احتفل مجلس أمناء المركز العربى للصحافة ببلوغ الكاتب الصحفى والباحث الكبير الأستاذ عبدالرحيم علي، عامه الستين بطريقة خاصة حيث قرر إعادة نشر سلسلة الكتب والدراسات والمقالات الذى صدرت عنه خلال ثلاثة عقود، أطلقت عليها (الأعمال الكاملة).
سبع مجلدات حصيلة جهد بحثى وتدقيق فى المعلومات والمصادر والاقتراب من الحدث والمتابعة المباشرة، بل والاشتباك فى كثير من الأحيان مع صناع الأحداث، كان نتاجه موسوعة علمية شاملة لكل المهتمين والباحثين والدارسين لملفات جماعات وحركات الإرهاب وتيارات الإسلام السياسى.
والقراءة الأولى لعناوين المجلدات السبع ومحتواها الداخلى من الكتب والمقالات والوثائق والمقابلات الشخصية تشير بوضوح إلى أننا أمام باحث جاد تحول إلى مقاتل بالكلمة ضد تيار فاشى معادٍ للحريات، وفى نفس الوقت أمام مفكر يمتلك مشروعًا للحداثة والتنوير، لهذا خاض عبدالرحيم على معاركه لايصال رسائله لمجتمعات وشعوب اكتوت بنار التطرف الفكرى والارهاب المسلح.
كان من الطبيعى أن يعود الخبير فى ملف الاسلام السياسى لبدايات فكر التكفير، تكفير الناس والمجتمع ولهذا كانت قراءة تاريخ جماعة الاخوان المسلمين وتنظيمهم الدولى وطبيعة نشاطهم السرى ومواقفهم تجاه المخالفين للعقيدة، وموقفهم المعادى للديمقراطية والفن والحرية والمرأة.
ثم يتطرق لبدايات تشكيل جماعات العنف المسلح فى مصر والتى خرجت كلها من عباءة جماعة الإخوان. ويأخذ تشكيل الجماعات الراديكالية الجهادية فى العالم العربي، جزء كبيرا ومهما فى المجلدات، حيث تطرق لتكوين هذه الحركات باختلاف مرجعيتها الدينية فى دول عديدة مثل لبنان، والعراق، ودول الخليج وبدايات ظهور تنظيم القاعدة، وتطور هذا التنظيم وتمدده فى دول آسيوية وأفريقية، مع بدايات تسلل نحو القارة الاوربية، كما حدث فى الولايات المتحدة الأمريكية.
خاض عبدالرحيم على بالكلمة والرأى معارك متعددة على أكثر من جبهة، فى مواجهة تنظيمات وأفكار لا تؤمن إلا بالقتل والاغتيال الجسدى والمعنوى والتكفير. وفى الوقت نفسه مع سياسات لم تكن وقتها قد حسمت موقفا واضحا وحازما ضد هذه الجماعات، فضلًا عن مثقفين وكتاب فضلوا مسك العصا من المنتصف، خوفًا.
خصوصا بعد تعرض شخصيات سياسية مثل د. رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب (البرلمان )، ود. عاطف صدقى رئيس مجلس الوزراء، وصفوت الشريف وزير الإعلام، وشخصيات فكرية مثل د. فرج فودة، وأدبية مثل نجيب محفوظ، وصحفية مثل مكرم محمد أحمد، لعمليات اغتيال تحقق بعضها وفشل بعضها الآخر، وتعرض آخرون لعمليات اغتيال معنوى شنتها صحف أحزاب علنية متحالفة مع جماعة الإخوان. لقد كانت معركة عبدالرحيم الكبرى هى إظهار الحقائق التى لم يجرؤ البعض الاقتراب منها، وهى أننا أمام إرهاب مسلح وأن هذه التنظيمات لا تؤمن إلا بالعنف، وأنها لا تمثل سماحة الدين، وأن الحديث عن جماعة سلمية دعوية غير صحيح، وأن السعى لاقناع هؤلاء بنبذ العنف، ومراجعات فكرية، يعكس سوء فهم وعدم إدراك لطبيعة تكوين هذه التنظيمات وفكرها التكفيري.
ويواصل عبدالرحيم على معركته متوجهًا نحو الإعلام المهادن، أو التابع، أو الذى يفضل السلامة، ويكشف بالكلمة زيف هذا الإعلام وعبر منصات وقنوات وصحف مصرية وعربية يكشف المقاتل حقيقة تشكيل ميلشيات عسكرية لجماعة الإخوان، وحكايات التائبين عن العنف ووصفهم بالمخادعين متحدثًا عن العلاقات السرية بين واشنطن ورموز التيار الدينى بكل تنويعاته ويدعو إلى تحالف دولى لمواجهة الإرهاب والدعوة لقيام تحالف وطنى بتوجه ديمقراطى فى الداخل ليتصدى لمشروع جماعات العنف والتكفير الظلامية.
ورغم مرور العقود الثلاثة يعتبر عبدالرحيم على أن معركة التصدى لهذا التيار لم تنته بعد، صحيح أنه تلقى ضربات قوية خلال هذه السنوات الماضية، إلا أنه استطاع أن ينقل نشاطه التخريبى فى أكثر من منطقة فى العالم مستفيدًا من الخراب الذى حدث بسبب ماسمى بالربيع الذى فتح الباب لميلاد تنظيم الدولة الإسلامية من رحم جماعات الإرهاب الإخوانية والجهادية.
ويواصل عبدالرحيم على بدأب وإصرار التصدى فكريًا وسياسيًا لهذه الأفكار، بعد النجاحات الأمنية التى تحققت فى العديد من الدول العربية، مؤكدًا أن العالم العربى والإسلامى يحتاج لتجديد الخطاب الديني، وتكريس الأفكار الديمقراطية فى مجتمعاتها، وأنه لا بد من زيادة التنسيق بين دول المنطقة للتصدى لهذا الاخطبوط الذى يهدد الهوية العربية والإسلامية المتسامحة، وكشف مخططات هذه الجماعات التى نقلت جزءا من خلاياها داخل دول المجموعة الأوربية، وأصبحت تهدد مصالح هذه الدول واستقرارها وأمن شعوبها.
حديث المعارك الفكرية والسياسية لم ينته كما يؤكد عبدالرحيم علي، مشيرًا إلى أن مرور السنين لن يثنيه عن مواصلة دوره التنويرى هو وكل المؤمنين بقيم الحق والعدل والعيش المشترك دون تكفير أو إرهاب.