مع ظهور قنوات جديدة وتطور وسائل التواصل الاجتماعي وتوافرها بسهولة، ارتفع صوت خطاب الكراهية، حيث اقترن تزايد المحتوى الإلكتروني الذي يحرض على الكراهية مع ظهور معلومات مضللة يمكن مشاركتها بسهولة بواسطة الأدوات الرقمية، وهو ما يثير تحديات غير مسبوقة لمجتمعاتنا، فعلى عكس الوسائط التقليدية، يمكن إنشاء خطاب الكراهية عبر الإنترنت ومشاركته بسهولة وبتكلفة منخفضة وبدون الكشف عن الهوية، والوصول إلى جمهور عالمي ومتنوع في الوقت الحقيقي، كما أن الدوام النسبي للمحتويات المحرضة على الكراهية على الإنترنت تمثل مشكلة أيضًا، حيث يمكن أن تعاود الظهور و(تعيد) اكتساب الشعبية بمرور الوقت.
وقد دفع البشر على مدار سنوات عديدة ثمنًا باهظًا بسبب تصاعد حدة خطاب الكراهية وارتكبت جرائم شنيعة وصلت إلى حد الإبادة الجماعية، وكان خطاب الكراهية وقود تلك الفظائع البشرية، وقد شكا الأمين العامّ للأمم المتحدة من الانتشار الواسع والمزدوج للكراهية والازدراء، وهما مقترنان في كثيرٍ من الأحيان، فالقويّ قد يقترن لديه الأمران، أمّا الضعيف فيواجه ذلك بالكراهية العاجزة، وكلا الأمرين يؤدّيان إلى العنف الذي لا يقتصر على الأقوال. وفي كل مرة يسمح فيها بخطاب الكراهية فإنه يكلف شخصًا جزءًا من نفسه أو جزءًا من احترامه لذاته أو جزء من عقله.
وبحسب ما يقول المستشار الخاص للأمم المتحدة المعني بمنع الإبادة الجماعية: "دائمًا ما تبدأ الإبادة الجماعية بأعمال صغيرة وكلمات، ولا يجب أن ننسى أن الهولوكوست أيضًا بدأت بخطاب كراهية، وجرائم كراهية"، والأمثلة على ذلك كثيرة منها:
o في ميانمار: بعد حملة كراهية صريحة في وسائل التواصل الاجتماعي، طرد الجيش البورمي من البلاد أكثر من ٧٠٠ ألف شخص من أقلية الروهينجا باستخدام العنف، الصراع على أقلية الروهينجا المسلمة في ميانمار قائم منذ قرون، لكن منذ أن أصبح الشعب البورمي قادر على الوصول إلى الإنترنت في عام ٢٠١٤ يجري نشر معلومات كاذبة بشكل دائم عنهم.
o وقد عانت مصر بعد ثورة يناير ٢٠١١ من أثر خطاب الكراهية الذي كانت تبثه جماعات التطرف الديني في المجتمع، وقد ترتب على هذا الخطاب موجة من أعنف موجات الإرهاب التي راح ضحيتها عدد كبير من أبناء الشعب المصري، وهددت السلم والأمن الاجتماعي لبلدنا.
فما هو خطاب الكراهية؟
لا يوجد تعريف شامل لخطاب الكراهية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، ولا يزال هذا المفهوم محل نزاع واسع، لكن ولتوفير إطار عمل موحد للأمم المتحدة لمعالجة القضية على الصعيد العالمي فإنها تعرِّفه بأنه: (أي نوع من التواصل، الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية، وبعبارة أخرى، على أساس الدين أو الانتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب أو النوع الاجتماعي أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية).
ويتمثل الغرض من الكلام الذي يحض على الكراهية هو: إيذاء أو نزع الصفة الإنسانية، مضايقة وترهيب وتحط من قدر الأشخاص أو الجماعات المستهدفة وإهانتها، ولإثارة عدم الإحساس والوحشية ضدهم.
تجريم خطاب الكراهية:
تنص المادة ٥١ من الدستور المصري: "الكرامة حق لكل إنسان، ولا يجوز المساس بها، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها".
وتنص المادة ٥٣ من الدستور المصري: "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب أخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون، تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض".
وتنص الفقرة (٢) من المادة٢٠من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية: "يحظر القانون أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضًا على التمييز أو العداء أو العنف".
وعلى الرغم من هذه النصوص الملزمة والتي تؤكد أن إصدار قانون لتجريم الكراهية هو استحقاق دستوري واجب منذ موافقة الشعب على دستور ٢٠١٤، كما أنه التزام على الدولة طبقًا للاتفاقيات والمواثيق الدولية، وعلى الرغم مما عانته مصر وشعبها من خطابات الكراهية والتي لم تعد قاصرة على المجال الديني وإنما امتدت منه للمجال السياسي والرياضي بل والاجتماعي، فإنه لم يصدر إلى الآن قانون لتجريم خطابات الكراهية بنصوص قانونية واضحة.
إن حرية الرأي والتعبير هي حجر الزاوية لحقوق الإنسان، وإحدى ركائز المجتمعات الحرة والديمقراطية التي يجب حمايتها. وبالتالي يجب أن تكون أي قيود مرتبطة بها استثناء على قدر الحاجة وأن تسعى إلى درء الضرر، وتقدم خطة عمل الرباط التابعة للأمم المتحدة إرشادات رئيسية للدول حول الفرق بين حرية التعبير و"التحريض" (على التمييز والعداوة والعنف) المحظور بموجب القانون الجنائي، ويمكن للدول أيضًا استخدام أدوات إضافية بجانب إصدار قوانين تجريم خطابات الكراهية - مثل التثقيف والترويج للرسائل المضادة له - من أجل معالجة النطاق الكامل للتعبير الذي ينم عن الكراهية، سواء عبر الإنترنت أو خارجها.
وفي إطار تجريم خطاب الكراهية يتم التمييز بوضوح بين ثلاثة أنواع من التعبير: التعبير الذي يشكل جريمة، التعبير الذي لا يعاقب عليه جنائيًا، ولكنه قد يبرر رفع دعوى مدنية أو عقوبات إدارية، التعبير الذي لا يؤدي إلى عقوبات جنائية أو مدنية أو إدارية، ولكنه لا يزال يثير القلق من حيث التسامح والكياسة واحترام حقوق الآخرين.
وينبغي للدول أن تضمن أن الاختبار المكون من ثلاثة أجزاء - الشرعية والتناسب والضرورة - للقيود المفروضة على حرية التعبير ينطبق أيضا على حالات التحريض على الكراهية.