الأحد 29 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

انتخابات النادي الأهلي تثري الثقافة الوطنية الديمقراطية

 انتخابات
انتخابات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحظى انتخابات مجلس ادارة النادي الأهلي باهتمام يتجاوز بكثير أسوار هذا النادي العريق ولن يكون من قبيل المبالغة القول بأن هذه الانتخابات التي ستجري بعد ساعات معدودة تثري الثقافة الوطنية الديمقراطية التي انتمى لها النادي الأهلي بقدر ما أسهم فيها ورسخ تقاليدها.
وإذا كان النادي الأهلي من أكبر مؤسسات المجتمع المدني في مصر وهو جزء اصيل في الحركة الوطنية المصرية على مدى اكثر من قرن وصاحب الفريق الكروي الأكثر تتويجا ببطولات قارية على مستوى العالم فمن الطبيعي ان تحظى انتخاباته بهذا الاهتمام الملحوظ حتى بين عناصر النخبة الثقافية.
ووسط آمال "في انتخابات نزيهة تجسد المنافسة الشريفة وقيم الثقافة الوطنية الديمقراطية لقلعة من قلاع الوطنية في مصر" تأتي هذه الانتخابات في لحظات تمر فيها مصر كلها بمنعطف مصيري ويتطلع المصريون لاستكمال خارطة المستقبل وخاصة الاستحقاق المتعلق بالانتخابات الرئاسية.
ومن هنا قال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور وحيد عبد المجيد ان "النادي الأهلي ليس قلعة الرياضة الأولى في مصر فقط , انه قبل ذلك رمز من ابرز رموز تاريخها الوطني على مدى اكثر من قرن وهو يعد احدى المؤسسات القليلة التي لم تتعرض لانتكاسات خطيرة في عقود التجريف الشامل الثلاثة التي سبقت ثورة 25 يناير رغم كثرة المشاكل التي تواجهه الآن".
وأشار عبد المجيد في جريدة الاهرام الى ان الانتخابات تكتسب اهميتها الخاصة هذه المرة لأنها تأتي في لحظة اصبحت المشكلات الادارية والمالية للنادي الأهلي "تمثل خطرا على مستقبله ولذلك تشتد حاجة النادي واعضاءه الى ادارة جديدة قادرة على مواجهة هذه المشكلات وتتمتع بخبرة كبيرة".
ونوه بأن "لكل من القائمتين المتنافستين والمعروفتين "بقائمتي محمود طاهر وابراهيم المعلم" مزاياها المقدرة" غير انه اعتبر ان "المعيار الرئيسي للاختيار بينهما هو مدى توافر المقومات اللازمة لتحقيق النجاح الاداري الذي اصبح بمثابة حياة او موت لهذا النادي العريق".
وحسب مانشرته صحف ووسائل اعلام فان محمد يوسف المدير الفني للفريق الأول لكرة القدم بالنادي الأهلي قرر تقديم استقالته صباح الأحد المقبل لمجلس الادارة الجديد بعد الانتخابات المزمعة بعد غد "الجمعة" مشيرا الى انه يعمل "في ظروف صعبة للغاية".
وهذه الظروف كما اوضح محمد يوسف في تصريحاته "ليست مرتبطة فقط بالنادي الأهلي ولكن بالكرة المصرية وحال البلاد بشكل عام" معتبرا ان فوز الأهلي ببطولة دوري الأبطال الافريقي في الموسم الأخير "استثناء واعجاز في حد ذاته وسط الظروف التي أحاطت بالفريق".

