المخدرات واحدة من أهم المشاكل والأزمات التي تهدد أمن واستقرار الدول، وبالرغم من العقوبات الرادعة التى تصل فى بعض الأحيان لعقوبة الإعدام أو السجن المؤبد، إلا أن المشكلة مستمرة، وجهود وزارة الداخلية فى مكافحة المخدرات مستمرة بشكل يومى فى تتبع وملاحقة الجناة والمتعاطين.
«البوابة نيوز» تواصلت مع خبراء وفقهاء قانونيين للحديث عن دور القانون فى التصدى لتلك المشكلة المزمنة، وتحدثت مع أطباء وخبراء نفسيين لمعرفة الأسباب والدوافع وراء تلك الجريمة.
فى محافظة القاهرة تمكنت الأجهزة الأمنية من القبض على ٣ أشخاص لهم معلومات جنائية مقيمين بمحافظة القليوبية، بمزاولة نشاط إجرامى تخصص فى تصنيع المواد المخدرة بقصد الاتجار بها متخذين من عدد ٢ شقة مستأجرة بدائرة قسم شرطة السلام أول وكرا لممارسة نشاطهم الإجرامى.
عقب تقنين الإجراءات تم استهدافهم وأمكن ضبطهم حال تواجدهم بالشقة سكنهم، وعثر بداخلها على كمية من مخدر الحشيش وزنت ٥٥ كيلوجراما وكمية من مخدر الآيس وزنت كيلو جراما وعدد ١٥٠ قرصا مخدرا وكمية من البودر المخدر وزنت ٢ كيلوجرام وعدد ٣ زجاجات من زيت الهيدرو المخدر وبندقية خرطوش وفرد خرطوش وعددا من الطلقات لذات العيار وماكينة عد نقود وعدد ٢ سلاح أبيض ومبلغا ماليا و٥ هواتف محمولة ومجموعة من أدوات وخامات التصنيع.
كما تمكنت وحدة مباحث قسم شرطة الحدائق من ضبط ٤ أشخاص حال استقلالهم سيارة ملك وقيادة أحدهم دون تراخيص بدائرة القسم، وعثر بحوزتهم على كمية من الهيروين المخدر وزنت ٢.٧٥٠ كيلو جرام وبندقية آلية وعدد من الطلقات لذات العيار و٢ هاتف محمول ومبالغ مالية بلغت أكثر من ٥ ملايين جنيه.
وتمكن ضباط المباحث بمديرية أمن الإسماعيلية من ضبط شخصين لهما معلومات جنائية مقيمين بدائرة مركز شرطة بنها بمحافظة القليوبية، حال استقلالهما سيارة قيادة أحدهما بدائرة مركز شرطة القصاصين بالإسماعيلية.
وضبط بحوزة المتهمين كمية من مخدر الحشيش وزنت ١٢.٥٠٠ كيلو جرام و٢ هاتف محمول، وبمواجهتهما اعترفا بحيازتهما للمواد المخدرة المضبوطة بقصد الاتجار والسيارة لنقل وترويج المواد المخدرة، وأضافا بتحصلهما على المواد المخدرة من أحد الأشخاص مقيم بدائرة مركز شرطة القصاصين.
وأمكن ضبط المتهم حال قيادته سيارة ملاكى بدائرة مركز شرطة القصاصين وبحوزته كمية من مخدر الحشيش وزنت ٢ كيلوجرام، وبمواجهته إعترف بحيازته للمواد المخدرة بقصد الإتجار وأنه مصدر تحصل المتهمين المضبوطين على المواد المخدرة، وتقدر القيمة المالية للمواد المخدرة المضبوطة بـ٥٠٠ ألف جنيه تقريبا.
فى البداية قال الفقيه القانونى وأستاذ القانون الدولى صلاح الطحاوى، إن المخدرات هى مجموعة من المواد التى تسبب الإدمان وتسمم الجهاز العصبى، ويحظر تداولها أو زراعتها أو تصنيعها إلا لأغراض يحددها القانون، ولا تستعمل إلا بواسطة من يرخص له بذلك كبعض العقاقير الطبية.
وأكد الفقيه القانونى فى تصريح خاص لـ«البوابة نيوز»، أن قانون العقوبات حرص على تغليظ عقوبة الاتجار وحيازة المخدرات منذ عشرات السنوات لما تسببه من خطر على الأمن القومى والثروة القومية التى تتمثل فى الشباب.
