نحن إزاء عمل بحثى متكامل ومترابط لم يترك صغيرة أو كبيرة إلا وقد رصدها ليحللها ويفسر أبعادها ويربطها بغيرها من أحداث جسام مرت بها مصر ودول عربية أخرى.. وبدون تزويق للكلمات، فإن هذه الأحداث يمكننا أن نطلق عليها، بمنتهى الأمانة والصدق والاتساق مع النفس، ظاهرة الإرهاب وأفعاله وجرائمه ودور تنظيم الإخوان المسلمين فى كل ما عانينا منه من قتل لرجال الجيش والشرطة والمدنيين أيضًا.
نقصد بالعمل البحثى المتكامل تلك الأعمال الكاملة للكاتب الصحفى عبد الرحيم على رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بباريس، ورئيس مجلسى إدارة وتحرير مؤسسة البوابة بالقاهرة، التى صدرت فى مارس الماضى فى سبعة مجلدات تحوى ٢٢ كتابًا وعددًا كبيرًا من الدراسات والأبحاث والمقالات تؤكد جميعها، بالدليل القاطع، أن كل جماعات العنف خرجت من عباءة «الإخوان المسلمون».. سبعة مجلدات ترصد وتكشف مسيرة الإرهاب فى مصر ودور جماعة الإخوان المسلمين كمصنع تفريخ أفرز كل التنظيمات الإرهابية التى عاثت فى الأرض تقتيلًا وذبحًا وحرقًا، وواجهت مصر أفعالها بكل ثبات وقدمت أكثر من ٣٢٧٧ شهيدًا، خلال الفترة من ٢٠١٣ حتى أبريل ٢٠٢٢، إضافة إلى ١٢ ألفًا و٢٨٠ مصابًا، إلى جانب تفجير مديرية أمن القاهرة، ومديرية أمن الدقهلية بدلتا مصر، وتفجير أبراج الكهرباء وغير ذلك من أعمال لترويع الآمنين.
ولأنى على معرفة تامة بالكاتب عبد الرحيم على، فإنه لم يكتب كتبه وأبحاثه جالسًا فى برجه العاجى فى غرفة مكيفة الهواء.. إن كل سطر كتبه وراءه قصة تستحق أن تُروى، فقد آمن عبد الرحيم على بدور المثقف الواعى وحمل على عاتقه رسالة سامية منحازًا من خلالها للوطن الغالى والمواطن الأصيل، وحذر من خلالها أيضًا لخطورة هذه التنظيمات، ودق الكثير من نواقيس الخطر ينبه عبرها الغافلين والمسئولين، فكان سباقًا فى طرح رؤى عديدة أثبتت الأيام صدقها وأكدتها تصرفات الجماعات الإرهابية نفسها كما يتضح فى سطور تالية من هذا المقال.
من أين أبدأ تحديدًا للحديث عن مسيرة باحث مثقف مناضل واعٍ شق طريقه بثبات ويقين وواجه الكثير من الصعاب دون أن يتراجع ولو نصف خطوة إلى الوراء؟.. قبل أن يأخذنا الحديث بدون ترتيب لتواريخ تتعلق بمسيرته الطويلة، من المهم أن نشير إلى فترة شبابه بمدينة المنيا فى صعيد مصر، ولمن لا يعرفها فقد كانت المنيا الوكر الأساسى للجماعة الإسلامية التى ارتكبت العديد من الجرائم الإرهابية الثابتة وفق محاضر التحقيقات وأحكام القضاء المصرى.. وسط هذه الأجواء، نشأ عبد الرحيم على محاطًا بكثير من الجيران والأصدقاء ليكتشف أن عددًا منهم يشكل قيادة هذه الجماعة الإسلامية، لكنه نسى ما هو شخصى ووضع نصب عينيه «الوطن والمواطن»، فأعلن حربه عليهم بالكلمة الأقوى من رصاصاتهم، فما كان منهم إلا أن أهدروا دمه وطالبوا برأسه، لكن الشاب الواثق من صحة موقفه لا يتراجع أبدًا ويستمر فى كشف نواياهم الخبيثة، حاملًا روحه على كفه مهما كانت المخاطر والصعاب، فكان بحق يمثل المثقف العضوى الذى رسم صورته جرامشى فى كتاباته.
