جميعنا يعلم أن المسافة التي تفصل بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا كبيرة جدا حيث تقع الأولى في أقصى الغرب، والثانية في أقصى الشرق، لكن قد تكون المفاجأة بالنسبة لك أن المسافة بين بيتك وعملك تعتبر أطول بكثير من المسافة الفاصلة بين أمريكا وروسيا وسنوضح ذلك خلال السطور التالية.
جزيرتا «ديوميد» الكبرى والصغرى
فمن المتعارف عليه أن الأرض بطبيعة الحال كروية الشكل وروسيا وأمريكا تلتقي حدودهما في القطب الشمالي بين جزيرتي «ديوميد» الكبرى التابعة لروسيا وبين جزيرة ديوميد الصغرى التابعة لأمريكا، فعندما اشترت الولايات المتحدة ألاسكا من روسيا في عام 1867، شملت الصفقة جزيرة ديوميد الصغرى. وبالتالي تم رسم الحدود الجديدة بين البلدين وتركت ديوميد الكبرى لروسيا.
هل تتخيل في يومِِ من الأيام أن يكون بين اليوم وغدًا مسافة 4 كيلو متر فقط؟ّ! جزيرتي ديوميد «جزيرة الغد وجزيرة الأمس»، تحققت هذه الفرضية على تلك الجزيرتين حيث لا يقاس الوقت بالساعات بل بالكيلومترات.
وعلى الرغم من أن المسافة بين هاتين الجزيرتين لا تتجاوز 4 كم، إلا أن جزيرة ديوميد الكبرى التابعة لروسيا تسبق جارتها بـ 21 ساعة بسبب مرور خط التوقيت الدولي بينهما، والذي يفصل اليوم عن الأمس، فعندما يكون الوقت عصرًا في الجزيرة الروسية يكون أيضًا الوقت عصرًا في الجزيرة الأمريكية، لكن في الجزيرة الأولى عصر اليوم، وفي الجزيرة الثانية عصر الأمس، بشكل أوضح يكون التاريخ مختلف فإذا كان في الجزيرة الروسية عصر اليوم 14 إبريل، يكون في الجزيرة الأمريكية عصر الأمس 13 أبريل، رغم أنهم يشاهدون بعضهم ولا يفصل بينهم سوى 3.8 كم. لذلك يطلق على هاتين الجزيرتين جزيرتي الغد والأمس.
ما هما جزيرتي الغد والأمس؟
تسمى الجزر الكبيرة منهما جزيرة تومورو أو غدا (جزيرة ديوميد الكبرى) وتقع في الأراضي الروسية، بينما الجزيرة الصغيرة تسمى جزيرة ياسترداي أو الأمس (جزيرة ديوميد الصغرى) وتقع في أراضي الولايات المتحدة، يفصل بين الجزيرتين خط زمني من ما يجعل الفارق الزمني بينهما هو 21 ساعة، إلا أن المسافة بينهما 4 كيلومترات فقط.
وتفصل المياه بين الجزيرتين عن طريق الحدود البحرية للبلدين، ويطلق على الممر المائي بينهما اسم "الستار الجليدي"، والذي يشير للحرب الباردة السابقة بين روسيا وأمريكا بأكثر من ما يشير إلى المناخ.
ما يجعل جزيرتي ديوميد جزر مثيرة للاهتمام في هذه الحالة هو أن ديوميد الكبرى هي ملكية روسية، بينما ديوميد الصغرى هي جزء من الولايات المتحدة، يبلغ طول ديوميد الكبرى حوالي 8 كيلومترات، ويبلغ طول ديوميد الصغرى أقل من نصف ذلك بقليل، كلا الجزيرتين بركانيتان، يبلغ ارتفاع كلاهما حوالي 500 متر فوق مستوى سطح البحر.
