خلال الأسبوعين الماضيين شهد الولايات المتحدة الأمريكية عددًا من القرارات الهامة والتي أثرت على مجريات الأمور داخل الاقتصاد الأمريكي وبالتالي ستنعكس على الاقتصاد العالمي ومنطقة الشرق الأوسط؛ إذ كان من بين تلك القرارات موافقة الكونجرس الأمريكي على تشريع رفع الاقتراض وهو ما يعني استمرار ارتفاع معدلات الدين الأمريكي والذي اقترب في الوقت الحالي من 31.5 تريليون دولار .
تأثر الاقتصاد الأمريكي بتداعيات الأحداث العالمية وخصوصا بعد أزمتها خلال الحرب الروسية الأوكرانية والتي أثرت على معدلات النمو الاقتصادي عالميا وارتفاع معدلات التضخم المرشح وصوله لما يجاوز 10% بعد أن حقق 8.8% بنهاية العام الماضي، إذ تسببت تلك الأحداث في إجبار مجلس الاحتياطي الفيدرالي على تحريك سعر الفائدة منذ مارس 2022 بأكثر من 10 مرات متتالية بغرض كبح جماح معدلات التضخم ليصل سعر الفائدة في البنوك الأمريكية في الوقت الحالي لـ 5.25% بعد أن كانت 0% قبل عام ونصف ماضيين.
إفلاس البنوك الأمريكية
وخلال الشهور القلائل الماضية تعرض الاقتصاد الأمريكي لضربات متتالية كان آخرها تعرض 7 من بنوك الأمريكية للإفلاس من بينها " سيلكون فالي، سيجنتشر بنك، إيندي ماك،فيريست ريبابلك،واشنطن موتال، كلونيال بنك" وخسر خلالها ما يقارب من تريليون دولار خلال شهر من بدء تلك الأزمة في مطلع مارس الماضي والتي تضمنت بنك سيلكون فالي المتخصصة في تمويل المشروعات التكنولوجية وريادة الأعمال .
في الوقت الذي لا تزال فيه يحتدم الصراع بين حزب الجمهوريين والديمقراطيين الذي يتزعمه الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهو ما جعل الأخير يتوصل لاتفاق يساعد إلي حد ما على التهدئة داخل البلاد من قبل غرمائه داخل الحزب الجمهوري، خصوصا بعد حالات الركود الاقتصادي الذي تشهده الولايات المتحدة الأمريكية وتراجع ثقة المواطنين وأسمهم بلاد العم سام في مناطق عدة عالميا وفي مناطق آسيا والشرق الأوسط بعد استمرار رحى الحرب الروسية الأوكرانية ودخول دولا من الـ 5 الكبار في مجلس الأمن من بينهم الصين والتي عززت من موقف روسيا ضد خصمها الولايات المتحدة؛ وفقا ما قاله محللون وخبراء .
اتفاق تأجيل الديون
وتوصل " بايدن" لاتفاق بمباركة الكونجرس يقضي بمساعدة اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية بترشيد الإنفاق العام بواقع 1.5تريليون دولار، خشية أن تتخلف عن سداء مديونياتها لصالح الموظفين بالدولة والقطاعات الحتمية بما في ذلك المؤسسات الصحية والتعليمية والضمان الاجتماعي " المتقاعدون"، إذ يتضمن الاتفاق الموافق عليه من البرلمان الأمريكي رفع حد الديون لما يربو من 3.5 تريليون دولار والتي حل أجلها في 5 يونيو الجاري، مع تعليق عمليات الإقتراض بحلول مطلع يناير من العام 2025 أي بعد عامين
يتضمن الاتفاق المصدق قانونا من الكونجرس ومجلس الشيوخ؛ استثناء الإنفاق العسكري من إجراءات الترشيد نموها بنسبة 1% بحلول 2025 لتقترب من 900 مليار دولار ؛ مع إبقاء مخصصاتها ثابتة في ميزانية 2024، وتقليص الضرائب بمقدار 10 مليارات دولار، وكذلك مخصصات تنفيذ القانون المحلي وإدارة الغابات والبحث العلمي والاستكتشافات العلمية في العام المقبل.
