السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

تامر أفندي يواصل حلقات السلطنة "24" ثالوث الإبداع ورباعيات الخيام

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

القلب قد أضناه آه عشق الجمال

والصدر قد ضاق بما لا يُقال

يا رب هل يرضـيك هذا الظمأ

والماء ينساب أمامي زلال

 أولى بهذا القلب أن يخفق

وفي ضرام الحب أن يُحرق

كان عام 1949 فاصلا في مسيرة أم كلثوم الغنائية حيث ما أتى بعده لا يشبه ما كان قبله، فقد وصلت إلى قمة التمكن في الصدح بالفصحى فخرجت الكلمات من ثغرها في أوج زينتها وكأنها وهبتها سرها دون عناء، فصبت الفصحى في أذن العامة ورددتها قلوبهم بسلاسة لم نجد لها تفسيرا سوى أن التي شدت بها هي كوكب الشرق.

 

الرباعيات التي كتبها عمر الخيام وكأنها نجت من الحرق على يد المغول لتكون كنزا ينبش عليه أحمد رامي ليلحنه السنباطي وتفوز به ثومة، فبرغم شهرة الخيام في العلوم والفلك إلا أن اسمه ارتبط بتلك الرباعيات التي كتبها في أربعة مقطوعات شعرية.

وكما قال الناقد الفني حنفي المحلاوي في كتابه "شعراء ام كلثوم"، فإن صاحب هذه الرباعيات هو غياث الدين عمر بن إبراهيم الخيام نسبة إلى إلى مهنة والده، وهو فارسي الأصل، ولد في مقاطعة خرسان عام 1040م وتعلم في بلدته ثم رحل بعد ذلك إلى مكة وبغداد، وعاد ليستقر في خرسان.

 

أفق خفيف الـظل هذا السحر

 نادى دع النوم وناغ الوتر

فما أطال النوم عمرًا

ولا قصر في الأعمار طول السهر

وفي قصة غناء تلك الرباعيات قصة ذكرتها د. نعمات أحمد فؤاد في كتابها "ام كلثوم وعصر من الفن" فقالت: "كان رياض السنباطي يردد اللحن بينه وبين نفسه ويستعيده كلما اشتاق إلى عوده، وقد وقف في إحدى قراءاته عند بيت:

اطفئ لظى القلب يشهد الرضاب

فإنما الأيام مثل السحاب

بعدما لحن السنباطي العديد من الأبيات ذهب إلى ثومة وكان أحمد رامي بدأ في ترجمتها بعد وفاة شقيقه في الغربة وقال: أظهرت تلك الرباعيات لعيني بطلان الحياة التي احتقرها الخيام في رباعياته.

 

فكم توالى الليل بعد النهـار

وطال بالأنجم هذا المدار

فامش الهوينا إن هذا الثرى

من أعين ساحرات الإحورا

لا توحش النفس بخوف الظنون

واغنم من الحاضر أمن اليقين

 فقد تساوى في الثرى راحلٌ

غدًا وماضٍ من ألوف السنين

درس رامي الفارسية فى جامعة السوربون الفرنسية، ليبدأ ترجمة رباعيات الخيام عن الفارسية، وصدرت الطبعة الأولى لترجمته عام 1924 فى القاهرة، وعن ذلك قال توحيد رامي، ابن الشاعر أحمد رامي، فى مقدمة الطبعة الخامسة والعشرين من ترجمة رباعيات الخيام: "ظلت رباعيات الخيَّام غائبة فى بطون الكتب، ضائعة فى حنايا المكتبات، حتى ترجمها إلى الإنجليزية الشاعر فتزجرالد عام 1859، ثم تتالت بعدها الترجمات إلى لغات أجنبية، وقد صدرت باللغة العربية، مترجمة عن الإنجليزية، وشعر أحمد رامى أن الترجمة من لغةٍ إلى لغة قد تؤدى إلى فقدان بعض من الإحساس والمعاني، ولهذا قرر أن يدرس الفارسية، ليحس بروح الخيام فى رباعياته.

 

‏وشرح الشاعر الكبير أحمد رامى فى برنامج حوارى مع الإعلامى طارق حبيب كيف ترجم رباعيات الخيام وألقى القصيدة بالفارسية فى البرنامج.

