يعد الشاعر والكاتب المسرحي نجيب سرور «1 يونيو 1933 – 24 أكتوبر 1978» ابن قرية إخطاب مركز أجا، بمحافظة الدقهلية، والملقب بـ«شاعر العقل»، أحد أهم رواد المسرح الشعري في الوطن العربي، والشاعر المتمرد الذي لم يقف عند حدود، ولم يتواطأ أيضا على فكره السياسي، فهو رمز من رموز النضال بالكلمة، وترك إرثا كبيرا من القصائد على الرغم من جمالياتها وأهميتها فإنها لم تصل إلى الناس.
عمل سرور كاتبا ومخرجا وأستاذا بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وقدم مجموعة من الأعمال التي تنتقد الظلم، والسلطة، والفقر، والخوف، وانصب اهتمامه على الكتابة المسرحية في ذلك الوقت، حيث قدم العديد من الأعمال المسرحية المهمة التي ما زالت حية حتى وقتنا هذا مثل «يا بهية خبريني»، و«ياسين وبهية»، و«وميرامار» المقتبسة عن رواية نجيب محفوظ، و«منين أجيب ناس»، و«قولوا لعين الشمس» وغيرها من المسرحيات.
آه يا ليل يا قمر
إحدى أعمال نجيب المسرحية، والذي أراد أن يسجل التاريخ السياسي والاجتماعي في ثلاثيته، فإذا كان قد بدأ بتصوير صراع الفلاح ضد الاقطاع في الجزء الأول «ياسين وبهية»، نجده في الجزء الثاني «آه يا ليل يا قمر» يصور صراع العمال ضد الرأسمالية والاحتلال الإنجليزي في مصر، ويبدأ الجزء الثاني بعد مرور عدة أعوام على استشهاد ياسين في الجزء الأول.
وقد قامت علاقة تعاطف بين «بهية» و«أمين» العطشجي في وابور الطحين، الذي كان صديقا لـ«ياسين» في معركته ضد الباشا، وبمرور الوقت يتقدم أمين لخطبة بهية، لكن والدها يرفض بسبب وعده لياسين، حسبما أشار الدكتور سيد علي إسماعيل في كتابه «أثر التراث العربي في المسرح المصري المعاصر»، الصادر مؤخرا عن مؤسسة هنداوي للنشر، وهنا تقول له الأم: «يا بو البنت البالغ بعها.. قبل ما شرف البت يضيع.. واستر عرضك قبل ما تعمل.. زي المهرة لما تشيع.. بنتك حره.. بس الحره بتقلب مهره.. لما تشوف الجدعان بره».
وبالفعل يوافق الأب ويتم الزواج، ويأخذ أمين بهية إلى بورسعيد ليعمل في كامب الإنجليز، وبمرور الوقت يدمن أمين الخمر ويعيش في اللاوعي، بعدما اكتشف أنه لم يترك بهوت، فالإقطاع في بهوت هو نفسه الرأسمالية في بورسعيد، وكما كان الباشا يتحكم في القرية وأهلها، وجد أن الإنجليزيحكمون مصر وشعبها من خلال المأجورين من الرأسمالية في بورسعيد، فيقول لبهية: «صدقيني يا بهية.. إحنا ما سبناش بهوت.. إحنا فيها.. لسه فيها يا بهية، وإحنا حتى في بورسعيد».
ويترك «أمين» الكامب الإنجليزي أمام هذا الواقع المرير، ويعمل في أحد المصانع، بعد أن انضم إلى صفوف المقاومة الشعبية، لكن الظلم قد تفشى في كل مكان وصل إلى المصنع، وهنا لا يجد أمين أي مفر من مواجهته، وبالفعل يتمرد ويتمرد معه عمال المصنع، وتأتي الحكومة وتقتل بعض العمال ومنهم «أمين»، وإذا كان استشهاد ياسين في الجزء الأول رمزا على ضحايا الإقطاع في بهوت، فأمين أيضا ضحية الرأسمالية في بورسعيد.