وبحسب ما جاء بالإتفاق فإن الميزانية الأمريكية سترفع من حجم المساعدات الغذائية والإنفاق على القطاع الصحي للموظفين الفيدراليين والمحاربين القدماء
ووصف الرئيس الأمريكي جو بايدن، الإتفاق المبرم مع الكونجرس ووكالات الأنباء العالمية تصريحات على لسان الرئيس الأمريكي جو بايدن، بأن اتفاق رفع سقف الدين جعل بلاده تتفادي ما اسماه بـ الإنهيار الاقتصادي، موضحا أن البيت الأبيض قد خاض حربا "ضروسا" استمرت منذ مطلع العام الجاري وحتى مايو الماضي، لتمريره من مجلس الشيوخ والكونجرس.
قال " بايدن" إن الجميع تصرف بمسؤولية خلال ذلك الوقت العصيب مقدمين المصالح الوطنية على المكاسب السياسية من خلال التوصل لحل وسط ومفيد للبلاد لمنع حدوث كارثة والتعرض لركود اقتصاد ضار بالمتقاعدين وملايين الموظفين بالدولة.
أضرار التخلف عن الديون عالميا
في المقابل قال الدكتور محمد العريان، الخبير الاقتصادي العالمي وعميد كلية كوينز بجامعة كامبريدج، في تصريحات له؛ إن حتمية تخلف الولايات المتحدة عن أداء الديون من المحتمل دفعها نحو المزيد من الركود الاقتصادي ودفعها نحو مصير قاسي بالإضافة لدول العالم ممن تعتبر أمريكا شريكا تجاريا واستراتيجيا كما هو الحال بالنسبة للمملكة المتحدة.
واعتبر أن التخلف عن أداء المديونيات قد يدفع البلاد نحو مشكلة رهن عقاري جديدة كما هو الحال بالنسبة للازمة المالية العالمية في 2008 وارتفاع معدلات البطالة ومن ثم سيؤثر على الاستقرار الاقتصادي العالمي، معتبرا أن عدم أداء الولايات المتحدة بالتزاماتها خصوصا مستحقات مستثمري سندات الخزانة سيؤثر على جدارتها الائتمانية ويؤثر على فرص الاستثمار لديها.
وأشار "العريان" إلى أن تخلف الحكومة الأمريكية عن أداء ما عليها من التزامات يعني التأثير على عملتها المحلية " الدولار" وتراجع قيمته على المستوى العالمي وبالتالي سيؤدي لصعود عملات أخري وتكتلات اقتصادية جديدة كـ تجمع " بريكس" وصعود الاقتصاد الآسيوي مثل الصين والهند وغيره.
تصنيف عالمي
وفي تقارير سابقة لوكالة التصنيف الإئتماني فيتش والتي قررت إنها وضعه اقتصاد الولايات المتحدة تحت المراقبة السلبية، في ظل حالات عدم الاستقرار الاقتصادي إذ وصفت إصدار قانون لتأجيل المديونية وعدم تفاقمها بأنها إجراء وقائي لمنع تفاقم الأزمة، مشيرة إلى أن عدم قدرة الحكومة الأمريكية على مواجهة التحديات الراهنة سواء على الساحة المالية والاقتصادية على المدى القريب أو المتوسط من شأنه التسبب في تداعيات عالمية.
وذكرت الوكالة أن اقتصاد الولايات المتحدة هوي في النصف الأول من العام 2022 بسبب التأثر من الإغلاق الذي أجرته لمواجهة تداعيات فيروس كورونا بالإضافة لارتفاع تكلفة الإقراض وهو ما ساعد على ارتفاع الطلب على التوظيف وزيادة نسب البطالة وارتفاع معدلات الاستهلاك دون مقابلتها بالإنتاج لترتفع الأسعار وكذا معدلات الركود أيضا.
ودفعت تلك الإجراءات مجلس الاحتياطي الفيدرالي لرفع معدلات أسعار الفائدة والتي اقتربت في الوقت الحالي من 5.5% خلال الاجتماعات الأخيرة بالرغم من قيام السلطات النقدية داخل الولايات المتحدة للاتجاه نحو رفع محدود لسعر الفائدة في اجتماعها الأخير بنسبة 25 نقطة مئوية على غير العادة.