نشر الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين صورًا لتوابيت فرعونية تخضع للفحص العلمي، مع تعليق "صدق أو لا تصدق: مصر أم الدنيا ترسل توابيت فراعينها إلى دولة إسرائيل لكي تفحصها بأجهزتها الخاصة.. عظيمة أنت يا إسرائيل". وهذا محض ادعاء وكذب وافتراء من طرف هذا الصحفي لأن الحقيقة مغايرة تمامًا لما يزعمه حيث لم ترسل مصر توابيت فرعونية إلى إسرائيل على الإطلاق، وقد نفى رئيس قطاع المتاحف بالمجلس الأعلى للآثار هذه الادعاءات في حينها، غير أن عددا من صفحات التواصل الاجتماعي ظلت تعيد نشر الأكاذيب، وهو ما استدعى البحث والتقصي من جانبي لاستيضاح الصورة كاملة حول تلك الكنوز المنهوبة.
وقد تبين أن الصور المنشورة من قبل الصحفي الإسرائيلي تخص توابيت مصرية بالفعل لكنها موجودة في دولة الاحتلال منذ عقود حيث يضم متحف إسرائيل في القدس المحتلة 150 قطعة أثرية تمثل ثقافة مصر القديمة (من نهاية الألف الرابع قبل الميلاد إلى القرن الثاني الميلادي)، وفق الموقع الرسمي للمتحف؛ يعني شهد شاهد من أهله.
القطعتان المذكورتان اللتان يجري فحصهما، هما: غطاء تابوت يعود تاريخه إلى حوالي 950 عامًا قبل الميلاد، لمطربة شاركت في طقوس احتفالية لآمون رع واسمها "جيد - موت". أما غطاء التابوت الثاني فيعود تاريخه إلى الفترة ما بين القرن السابع والقرن الرابع قبل الميلاد، ويخص نبيل مصري يدعى "بتاح حتب".
سلطات دولة الاحتلال الإسرائيلي نقلت منذ عدة أيام غطاءين لتابوتين مصريين، من مجموعة الآثار المصرية المعروضة في متحف إسرائيل بالقدس المحتلة، لإجراء فحص بالأشعة المقطعية، من أجل التعرف على أسرار التقنيات التي استخدمها الحرفيون في مصر القديمة والتي مازال العالم يقف مدهوشا أمام عظمتها. الغطاءان كانا موجودين بالفعل في دولة الاحتلال منذ سبعينيات القرن الماضي، ولكنهما كانا مهملين حتى أواخر العام 2016 عندما تم ترميمهما لعرضهما متحفيًا، بحسب الدكتورة "شيرلي بن دور-آفين" المسؤولة عن الآثار المصرية بمتحف إسرائيل في ذلك الوقت. وشبهة السرقة أو الاستيلاء على آثار مصرية أمر وارد ومتكرر، حيث أن التابوت الأول كان من "المجموعة الأثرية" الخاصة بوزير الدفاع الأسبق موشي ديان، وعادة ما يكتب في هذا السياق أنه لا يُعرف كيف وصل هذا التابوت إليه؛ لكنْ المصريون يعرفون والأيام والسنين كانت الجهاز الحقيقي لكشف تلك الأكاذيب الإسرائيلية. كما أن تصفية الحسابات السياسية الداخلية تكشف الحقيقة أيضا. وهذا فعلته صحيفة معاريف التي نشرت عام 2020 أن موشي ديان متهم بسرقة آثار مصرية من سيناء خلال فترة احتلالها (1967 -1973)، يعني شهد شاهد من أهله بلصوصيته!
"ديان" كان يهبط بمروحيته في منطقة سرابيط الخادم، التي تقع جنوب غرب سيناء، ويحفر بحثًا عن الآثار في تلك المنطقة ثم يخفي القطع التي يتم العثور عليها تمهيدًا لنقلها إلى بيته. وهذه شهادات موثوقة لعلماء متخصصين في آثار سيناء. التابوت الثاني له قصة أخرى ومرتبطة أيضًا بموشى ديان الذي اشتراه في سبعينات القرن الماضي من معرض في نيويورك من أجل عرضه في متحف الآثار بالقدس المحتلة؛ لكن نظرًا لعدم وجود متحف مناسب في تلك السنوات نُقل التابوت إلى عهدة "ديان" نفسه، وتبرعت به عائلة "ماتيش" إلى المتحف بعد وفاته، وهي العائلة التي اشترت مجموعة "ديان"!
وهكذا تظهر الحقيقة كاملة لتكشف ملف الآثار في متحف "وكر السرقات" وكذب مزاعم الصحفي الإسرائيلي، حيث أن التوابيت الأثرية التي تحدث عنها كوهين موجودة في دولة الاحتلال منذ عقود، ولم ترسلها مصر كما يدعي، وهي قد وصلت إلى دولة الاحتلال إما من خلال سرقتها خلال احتلال سيناء أو تم شراؤها من معارض خارجية أخرى هي بدورها متورطة في شراء آثار مسروقة! والحقيقة أن استرجاع الآثار المصرية رغم وجود اتفاقية اليونسكو لعام 1970 التي تنظمه مازال في حاجة إلى بذل جهود أكبر بين الدول المهتمة بالحضارات العالمية مع أهمية وضع قانون يعطي الحق للدول المنهوبة في استرداد آثارها. وما أكثر القطع الأثرية المصرية المنهوبة والتي تفتخر متاحف العالم بعرضها وربما تجني أموالا وشهرة من وراء ذلك وتماطل في إعادتها!