الأطباق التي قام بتجهيزها، وعندما حاولت أساعده رفض بشدة، وبعدها فتح باب الغرفة التي كنا نجلس فيها ودعا الشباب الذين يجلسون في الخارج من "سواقين وخفراء" للدخول وأجلسهم على المائدة يتناولون الأكل، موضحًا أن هذا الأمر أصاب في ذهنه العديد من الأشياء عن الشيخ.
ويكمل «الخطيب» كلامه قائلًا: أنهم بعد ما انتهوا من الأكل أعطاهم الشيخ درسًا في الدين ومرتبط بأمور الحياة كعادته، ثم صلى بهم المغرب، واستأذن منهم وخرج للجلوس خارج الغرفة، و"أنا قولت لزمايلي يلا يا جماعة علشان الشيخ شكله كدة تعب، وإحنا قاعدين عنده من الساعة 12 ودلوقتي الساعة 5 فكده أنا شايف إننا نستأذن، فقمنا كلنا صف واحد وخرجنا، راح الشيخ قايم من على الكرسي وابتدا يسلم علينا واحد واحد وأنا كنت آخر واحد في الصف وقبل ما يسلم على اللي قدامي راح قعد على الكرسي من التعب، فزميلنا وطى علشان يسلم عليه فراح الشيخ محمد بايس إيده وقاله يا ابني دي تحية إني أنا مش قادر أقوم أقف، فزميلي ابتدى يبص ليا ويبصله ومش عارف يعمل إيه ولا يتصرف إزاي.. وأنا اللي داخل بعد كده والشيخ قاعد فالحقيقة أنا مسلمتش وروحت حاضن دماغه وبوستها علشان مخليهوش يبوس إيدي ومشينا على طول.
وولد فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي في 15 أبريل عام 1911، بقرية دقادوس، مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية بجمهورية مصر العربية، وأتم حفظ القرآن الكريم في الحادية عشرة من عمره، وحصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية عام 1923، ودخل المعهد الثانوي الأزهري، وزاد اهتمامه بالشعر والأدب، وحظي بمكانة خاصة بين زملائه، فاختاروه رئيسًا لاتحاد الطلبة، ورئيسًا لجمعية الأدباء بالزقازيق.
وبعد حصوله على الثانوية الأزهرية لم يُرد استكمال مسيرته التعليمية، ولم يرغب في الالتحاق بالجامعة إلا أن والده أصرّ على إكماله الدراسة في الأزهر، وبالفعل تخرج في كلية اللغة العربية عام 1940م.
واختار فضيلةُ الإمام الشعراوي استكمال الدراسة في تخصص اللغة العربية؛ لتكون بابَه إلى جميع العلوم الشرعية، علاوة على ما تمتع به الشيخ من تمكُّنٍ في فنون اللغة العربية وملكاتها، كالنحو، والصرف، والبديع، ونظم الشعر، والخطابة، وطلاقة اللسان، ووضوح البيان.
وبالفعل كانت اللغة العربية وملكاتها سبيل الشعراوي إلى تفسير القرآن الكريم، وتدبّر آياته، وإيصال معانيه إلى جمهور المسلمين في صورة سهلة واضحة وشيقة؛ حتى صار الإمامُ علامةً فارقة في عصر الدعوة الإسلامية الحديث، وصار الناس ينتظرون أحاديثه الأسبوعية أمام شاشات التلفاز، وعبر أثير إذاعة القرآن الكريم.
وللشيخ الشعراوي، مواقف وطنية مشرفة ضد قوى الاحتلال، وجهودٌ موفقة في رد الشبهات عن الإسلام والقرآن وسيدنا رسول الله ﷺ، وتقديمِ ردود عقلانية ومنطقية عليها من خلال لقاءات إعلامية وميدانية مع شرائح المجتمع المختلفة؛ سيما الشباب منهم.
وفي كل مكان مرّ عليه الشيخ أو منصب تقلده؛ كان له فيه عظيم النفع والأثر، في مصر و خارجها، ومن أشهر مواقفه إرساله برقية إلى الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود أثناء إقامته بالمملكة العربية السعودية يعترض فيها على نقل مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام؛ لتوسعة المطاف حول الكعبة الشريفة؛ مؤيِّدًا رأيه بالأدلة الشرعية على عدم جواز ذلك.
واستجاب الملك سعود رحمه الله لخطاب الشيخ، وأقر رأيه، ومنع نقل المقام من مكانه، واستشاره في بعض شئون توسعة الحرم المكي الشريف، وأخذ بمشورته.
ومن أبرز المناصب التي خدم من خلالها الشيخُ الشعراوي الدعوةَ الإسلامية منصب مدير إدارة مكتب فضيلة الإمام الأكبر حسن مأمون شيخ الأزهر الأسبق 1964م، ورئيس بعثة الأزهر الشريف في الجزائر 1966، ووزير الأوقاف وشئون الأزهر بجمهورية مصر العربية 1976، وشغله عضوية مجمع البحوث الإسلامية 1980، ومجمع اللغة العربية، ومجلس الشورى بجمهورية مصر العربية 1980.
إضافة إلى العديد من المناصب التي عُرضت عليه واعتذر عنها؛ تفرغًا للعلم والدعوة وخدمة المُحتاجين.
وللشيخ مؤلفات علمية عديدة منها: معجزة القرآن - الأدلة المادية على وجود الله - أنت تسأل والإسلام يجيب - الإسلام والفكر المعاصر - قضايا العصر - أسئلة حرجة وأجوبة صريحة.
وبعد عمر مديد في رحاب الدعوة الإسلامية المستنيرة والسمحة، وفي خدمة الإسلام والمسلمين، توفي الشيخ عن عمر يناهز السابعة والثمانين، في 22 صفر 1419هـ، الموافق 17 يونيو 1998م.
رحم الله فضيلة الشيخ رحمة واسعة، وجزاه عمَّا قدم للإسلام والمسلمين خير الجزاء آمين.