وأوضح أستاذ القانون الدولى، أن المادة ٣٤ من قانون رقم ١٨٢ لسنة ١٩٦٠ الخاصة بإصدار قانون مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها وفقا لآخر تعديل صادر فى ٣٠ سبتمبر لسنة ٢٠٢١، حددت عقوبات على كل من حاز أو أحرز أو اشترى جوهر المخدرات.
ونصت المادة ٣٤ على أنه يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن ١٠٠ ألف جنيه ولا تجاوز ٥٠٠ ألف جنيه، كل من حاز أو أحرز أو اشترى أو باع أو سلم أو نقل أو قدم للتعاطى جوهرا مخدرا وكان ذلك بقصد الاتجار أو اتجر فيه بأي صورة وذلك فى غير الأحوال المصرح بها قانونا.
كما نصت المادة كل من رخص له فى حيازة جوهر مخدر لاستعماله فى غرض معين وتصرف فيه بأية صورة فى غير هذا الغرض، وأيضا كل من أدار أو هيأ مكانا لتعاطى الجواهر المخدرة بمقابل مادى.
وتحدث الطحاوى، عن الحالات التى حددها قانون العقوبات لعقوبة الجرائم المنصوص عليها فى هذه المادة والتى تصل للإعدام والغرامة التى لا تقل عن ١٠٠ ألف جنيه ولا تجاوز ٥٠٠ ألف جنيه.
وقال إن أول هذه الحالات إذا استخدم الجانى فى ارتكاب إحدى هذه الجرائم من لم يبلغ من العمر ٢١ سنة ميلادية أو استخدم أحدا من أصوله أو من فروعه أو زوجه أو أحدا ممن يتولى تربيتهم أو ملاحظتهم أو ممن له سلطة فعلية عليهم فى رقابتهم أو توجيههم.
وتابع بأنه إذا كان الجانى من الموظفين أو المستخدمين العموميين المكلفين بتنفيذ أحكام هذا القانون أو المنوط بهم مكافحة المخدرات أو الرقابة على تداولها أو حيازتها أو كان ممن لهم اتصال بها بأى وجه.
وأشار أستاذ القانون الدولى إلى أنه إذا استغل الجانى فى ارتكابها أو تسهيل السلطة المخولة له بمقتضى وظيفته أو عمله أو الحصانة المقررة له طبقا للدستور أو القانون، وأيضا إذا وقعت الجريمة فى إحدى دور العبادة أو دور التعليم ومرافقها الخدمية أو النوادى أو الحدائق العامة أو أماكن العلاج أو المؤسسات الاجتماعية أو العقابية أو المعسكرات أو السجون أو بالجوار المباشر لهذه الأماكن.
ولفت إلى أن القانون أيضا يعاقب الجانى إذا قدم الجوهر المخدر أو سلمه أو باعه إلى من لم يبلغ من العمر ٢١ سنة ميلادية أو دفعه إلى تعاطيه بأي وسيلة من وسائل الإكراه أو الغش أو الترغيب أو الإغراء أو التسهيل.
وتحدث الفقيه القانونى أيضا عن المادة ٣٣ من قانون العقوبات والتى تنص على أنه يعاقب كل من يقوم بممارسة الاتجار فى المواد المخدرة بالسجن المؤبد، بدءا من السجن المشدد ٣ سنوات، إلى السجن المؤبد أو الإعدام فى بعض الحالات، والغرامة المالية التى تصل إلى ١٠٠ ألف جنيه مصرى، ولا تزيد عن ٥٠٠ ألف جنيه مصرى، وهذا فى حالة إذا تم تصدير أو استيراد المخدرات أو أى شىء يتعلق بها من المحاصيل الزراعية.
وأشار الطحاوى إلى حالات تخفيف عقوبة الاتجار بالمخدرات والتى يكون الحبس فيها لمدة سنة ولا يصل إلى مدة ٥ سنوات، ويلزم دفع الغرامة لا تقل عن ٢٠٠ جنيه ، ولا تصل إلى ٥ الأف، وهذا فى حالة إذا كانت المواد المخدرة المضبوطة ضعيفة التخدير، ومواد مخدرة طبيعية، وهذا يرجع إلى المعمل الجنائى وتقريره بشأن المواد المخدرة التى تم ضبطها بحوزة المتهمين الذين تم ضبطهم فى حالة تلبس.