ومن المنيا، بدأ يبعث برسائله ضد ممارسات أولئك الإرهابيين، لتنشرها صحيفة «الأهالى» لسان حال الحزب اليسارى «التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى، تأسس فى ١٩٧٦».. إلى أن استقر بالقاهرة وأصبح واضحًا بشكلٍ لا لبس فيه، أن كاتبنا نذر نفسه لهذه المهمة فعكف على البحث والتقصى وجمع المعلومات والوثائق وإجراء محاضر النقاش مع العديد من المفكرين المصريين والعرب ومع قيادات فكرية من اتجاهات عدة لتكتمل أمامه الصورة فلا يكتب من فراغ أو بدون علم.. فأنتج للمكتبة العربية ذخيرة متكاملة من الأبحاث المبنية على أسس علمية لا يمكن التشكيك فيها.
وبينما كان يجمع مادته لكتابة مؤلفاته، استمر حاملًا سلاحه الذى لا يملك غيره «العقل والقلم»، وكتب الكثير من الموضوعات فى صحيفة الأهالى.
تعالوا نقرأ معًا بعضًا مما كتبه فى صحيفة «الأهالى».. أمامى كم ذاخر من أرشيف عبد الرحيم على ويضم العديد مما نشره على صفحات هذه الصحيفة، وهو كمٌ يحتاج إلى صفحات عديدة لرصده بالتفصيل، لكن المساحة تجبرنا على الاكتفاء بالإشارة إلى بعض أهم العناوين وما تضمنته:
* أعضاء جدد ضمن حركة تجنيد واسعة.. ١٠٠ إرهابى فى ٢٠ خلية نائمة يستعدون لعمليات إرهابية جديدة (٣ مايو ٢٠٠٦).
* أجهزة الأمن تعترف بوجود عشرات الإرهابيين الهاربين.. و"الأهالي" تكشف أسماء كوادر التنظيم الإرهابى (١٠ مايو ٢٠٠٦).
* أسبوع الدم فى الصعيد.. فتح جبهتى أسيوط وقنا لفك الحصار عن المنيا وإحياء استراتيجية «الكلب والبرغوت" لتشتيت الأمن.. وفرض إتاوات على المسيحيين لتمويل الإرهاب (١٩ مارس ١٩٩٧).
فى كل ماكتبه عبد الرحيم على كان يحذر من تنظيم الإخوان وعناصره فى التنظيمات المتفرعة من الجماعة الأم.. فلم يسلم من جرائم الإخوان وتفريعاتهم والتنظيمات المنبثقه عنهم حتى مساجد الله، ومازالت جريمة الهجوم على مسجد الروضة ماثلة فى الأذهان وهو هجوم مسلح استهدف مسجدًا يقع بقرية الروضة إحدى القرى التابعة لمركز بئر العبد بمحافظة شمال سيناء وتبعد عن العريش عاصمة المحافظة بنحو ٥٠ كيلو مترًا، وذلك أثناء تأدية حوالى ٤٠٠ مصلى لصلاة الجمعة (وهى صلاة أسبوعية مقدسة) يوم ٢٤ نوفمبر ٢٠١٧ ويمثل هذا الهجوم أكثر الحوادث الإرهابية دموية فى تاريخ مصر، وأسفر الحادث عن استشهاد ٣٠٥ بينهم ٢٧ طفلًا وإصابة ١٢٨ آخرين، حسبما أفاد بيان أصدره النائب العام آنذاك المستشار نبيل صادق فى اليوم التالى ٢٥ نوفمبر ٢٠١٧.. فهل كان مطلوبًا من مصر أن ترفع لهؤلاء الإرهابيين القتلة القبعة أو تقف صامتة إزاء أفعالهم ليرضى عنها أصحاب الاتجاهات الراديكالية فى الغرب؟.