واشاد يوسف بلاعبي فريقه ووصفهم "بالأبطال الذين تحملوا كل الصعاب وسط امواج عاتية من الأزمات والمشاكل وحققوا بطولتي افريقيا والسوبر" فيما يحق لجماهير الزمالك بل وكل عشاق الساحرة المستديرة في مصر ان يشعروا بالسعادة للتكريم الذي ناله حسن شحاتة من الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا".
فهوالمدرب القدير والمدير الفني المخلص الذي قاد المنتخب الوطني المصري للفوز ثلاث مرات ببطولة القارة الافريقية كما لن ينسى المستطيل الأخضر لمساته كلاعب موهوب ضمن فريق الزمالك في سبعينيات القرن العشرين بينما يستعد هذا النادي العريق بدوره لانتخابات تبدو مثيرة.
ومازالت الكتب التي تصدر في الغرب عن مدربي كرة القدم تلقى اقبالا من القراء وتحظى باهتمام حتى على مستوى الصحافة الثقافية كما هو الحال مع الكتاب الجديد "حياة وازمنة هربرت تشابمان" لباتريك باركلي الذي يروي سيرة هذا المدرب وهو من اساطير الكرة الانجليزية وكان صاحب رؤية سابقة لعصرها.
ولعل الحقيقة التي قد تثير الدهشة بقدر ماتكشف عن احد اوجه العلاقة بين الرياضة والثقافة ومدى الاهتمام الشعبي بالأبطال الرياضيين ان كتابا اخر عن سيرة حياة الكس فيرجسون المدير السابق لفريق مانشستر يونايتد تصدر مبيعات الكتب في نهاية عام 2013 ببريطانيا وزادت مبيعات هذا الكتاب منذ نشره في اكتوبر الماضي وحتى منتصف شهر ديسمبر المنصرم عن 647 الف نسخة.
وتأمل الاهتمام العالمي على مستوى كل القارات بالمباراة الأخيرة بين فريقي ريال مدريد وبرشلونة الأسبانيين والتي وصفها نقاد بأنها "واحدة من افضل المباريات في تاريخ الساحرة المستديرة" يؤكد على ان الرياضة باتت الرقم الصعب في المعادلة الثقافية-الاجتماعية المعولمة .
ورغم ما يكاد يصل الى نوع من الاجماع بين النقاد والمشاهدين على ان بريتو مايينكو حكم هذه المباراة التي انتهت بفوز برشلونة على ريال مدريد بأربعة اهداف مقابل ثلاثة اهداف قد ارتكب اخطاء فادحة فان احدا لم يشاهد او يسمع عن "جموع الالتراس" وهي تحرق او تدمر وتروع الآمنين في الشوارع على غرار ماعانت منه كرة القدم المصرية في السنوات الأخيرة!.
وثمة حاجة مصرية لقراءة اعمق في ثقافة النصر وثقافة الهزيمة ولو عبر المستطيل الأخضر وعالم الساحرة المستديرة فالرياضة فوز وخسارة لكن الهزيمة شيء اخر لعل هذا الكتاب يوضح ابعادها بتقديم النموذج المضاد للهزيمة!.

انه كتاب "حياة في بركة..يوميات سباح" الذي اصدره رجل في الثمانينيات من العمر وهو الشاعر والكاتب والسباح البريطاني ومتسلق الجبال آل فاريز والكتاب وصفته صحيفة الأوبزرفر البريطانية التي كان يكتب فيها آل فاريز بأنه " مدهش".
فهو ينفذ في جوهره لثقافة الانتصار الرياضة والحياة على وجه العموم "بتحدي الظروف القاسية وقهر المعوقات بدلا من الاستسلام لها" كما تعبر عنها جسارة قفزة لسباح في مياه الشتاء القاسية ..انه النموذج المضاد للهزيمة وهو بمعنى من المعاني جوهر اي لعبة رياضية.
الفاريز الكاتب والشاعر والسباح ومتسلق الجبال رجل عنوانه الاصرار وشعاره استلهمه من مقولة الثائر المكسيكي بانشو فيلا :"لاتجعلني اموت هكذا ويلفني النسيان..اخبرهم انني قلت وفعلت كل شيء بمهارة وجسارة".
انها ثقافة مضادة "للانهيار" الذي اعتبره ناقد رياضي وكاتب مثل حسن المستكاوي ظاهرة عربية في الرياضة او "هو مرض تعاني منه الشخصية الرياضية المصرية" وقد يعتبره البعض ظاهرة عربية تتجاوز مجال الرياضة .
والأمر لم يعد غريبا فقد باتت المنافسات الكروية الاقليمية والعالمية مشحونة بالمعاني والدلالات الهامة على مستوى التحليل الثقافي بينما تتردد الآن تساؤلات جادة عما اذا كانت الانتصارات الكروية الألمانية المدوية في العام الماضي تعني ماهو اكثر من انتقال ميزان القوى في الكرة العالمية الى المانيا وان ماحدث على المستطيل الأخضر يعبر عن انتصار اسلوب حياة في المقام الأول بقدر مايوميء لثقافة الانتصار.
إنها ثقافة :"نعم انت تستطيع" التي لايؤمن بها الرئيس الأمريكي باراك وحده وانما هي سمة اصيلة في الشمال المتقدم على وجه العموم فيما تتجلى من حين لأخر في تنويعات ابداعية او اعمال ثقافية ذات طابع فكري.
هذه ثقافة مضادة لثقافة اليأس التى تطرق لها الكاتب والباحث المرموق السيد ياسين عندما تحدث عن "تفاقم سياسات اليأس على مستوى النخب السياسية والجماهير على السواء" موضحا ان هذه السياسات "تسمم المناخ الاجتماعي في بلد ما حين يمر بأزمة بالغة الحدة".