كما تطرق الفقيه القانونى إلى عقوبة التعاطى والتى وردت فى المادة ٣٩ من قانون العقوبات وتنص على أنه يعاقب بالحبس لمدة سنة، كما يلزمه ضعف غرامة مالية قدرها ١٠٠٠ جنيه، ولا تزيد عن ٣ آلاف جنيه مصرى، إذا تم إلقاء القبض عليه فى مكان مخصص أو تم إعداده لتناول المواد المخدرة، وتعاطيه المواد المخدرة مع معرفته التامة بذلك، كما تزيد العقوبة بالضعف لتصل لمدة عامين إذا المواد المخدرة هيروين أو كوكايين.
واختتم الفقية القانونى حديثه بشأن قانون العقوبات الذى فرض عقوبات مغلظة على المتعاطين وتجار المخدرات، مؤكدا أن العالم كله يعانى من تلك المشكلة منذ قديم الأزل ولا يتهاون فيها لما تمثله من خطورة على اقتصادها ومستقبل الأجيال.
وأثنى الطحاوى على المجهودات المضنية التى تبذلها وزارة الداخلية فى تعقب الجناة والتجار فى أوكارهم التى قد تستلزم مواجهتهم بالأسلحة فى مناطق جبلية خطرة، وقد يستشهد فى بعض الأحيان رجال الشرطة فى تلك المعارك.
من ناحيتها، قالت الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن مشكلة المخدرات من المشكلات القديمة فى كل دول العالم وليس فى مصر فقط، مؤكدة أنها آفة بغيضة تهدد استقرار الدول لما تحمله من خطورة على الشباب
وأوضحت خضر خلال تصريح خاص لـ«البوابة نيوز»، أن نسبة الشباب فى المجتمع المصرى ٦٥٪، مؤكدة أن فترة المراهقة هى أصعب الفترات التى تواجه الشباب الذين يمثلون الثروة القومية لمصر، وبالتالى فالمخدرات هى الخطر الحقيقى الذى يلاحق هؤلاء الشباب
وقالت أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن غياب التوعية والثقافة لهما أثر كبير فى انتشار ظاهرة التعاطى والإتجار بالمخدرات، فضلا عن الدراما التليفزيونية التى أصبحت قبلة للشباب ومعظمها تتحدث عن سلبيات المجتمع فقط ومنها تناول المخدرات
وأكدت أن الشعب المصرى هو شعب عاطفى يتأثر بالفن منذ قديم الأزل، وسبب تقدم مصر فى كل المجالات قديما يرجع لتقدم الفن المصرى الذى كان يناقش مشكلات وسلبيات المجتمع بأسلوب قصصى توعوى يوجه الجمهور للطريق الصواب، بعكس الفترة الحالية التى تنتشر فيها كل الموبقات والسلبيات بطريقة فجة ولا تعالج بل تنتشر بين الشباب لأن أبطال تلك الأعمال يمثلون البطل الشعبى الذى يبحث عنه الجمهور، وهذا خطأ كبير وفادح ويستلزم المعالجة السريعة.
وتحدثت خضر عن سبب مهم لانتشار ظاهرة تعاطى المخدرات وهو غياب الثقافة الدينية سواء من الأزهر والكنيسة، مؤكدة أنهما لهما دور كبير فى الحد من تلك الظاهرة الخطيرة، وذلك عن طريق الدروس والخطب الدينية التى تنمى العقول وتعيد القيم والأخلاقيات لنصابها، لأن الشعب المصرى هو شعب متدين بطبعه وتحفيز الشباب عن طريق غرس أخلاقيات الدين الإسلامى والمسيحى سيكون له مفعول السحر فى القضاء على تلك الظاهرة بشكل كبير.
وأكد أن غياب وضعف الوازع الدينى، والتنشئة الاجتماعية غير السليمة يساهمان بشكل مباشر فى انتشار تلك الظاهرة الخطيرة التى أصبحت تستهدف الأمن القومى للبلاد
ولفتت إلى أن انتشار المخدرات يتسبب فى كارثة حقيقية فى الشارع المصرى، لأنها تمثل ٨٠٪ من الجرائم اليومية فى مختلف محافظات مصر، لأن المتعاطى يتعرض لاختلال فى وظائف الإدراك والتفكير، مما يصعب السيطرة على تصرفاته، وبعد ذلك يطلق العنان لرغباته وشهواته ويرتكب الجرائم دون وعى لأنها تسيطر عليه تماما وتقودهم للهلاك
وأشارت خضر إلى أن هناك بعض السلبيات فى المجتمع المصرى والتى تساهم بشكل كبير فى انتشار المخدرات وهى الزيادة السكانية الكبيرة فى مصر وبالتالى زيادة نسبة الأمية بسبب غلاء الأسعار والتى تنتقل إليها بالتبعية ظاهرة البطالة والتسول، وجميعهم يساهمون فى الاتجار بالمخدرات لتحقيق ربح سريع أو حتى تعاطيها للهروب من الواقع.