وبمناسبة الغرب، فإن عبد الرحيم على لم يستكن أبدًا وراح إلى الغرب محذرًا من «عمى الغرب»، فأوروبا تترك الحبل يلتف حول رقبتها دون أى إحساس بالمسئولية تجاه شعوبها، وتعانى من حالة غيبوبة لا تشعر خلالها بخطر حال ويتغلغل كالثعبان رويدًا رويدًا حتى يدلغ لدغته عبر ما أصطلح على تسميته (التمكين) وفق أسلوب خبيث نعرفه فى مجتمعاتنا وهو أسلوب (التقية) إذ يظهرون غير ما يبطون ويرددون كثيرًا خطاب المظلومية التى يدعون أنهم يتعرضون لها بينما يكنون كل مشاعر السخط على المجتمع ويمارسون فى صمت ودهاء كل محاولات التواجد فى مؤسسات العديد من الدول، يستوى فى ذلك المجتمعات العربية أو الغربية، وإذ رأى الإخوان أن العالم العربى أصبح متيقظًا لمؤامراتهم فقد حولوا دفتهم نحو الغرب، حيث مجموعات ترى فى الإخوان جماعة ديمقراطية وتعمل على مساندتهم ورعايتهم ومساعدتهم فى التواجد بالعديد من منظمات المجتمع المدنى، فضلًا عن مشاريعهم الاستثمارية المتعددة.. حتى أن الاتحاد الأوروبى لا يريد أن يعترف بالإخوان كتنظيم إرهابى رغم ماعانت ولاتزال تعانى دول الاتحاد من أعمال إرهابية راح ضحيتها الكثير من الناس ورسمت علامات الحزن فى مدن أوروبية عديدة.. ولا يريد أن يتنبه إلى الخطر وهو يرى الإخوان ينقلون نشاطهم إذا تعرضوا للتضييق (وهو أمر نادر) من دولة إلى أخرى داخل الاتحاد الأوروبى.. وعلى سبيل المثال، بعد أقل من ٣ أشهر من حل منظمة «التجمع المناهض للإسلاموفوبيا فى فرنسا» بشكل رسمى، بتهم تتعلق «بنشر الكراهية ومعاداة قيم الجمهورية»، عادت المنظمة للظهور من بروكسل مرة أخرى، فى فبراير ٢٠٢٢، تحت اسم جديد هو «التجمع المناهض للإسلاموفوبيا فى أوروبا».
وعمومًا، لقد أحسن مجلس أمناء المركز العربى للصحافة بالقاهرة، صنعًا عندما قرر إصدار الأعمال الكاملة للخبير فى الجماعات الإسلامية عبد الرحيم على، ويشجعنا هذا القرار على طرح سؤال أراه منطقيًا فى ظل تغافل الغرب عن خطورة هذه الجماعة الأخطبوطية: لماذا لا يفكر المركز وفق خطة زمنية محددة فى ترجمة كل هذه الأعمال إلى لغة أجنبية أخرى ولتكن الفرنسية؟.. فلقد صدر للكاتب ثلاثة كتب بالفرنسية فقط كان آخرها كتاب «الأفكار الشيطانية.. أوروبا فى مواجهة التنظيم الدولى للإخوان» عن دار نشر «لارماتان»، والذى صدر يوم ١١ فبراير ٢٠٢٣، ويضم سبعة فصول يحلل فيها الكاتب أفكار مؤسس الجماعة حسن البنا ومفتيها سيد قطب وكبار مفكريها حول قضايا الديمقراطية والمرأة والفن والموقف من غير المسلمين واستخدام العنف فى العمل السياسى.. وسبق لدار لارماتان أن نشرت للكاتب نفسه كتابين آخرين، كان الأول بعنوان: «دولة الإخوان.. دراسة فى النشأة والحركة والانتشار»، والثانى بعنوان: «داعش.. إعادة توزيع الخرائط فى منطقة مضطربة».
صحيح أن الكاتب تستضيفه بين فترة وأخرى صحف ومواقع فرنسية وغربية، لكتابة مقالات يحذر فيها بشكل علمى موثق من خطورة الإخوان على القارة العجوز، كما تجرى معه بعض الصحف والمجلات الغربية حوارات صحفية حول الشأن نفسه، إلى جانب أنه يقوم بلقاءات عديدة مع برلمانيين أوروبيين يشرح خلالها كل الأبعاد المتعلقة بهذه الجماعة، وهذا كله أمر طيب ومحمود لكننا نرى أنه يجب أن تزداد حركة ترجمة جل الأعمال الكاملة للكاتب لتكون أمام الباحثين والسياسيين والمواطنين العاديين فى الغرب، ولا يأتى هذا المطلب كنوع من الترف لكنه مطلب حقيقى سوف يسهم بلا شك فى إيقاط «النائمين فى العسل» فى تلك الدول الغربية التى ترعى (بعض) مؤسساته جماعة الإخوان، بينما تشهد القارة حالة حراك خبيث وبأسلوب سرى لقيادات تلك الجماعة للسيطرة خطوة بخطوة على مقاليد الأمور فى الغرب.