سبب التسمية بـ«جزر الغد والأمس»
سبب تسمية جزر ديوميد بجزر الغد والأمس شيء مثير للاهتمام فخط التوقيت الدولي يمتد بينهما، لذا إذا كنت تقف في ديوميد الصغرى وتتطلع إلى ديوميد الكبرى، فستشاهد غدا حرفيًا، وإذا كنت تنظر من ديوميد الكبرى إلى ديوميد الصغرى، فستشاهد الأمس!
سكان جزيرتي الغد والأمس
العيش في جزيرتي ديوميد، جزيرة الغد / جزيرة الأمس، مثير للتناقض حيث أن كل جزيرة مرئية من الأخرى، فمن يقف على أحدهما يرى بوضوح الأخرى ولكن من الصعوبة السفر من إحداهما للأخرى نظرًا لتشديد القوانين.
لا يوجد حاليًا سكان في ديوميد الكبرى الروسية، وقد وجد عليها في السابق قاعدة عسكرية خلال الحرب العالمية الثانية، وكانت مأهولة بالسكان، لكن تم إجبارهم علي المغادرة خلال الحرب الباردة من قبل روسيا لتجنب اتصالهم بأمريكا عبر الحدود.
100 مواطن فقط في الجزيرة الأمريكية
أما ديوميد الصغرى الأمريكية يعيش فيها ما يقرب من 100 شخص حاليا مع كنيسة ومدرسة، حيث يعيش مواطنو ديوميد الصغرى أسلوب حياة أقرب للكفاف، فهم يجمعون الأسماك وسرطان البحر، ويصطادون الحيتان البيضاء، والفقمات، والدببة القطبية، وتأتي معظم الإمدادات من توصيل البارجات السنوي من البر الرئيسي من متاجر مثل وول مارت، ويعمل عدد قليل من السكان في الحكومة المحلية أو المدرسة.
صفقة «حماقة» سيوارد
في سنة 1867، كتب الروس حينها نهاية تواجدهم في قارة أمريكا الشمالية وانتهاء سيادتهم على أراضي ألاسكا التي تضم جزيرتي ديوميد الكبرى والصغرى، بعد أن عرضها الروس للبيع على الأمريكان، احتياجًا للمال، وخوفا من وقوعها تحت سيطرة المملكة البريطانية دون مقابل.
وظلت أمريكا 8 سنوات تبحث فيها عن الصفقة، حين عرض الإمبراطور الروسي ألكسندر الثاني ألاسكا للبيع على الرئيس الأمريكي أندرو جونسون في عام 1859، لينهي الصفقة السفير الروسي بواشنطن، «لويس بيدلال» مع وزير خارجية أمريكا «ويليام سيوارد» مارس من عام 1867، بـ7 ملايين و200 ألف دولار، بمعدل 1.9 سنت للفدان.
الصفقة التي أطلق عليها الأمريكان حينها «حماقة سيوارد» فصلت الجزيرتين لتتبع ديوميد الكبرى روسيا التي تبعد عن اليابسة 40 كيلومترًا، وتصبح الصغرى ملكا للأمريكيين، وبعد الحرب العالمية الثانية نقل السكان الأصليون للكبرى خارجها، لكنهم لم يعودوا إليها بعد انتهاء الحرب؛ حيث تحولت إلى قاعدة لقوات حرس الحدود الروسية.
الوقت المستغرق للسفر بين الجزيرتين
إن السفر بين جزيرتي ديوميد، جزيرة الغد / جزيرة الأمس لا يمكن أن يتم قانونًا من منطقة تقاربهما، بل يجب أن تدور حول الكرة الأرضية لتصل للجزيرة الأخرى، وهو ما يعني سلسلة جامحة من الرحلات الجوية وركوب العبارات، بدءا من ألاسكا وتستمر بالتوقف في سياتل ونيويورك وموسكو وسيبيريا والرحلة مدتها 15 يوما، من السفر والتوقف، فقد تم إغلاق الحدود بين الجزيرتين منذ عام 1948، ليتحول السفر بينهما عبور لكامل الكرة الأرضية فعليًا.