وتطرقت لسبب مهم آخر من ضمن الأسباب التى تساعد فى انتشار المخدرات وهى غياب وانشغال الوالدين عن الأبناء، وعدم وجود الرقابة والتوجيه بشكل مستمر، لأن هذا من شأنه تجربة المخدرات بسبب حالة التقليد الأعمى التى تدفع الشباب لتعاطى المخدرات كحب استطلاع وبسبب مجالسة أو مصاحبة رفقاء السوء، وبعدها الوقوع فى براثنها بعد إدمانها.
وعن طرق الوقاية من المخدرات قدمت روشتة هامة للشباب وهى زيادة الوعى بمخاطر المخدرات، وتعلم طرق صحية للتعامل مع الضغوط النفسية التى تنتج طاقة سلبية تدفع البعض للتعاطى، ولذلك فتفهم الحالة النفسية للأبناء هو أمر بالغ الأهمية فى التعامل مع تلك الظاهرة الخطرة.
كما أكدت خضر أن الحفاظ على حياة صحية، علاج الاضطرابات النفسية، شغل أوقات الفراغ بأشياء نافعة كالرياضة، والحرص على التواصل مع الأهل والأصدقاء بشكل مستمر، والابتعاد عن أصدقاء السوء والمدمنين، والتوعية وتصحيح المفاهيم، ومنها التوعية بالأمراض النفسية مثل الاكتئاب أو اضطراب ثنائى القطب لأنهما مدخل جيد للمخدرات، وكل هذه الإرشادات تعتبر أحد أهم طرق الوقاية والابتعاد عن طريق المخدرات.
واختتمت بإبراز أهمية دور الإعلام من خلال إطلاق حملات إعلامية وبرامج للتوعية بأضرار أخطار المخدرات وكيفية تجنبها، وإقامة ندوات ومحاضرات توعية، فضلا عن البرامج الصيفية والأنشطة وممارسة الهوايات والرياضة فى المدارس والجامعات، وأيضا زيادة الترابط بين الطالب والمدرس والبعد عن الترهيب والتخويف، كما يجب أن يكون المدرس قدوة للتلاميذ، ولابد من وجود أخصائى اجتماعى بالمدرسة لكى يجد حلول للمشاكل النفسية التى يمر بها الطلاب ويقدم النصائح لتجنب المخدرات.
وقال المحامى بالنقض حسن أبو العينين، إن جرائم المخدرات منتشرة منذ أمد طويل فى كل أنحاء العالم، مضيفا أن القانون يعالج تلك الظاهرة السلبية الخطيرة فى الحيازة أو الإحراز سواء كان الغرض منها التعاطى أو الاتجار ويشدد العقوبات فى بعض الحالات
وأضاف أبو العينين فى تصريح لـ«البوابة نيوز»، إن هناك متفرعة من جرائم المخدرات مثل إدارة منزل للإتجار فى المخدرات، وجلب المخدرات من الخارج والتى تصل عقوبتها للإعدام.
وأوضح أن المشرع غلظ العقوبات على المتهمين بالاتجار وجلب المخدرات من الخارج حتى وصلت للإعدام وهذا حتى تكون رادعة لكل ن تسول له نفسه القيام بتلك الجريمة الخطيرة التى تستهدف النيل من استقرار مصر.
ولفت أبو العينين إلى أنه نظرا لأن تلك التجارة مربحة يحاول القائمين عليها من التجار استقطاب الشباب صغير السن لمعاونتهم فى نشرها بين المواطنين، مؤكدا أنهم يختارون ضحاياهم من الشباب الذين يعانون من ضيق ذات اليد أو منمشاكل نفسية واجتماعية ويغروهم بالأموال للترويج لسلعتهم وهى المواد المخدرة ولكنها فى النهاية تؤدى إلى نفق مظلم وهو السجن.
واختتم ، المشرع استفاض فى تلك الجرائم سواء منح الضبطية القضائية لرجال الشرطة أو رجال الجمارك وغيرهم من النيابة العامة للحد من انتشار تلك الجرائم، ولكن قد تحدث ثغرات تتعلق بإجراءات الضبط يعلمها المحامون جيدا وقد تفسد القضية ويحصل المتهم بموجبها على البراءة، مضيفا أنتلك الثغرات لا دخل للمشرع بها ولكنها تتعلق بالعنصر البشرى.