 

وقال أحمد رامى إنه فى مطلع الرباعيات غير كلمتين لدى ترجمته النص من الفارسية الكلمة الأولى كلمة "الحان" فى جملة "نادى من الغيب غفاة البشر" والتى كانت فى الأصل "نادى من الحان غفاة البشر"، مضيفا أن جملة "هبوا املأوا كأس المنى" كانت فى الأصل "هبوا ملأوا كأس الطلا"، والطلا تعنى الخمر.

وكان الباحث إبراهيم العريس نشر في اندبنت العربية مقالا عن رباعيات الخيام كما عربها شاعر الشباب جاء فيه:" لم تخترْ ام كلثوم سوى خمس عشرة رباعية أي أقل من عشرة في المئة من الرباعيات التي ترجمها رامي ونشرها وهذه لم تشكّل على أية حال سوى ربع الرباعيات المكتشفة في الفارسية. ولا بد أن نذكر هنا أن الاختيارات الكلثومية كانت دقيقة للغاية حيث أنها استبعدت كل تلك الرباعيات التي تحضّ صراحة على شرب الخمر وعيش المرء كما يحلو له، مكتفية برباعيات تدعو في أقصى "تهتّكها" إلى السهر ناهيك بالعديد من الرباعيات التي تخاطب العناية الإلهية مباشرة. في اختصار، بعد الرقابة الأولى التي كان أحمد رامي قد مارسها بنفسه على أشعار الخيام، مارست أم كلثوم رقابة ثانية بحيث تحولت الأشعار "الماجنة" و"المتهتكة" في بعض الأحيان، إلى قصيدة تصوّفية إلهية، لا تخلو في بعض الأحيان من تساؤلات قد يمكن وصفها بـ"الوجودية"، لكنها تتسم بحياء لا يمكن للخيام نفسه أن يجد فيه مرآة لشعره.

 

وتابع: "غير أننا إذ نقول هذا، لا نرمي بالطبع إلى الانتقاص من الجهود التي بذلتها الفنانة الكبيرة في اختيار أبيات لا شك في روعتها على أية حال، وتتوافق تمامًا مع متطلبات الرأي العام العربي والإسلامي في ذلك الحين. وهو أمر لا شك في أن أحمد رامي وافق عليه من فوره ولسان حاله يقول: "فلنقدمِ الجوهرَ إلى الجمهور الكلثومي، ولنتركه بعد ذلك يعود إلى الرباعيات المطولة نفسه فيكتشف المزيد، والأكثر جرأة إذا أحب". وهذا ما حدث بالفعل حيث أن مجموعة الرباعيات طبعت مرات ومرات كما صاغها أحمد رامي وأقبل عليها القراء يستزيدون من أشعار الخيام، بفضل استماعهم إلى القصيدة الكلثومية الرائعة وإعجابهم المدهش بها وصولًا إلى نسيانهم أحيانًا أن صياغتها العربية هي من إنجاز أحمد رامي الذي كان يعيش في ذلك الحين عزّ مجده ككاتب للأغاني الرائعة التي كانت أم كلثوم تغنيها، وهو يستوحيها من حبه لها.

وتابع أنه غير هاتين الكلمتين فى مطلع الرباعيات لأنه لم يكن يليق بأم كلثوم أن تتغنى بكلمات مثل الحان والخمر.

يامن يحار الفهم فى قدرتك

 وتطلب النفس حمى طاعتك

اسكرنى الاثم ولكننى صحوت بالآمال فى رحمتك

ان لم اكن اخلصت فى طاعتك فأننى اطمع فى رحمتك

وانما يشفع لى اننى قد عشت لا اشرك فى وحدتك

تخفى عن الناس سنا طلعتك

 وكل ما فى الكون من صنعتك

فأنت مجلاه وأنت الذى ترى بديع الصنع فى آيتك

إن تفصل القطرة من بحرها ففى مداه منتهى امرها

تقاربت يارب مابيننا مسافة البعد على قدرها

ياعالم الأسرار علم اليقين ياكاشف الضر عن البائسين

ياقابل الأعذار عدنا إلى ظنك فاقبل توبة التائبين.