فعجز النخب في أي مجال عن اتخاذ القرارات الصائبة في الوقت المناسب والفشل في تقديم بدائل ملموسة لحل الأزمة يؤدي لأن تسود مشاعر الاحباط- كما يقول السيد ياسين-وهي مشاعر تؤدي بالضرورة الى سلوك عدواني وقد يتطرف هذا السلوك ويتخذ اشكالا من العنف غير مسبوقة.
ولعلها اشارة دالة وكاشفة ان اخفاقات الكرة المصرية في عام 2013جاءت في ظل خرق نفر من اللاعبين لمبدأ اساسي في عالم الساحرة المستديرة :"لاسياسة في الرياضة ولارياضة في السياسة".
وهناك بالفعل فارق كبير وواضح بين "السياسة" و"الوطنية" ولعل تاريخ النادي الأهلي يعبر عن هذا الفارق كناد ظهر لحيز الوجود في خضم حركة وطنية مناهضة للاستعمار بقيادة مصطفى كامل وعمر لطفي فيما ظل هذا النادي ملكالكل المصريين دون ان يحتكره حزب أو فصيل بعينه.
وأيا كان منطلق البعض في الدفاع عن هذا اللاعب أاو ذاك ممن اعتدوا على هذا المبدأ الرياضي فان مصر فوق الجميع كما ان من يحسن قراءة نبض رجل الشارع المصري بمقدوره ان يدرك دون جهد جهيد رفضه لاقحام السياسة في الرياضة او الخلط بين الرياضة والسياسة.
ومن هنا يحق للكاتب والمحلل السياسي وحيد عبد المجيد الدعوة لعدم إقحام الخلافات السياسية والايديولوجية في انتخابات اكبر اندية مصر وهو النادي الأهلي او حتى اصغر هذه الأندية لأن لها مجالاتها الطبيعية في الساحة السياسية.
وهذا الرفض لإقحام السياسة في الأندية الرياضية طبيعي حتى لاتتحول الرياضة وخاصة كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية الأولى في مصر الى "فائض وجع" بدلا من متعة بريئة في مشهد حياة فيه مايكفي من الأوجاع والمنغصات .
ويبدو ان الوقت قد حان بالفعل في مصر لتفعيل المبدأ الأساسي في عالم الرياضة والمعمول به في كل انحاء العالم وهو :"لارياضة في السياسة ولاسياسة في الرياضة" بعد ان تبين ان الخلط بين الرياضة والسياسة كاد يفسد الرياضة والسياسة معا!.
فالملاعب فضاء للتنافس الشريف وبناء قدرات الشباب وليست ولاينبغي ان تكون منابر سياسة او ارض الاحتراب والتحزب والمكايدات السياسية او رفع الشعارات لصالح هذا الفصيل او ذاك تماما كما انه ينبغي للجميع ادراك ان التنافس في اي مباراة او بطولة دولية تحت علم مصر شرف مابعده شرف لأي لاعب ورياضي مصري.

ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال المصادرة على حق أي رياضي في اعتناق ما يشاء من آراء وتبني مايهواه ويستهويه من مواقف سياسية ولكن مكان ذلك كله ليس داخل المستطيل الأخضر او الحلبة واروقة الأندية الرياضية وانما هناك في الأحزاب السياسية التي يمكن ان ينضم لها هذا اللاعب أو ذاك كمواطن وناخب.
أما أندية مصر فلا مكان فيها للمكايدات السياسية وإنما هي قلاع للوطنية المصرية كما يشهد على ذلك التاريخ وقراءة الذاكرة لناد مثل النادي الأهلي الذي أسس عام 1907 توضح وتجسد مقولة "قلعة الوطنية المصرية" فهو النادي الذي اسس بدعوة وطنية اطلقها الزعيم مصطفى كامل كما انتمى له سعد زغلول زعيم ثورة 1919 وجمع كل اطياف الجماعة الوطنية المصرية وعبر عن نبض الوطن الأسمى فوق كل الأحزاب والأكبر من اي تصنيفات سياسية.
وفريق الأهلي بكل تاريخه العريق لم يصنعه نجم وانما هو صانع النجوم وصاحب الأفضال على الجميع ممن تشرفوا بالفانلة الحمراء وبعيدا عن اي شخصنة للقضية ينبغي التأكيد على انه لايوجد احد في الأهلي او غير الأهلي فوق الحساب بل ان الثورة الشعبية المصرية انطلقت بموجتيها حتى لايكون هناك احد ايا كان في هذا البلد فوق الحساب والقانون".
وقبيل انتخابات النادي الأهلي بما تثيره من تآملات في تاريخ هذا النادي واسهاماته مع غيره من الأندية في الثقافة الوطنية الديمقراطية ينبغي التأكيد على الحاجة لاعادة صياغة المجتمع الرياضي المصري بثقافة جديدة هي ثقافة النصر وثقافة متعة الابداع التي تتضمن الفوز وتتجاوزه نحو تحقيق غاية الرياضة ومبتغاها الأصيل اي المتعة البريئة "والسجال الباسل" بعيدا عن النزعة التجارية التسليعية البغيضة او الغرور الشعبوي الذي كاد يطيح بعقول بعض اللاعبين والرياضيين عموما بأوهام نجومية لاتدوم!.
فلتكن هذه الانتخابات بشارة للفرح المرتجى لوطن يقف على حافة الفجر في انتظار اطلالة النهار وثمار النصر..وطن مرفوع الهامة والقامة يمسح الليل عن وجهه الجميل ويعمل ويغني للغد الآتي حاملا خبزا وكرامة وعدالة .