في مثل هذا اليوم: 15 يونيو 1965م، توفي سندباد العسكرية المصرية الفريق عزيز المصري.
ولد عزيز المصري والمعروف بأسم أبو الثوار في عام 1879 لعائلة شركسية عريقة، وكان نموذجا من الأبطال نادر الوجود، وعاش بأخلاق وسلوكيات الفرسان في تعامله مع كل من عاشرهم وتعامل معهم.
بدأ عزيز المصري حياته محاربا في جيش مصطفي كمال أتاتورك بتركيا ضد السيادة العثمانية، وقد صدر ضده حكم بالإعدام قبل الحرب العالمية الأولي من خلال مؤامرة دبرها الأتراك، لكن الرأي العام المصري وقف معه بقوة فاضطرت تركيا لإلغاء الحكم فظل علي رأس القائمة السوداء حتي عاد إلي مصر وعهد إليه بإدارة مدرسة البوليس، وكان أول من طلب الاستعانة بالكلاب البوليسية لتقصي أثر المجرمين.
وقع اختيار الملك فؤاد عليه ليرافق الأمير فاروق في بعثته لانجلترا وذلك لإعداده عسكريا من خلال إتباع النظم والأوامر التي تهئ الإنسان لتحمل الشدائد، وكان الملك فؤاد علي ثقة تامة في عزيز المصري، لمصداقيته التي ليس لها حدود ولنفس السبب لم يتمكن من أداء رسالته نتيجة تدخل العناصر السيئة من الحاشية المرافقة لفاروق فانعدمت لغة الحوار بينهما وعاد راجعا إلي مصر وانتهت علاقتهما بعدم الاستلطاف علي حد تعبير الأمير فاروق والذي زاد العلاقة سوأ أن التقارير التي كان يكتبها عزيز المصري عن سلوكيات فاروق وعدم التزامه في بريطانيا قرأها بالكامل بعد وفاة والده وعودته إلي مصر الأمير فاروق حيث كانت محفوظة بمكتبه الخاص.
كان عزيز المصري أشبه بالبركان الثائر وظل ينتقل بين تركيا وطرابلس وألمانيا فهو أشهر رحالة عسكري مصري في النصف الأول من القرن العشرين وفي عام 1938م، اختارته حكومة “محمد محمود باشا” مفتشا عاما للجيش المصري وكان وزير الحربية وقتها "حسين رفقي" لكنه وجد نفسه في منصب لا يحمل من اختصاصاته سوي اسمه فقط !!.
وفي الوقت الذي كان يطالب فيه بأن تكون له اختصاصات الفريق "سبنكس باشا" مفتش الجيش المصري سابقا الذي كان يقوم بأعمال "سردار الجيش" أيضا بعد مقتل " السير لي ستاك" عام 1924 وتزداد حيرة الأوساط السياسية والعسكرية تجاه هذا الوضع الشاذ وتجنيد هذا الرجل الذي شهد له الجميع بكفاءته وخطبته النارية التي تذكر الجميع بخطبة عرابي الشهيرة التي ساهمت إلي حد كبير في معرفة نواياه الوطنية والثورية تجاه الجيش، فقد كان تعيينه في هذا المنصب يمثل قمة التحدي لبريطانيا.
في عهد وزارة علي ماهر تم تعينه رئيسا لأركان حرب الجيش المصري حيث عمل مع الوزير صالح حرب ويصطدم بنفس المعوقات ويجمد عزيز المصري حتي انه في احد المرات طلب من علي ماهر أن يسمح له بتدريس التاريخ لأبناء وطنه لأنها الكتاب الأول في الوطنية.
قال عنه الرئيس السابق أنور السادات:
كان لكلمة الإيمان أثر عميق في نفسي فقد كنت ابحث عن الإيمان وأؤمن انه المخرج الوحيد من الحيرة التي كان المصريون يعيشون فيها.. كان الرجل يتحدث بانفعال في خطبته التي ألقاها عام 1938 أمام طلائع الجيش المصري حتي كدت ابكي، وعندما هممت بالانصراف قال لي: إن كان معك خمسة أفراد مؤمنين فانا مستعد أن احمل مسدسي وأتقدمكم لعمل أي شئ لإنقاذ مصر.
كان هذا كلام الرئيس "محمد أنور السادات" وكان يقصد بكلامه رائد المدرسة العسكرية المناهضة للاستعمار البريطاني، وأول رئيس مصري لأركان حرب الجيش بعد "سبنكس باشا انه "عزيز المصري" الفارس النبيل.. رمز التضحية الوطنية وسندباد العسكرية المصرية.
ويتعلق قلب الشاب المغامر "السادات" بوهج شخصية عزيز المصري الساحرة ويلتقي به في عيادة الدكتور "إبراهيم حسن" بترتيب سابق من الشيخ "حسن البنا"، ويبدأ الانجليز في إبعاد عزيز المصري ونقله مديرا لسلاح الحدود لكنه يرفض المنصب وتتأكد بريطانيا أن الرجل أصبح يشكل تحديا خطيرا فيضغط السفير البريطاني لإقصائه بسرعة، فعزيز المصري له نشاط كبير وقد قام بزيارة ألمانيا النازية حين اشتعلت الحرب العالمية الثانية، وبعد مضي أسبوعين فقط من تشكيل وزارة علي ماهر تعلن الأحكام العرفية وفقا لمعاهدة 36.
في فبراير عام 1941 ونتيجة لرفض عزيز المصري تحمل مسئولية إبادة الجيش يطلب السفير عزل عزيز المصري بعد هجوم رومل المباغت وسقوط بني غازي وذلك لان الجنرال "ستون" طلب من الفريق عزيز المصري توجيه الجيش المصري إلي سيوه لمواجهة قوات المحور من الجنوب وترك المنطقة الساحلية في عهدة الجيش الانجليزي فيرفض عزيز المصري لان الجيش لم يمتلك أي مدرعات ثقيلة يستطيع أن يواجه بها المدرعات الألمانية ومدفعية رومل. وقال للجنرال ستون أن مرسي مطروح لن تصمد أمام رومل أكثر من 24 ساعة، ومن الأسلم عسكريا تامين دفاعه وأشار علي الخريطة لمنطقة العلمين وقال:
ركز دفاعك هنا فهذه المنطقة هي عنق الزجاجة في الصحراء إذا حصنتها فلن يتمكن رومل من اقتحامها.
"وهو ما حدث بالفعل بعد عام حين تولي منتجومري وأحرز انتصاره في معركة العلمين الشهيرة".
أعتبره جمال عبد الناصر والضباط الأحرار الأب الروحي لهم، وأعتقل وسجن وحددت أقامته في مصر من قبل سلطات الأحتلال الأنجليزي عدة مرات.
وفي فبراير عام 1941م منح عزيز المصري إجازة ثم أحيل إلي المعاش وعلي اثر ذلك دوت الهتافات أمام الملك "يحيا الملك.. يحيا عزيز المصري قائد الجيش، "المصري هو روح الجيش".
ساهم عزيز المصري في أعداد وتنظيم وتوجيه عمليات المجاهدين المصريين في فلسطين عام 1948، كما أقترح خطة" توحيد الجبهه" لرد العدوان الثلاثي عن منطقة السويس عام 1956م.
توفي وحيدا في منزله في 15 يونيو 1965.
و تم تكريمه بعد وفاته بإطلاق أسمه علي أحد شوارع القاهرة وهو شارع "جسر السويس" ليحمل أسم شارع "الفريق عزيز المصري".