ومن التعابير الشعبية في هذا الجزء «الحلم» أيضا، فبعد موت أمين يأتي لبهية في المنام شيخ يقودها في عالم الخيال، حيث ترى ياسين وأمين ورجل ثالث لا تعرفه، ورموز الحلم واضحه حسب معناها الشعبي، فالشيخ يمثل الحكمة، والقمر يمثل الأمل في المستقبل، والوردة الحمراء التي يمسك بها ياسين وأمين تدل على الموت الدموي على أيدي الإقطاعيين والرأسماليين، ومن الممكن أن تدل على ثورتهما ضد الإقطاع والرأسمالية.
ياسين وبهية
كانت أولى أعمال سرور المسرحية، التي مسرحها وأخرجها كرم مطاوع، على مسرح الجيب عام 1964، وتمثل نقطة الإنطلاقه في عالم سرور المسرحي، وحاليا تقدمها فرقة مسرح الشباب، التابعة للبيت الفني للمسرح، على خشبة المسرح العائم الصغير بالمنيل يوميا، ومن إخراج يوسف مراد منير.
ويقول مخرج العرض يوسف مراد منير: «إن العرض المسرحي (ياسين وبهية) الذي يعرض حاليا حدث مسرحي مهم بالنسبة لي، لأني هنضم لمجموعة من مخرجين السوق المحترفين، وأتمنى أن ينال إعجاب الجميع».
وأضاف، أنه أسهم في عودة اسم نجيب سرور، لمسرح الدولة مرة أخرى، موجها الشكر إلى أصحاب هذا الفضل، وهما: المخرج سامح بسيوني مدير فرقة مسرح الشباب، والمخرج خالد جلال، رئيس قطاع شئون الإنتاج الثقافي والقائم بأعمال رئيس البيت الفني للمسرح، على إتاحة الفرصة لتقديم هذا العمل، بهدف معرفة الأجيال الشابة بأعمال رائد المسرح الشعري نجيب سرور، والتعلم من تجربته الإبداعية.
ياسين وبهية برؤية معاصرة
في حين قدمت فرقة فرسان الشرق للتراث، التابعة لدار الأوبرا المصرية، هذا العرض الاستعراضي الراقص مؤخرا، والمأخوذ عن القصة الشهيرة «ياسين وبهية»، التي تطرح قضايا المرأة بمنظر آخر، وحقق نجاحا كبيرا.
شارك العرض في العديد من المهرجانات المسرحية منها: مهرجان الأردن الدولى للمسرح الحر، وحصل العرض على جائزة أحسن ممثلة ذهبية، وأحسن عرض متكامل برونزية، وأيضا في الدورة السادسة والعشرين من مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبي.
تأخذنا مخرجة العرض كريمة بدير، من خلال هذا العرض التجريبى المعاصر، الذي يمثل التراث الشعبى والهوية المصرية التى تقدم في صورة معاصرة، في رحلة مع مجموعة من الراقصين ليقدموا وجبة مسرحية تراثية على الطريقة المعاصرة حول قصة الموال الشعبي، مع الاحتفاظ بالتراث المصرى الأصيل والهوية المصرية، لتطرح تساؤلا في النهاية عن من الذى قتل ياسين؟
تدور أحداث العرض عن «ياسين»، الذى أحب ابنة عمه «بهية» ويدافع عن حبه لها باستماتة، حيث ترمز بهية داخل العمل إلى شىء، قد يكون الوطن الذى يتم الدفاع عنه حتى آخر لحظة، أو الخير، أو الحب، أو الضعف أو الاحتواء....، وكذلك الصراع بين الخير والشر، وقضية قهر المرأة، والإقطاعيين والشعب في كل المستويات المختلفة داخل القرية وكيف تصدى لهم ياسين وقتل غدرا، ولكن تترك النهاية للجمهور الذى أصبح جزءا في هذا العمل حتى يراها من منظوره الخاص.
في النهاية فقد ترك الشاعر والكاتب المسرحي بصمة واضحة وفي تاريخ المسرح الشعري، ويعد أحد رواده المناضلين والمدافعين عن قضايا الوطن ومشاكل المجتمع، فقد عاش حياته ثائرا متمردا في مواجهة الظروف العصيبة التي أولدت معاناة يمكنها تحطيم عشرات غيره، لكنه استطاع أن يحولها لإبداع حفظ مكانه الخاص بعد رحيله.