كان «أمنحتب الثاني» من الملوك القلائل في مصر القديمة العريقين في النسب، حيث وُلِد من أبوين يجري في عروقهما الدم الملكي، فوالده «تحتمس الثالث» ابن الملك «تحتمس الثاني»، وأمه هي الملكة «مريت رع حتشبسوت» ابنة الملكة «حتشبسوت» بنت «تحتمس الأول».
ووفق ما وجد الأثريون، وُلِد في «منف» عاصمة الملك الثانية، حيث وجد جعران قد نُقِش عليه تذكار لولادته هناك. وكانت البلاد منذ حكم والده أصبحت مقسَّمة إداريا إلى قسمين كبيرين، يدير كلَّ واحد منهما وزير خاص؛ الأول مقره في «طيبة»، ويسيطر على الإقليم الذي يمتد من «أسوان» حتى «أسيوط»؛ والثاني يسيطر على الجزء الواقع شمالي «أسيوط» حتى البحر الأبيض المتوسط.
ووفق ما ذكر الأثري الراحل سليم حسن في موسوعته "مصر القديمة"، في جزئها الرابع "عصر الهكسوس وتأسيس الإمبراطورية"، فكان الظاهر أن «أمنحتب الثاني» كان يقلِّد والده في كل مراحل حياته، من حيث الرياضة والحروب وحتى في الصيد والقنص في خلال حملاته في البلاد النائية. يقول: "سنرى أنه بعد أن خضعت له بلدة «قادش» التي كانت من أعظم البلاد التي قاومت والده مدةً طويلةً دون أن تخضع لسلطانه، قد قام بنزهات للصيد والقنص كما قام والده في «نهرين» بصيد الفيلة، وفي بلاد السودان بصيد الأسود والثيران الوحشية، ثم بصيد وحيد القرن (خرتيت)، فنرى «أمنحتب» يخرج في غابات جبال «رابيو» للصيد والقنص، فيطارد فيها الغزلان والمهاري والأرانب الوحشية والحمير البرية، ويصيد منها عددًا يخطئه العد".
ووفق نقش أُرِّخ بالسنة الثالثة من حكم «أمنحتب الثاني»، يدل دلالةً واضحة على أنه قام بحروب في السنين الأولى من حكمه؛ كما أن النقوش تدل دلالة واضحة على أنه كان قد اشترك مع والده في حكم البلاد. لكن من غير المعروف مدة اشتراكه معه في الحكم، وعما إذا كان «أمنحتب» قد بلغ سنَّ الثامنة عشرة فأشركه معه والده في الحكم، وأعطاه مقاليد الأمور في يده، وبقي يعمل منفردًا في حكم البلاد حتى وافى والده الموت، وأصبح هو الملك الوحيد بلا شريك، ومن ثَمَّ قام بحملته الأولى المظفرة، منفردًا في السنة السابعة من حكمه
ويُعتقد أن حملة بلاد «تخسي» كانت أول الحروب التي شنَّها «أمنحتب الثاني» على آسيا. تشير موسوعة مصر القديمة إلى أن أهل ولايات «آسيا» قد أخذوا يشقون عصا الطاعة على الملك الفتى في أعقاب وفاة والده.
تقول: "كانوا يريدون دائمًا أن يعجموا عود الملك الجديد؛ فتلك كانت أخلاقهم، لو يجدون مغمزًا أو لينًا أو مدخلًا، لَولوا وهم يجمحون متحرِّرين من نير الحكم المصري، وبخاصة أن بقايا «الهكسوس» كانوا لا يزالون يعالجون النفس الأخير من حياتهم في تلك الجهات، هذا فضلًا عن أنه من اللحظات الخطرة في حياة أية دولة ناشئة أن يتوفى مُنشِئها، والبلاد التي فتحها لم تألف بعدُ عيشةَ الخضوع والاستسلام لحاكم لم يعرفوا عنه شيئًا، على أن من المشكوك فيه في نظر القوم أن يكون في قدرة الفرعون الجديد أن يُظهِر من النشاط العظيم ما يجعله ناجحًا في إدارة حكم ممتلكاته مثل سلفه المتوفى، ويشكون كذلك في أن يكون عنده من المهارة وحصافة الرأي ما يجعله يقدِّر ما على هذه البلاد من جزية، بصورة لا تجعل أهلها يئنون تحت عبئها، فإذا لم يُظهِر هذا الحاكم الجديد أن في قدرته المحافظة على ما تركه له سلفه من إرثٍ بأي ثمن كان، وأن عمَّاله لا يزالون قادرين على السيطرة على مقاليد الأمور من غير خور أو فتور، فإن رعاياه لا بد ثائرين عليه، وبذلك يصبح تغيُّر العاهل فرصةً سانحة لإعلان العصيان العام في كل أنحاء الإمبراطورية".
والواقع أن أهالي «سوريا» قد أرادوا أن يعجموا عود هذا الملك الجديد كما فعلوا مع والده «تحتمس الثالث» الذي خيَّبت مهاراته الحربية رجاءهم، وقضى على قوتهم بأسرع ما يمكن. ومع ذلك أعادوا الكرَّة مع ابنه، الذي قام بالتنكيل بالأمراء السبعة لأهالي سوريا وفلسطين؛ وكان هو الذي يقود الجيش بنفسه في عربته. بعدها، بدا أن مدينة «ني» قد سمعت بانتصارات الملك الشاب وقوته، فدبَّ في نفوسهم الفزع، حتى أن «أمنحتب الثاني» لم يَكَدْ يظهر بجيشه أمام المدينة، حتى رأى أهلها وعظماءها واقفين على أسوارها مقدِّمين له فروضَ الطاعة والولا "وبعد أن تمَّ الاستيلاء على هذه القرى والبلدان، زحف إلى مدينة «قادش» العظيمة وعسكَرَ أمامها، ولم يكَدْ أهلها يعلمون بوجوده حتى خرجوا لمقابلته بقلوبٍ ملؤها الفرح والسرور، وعقدوا له يمين الطاعة والولاء".
وبعد أن تمَّ النصرَ، وبخاصة الاستيلاء على «قادش»، أراد «أمنحتب الثاني» أن يقلِّد والده «تحتمس الثالث»، بل يفوقه في فنون الصيد والرماية، فقام أولًا بأعمال رياضية تدل على حذقه في إصابة المرمى وإحكام رماية الهدف، فأصاب هدفين من نحاس بسهامه أمام أهل المدينة، ثم قام بنزهةٍ للصيد والقنص في غابة جبال «رابيو»، ورجع من طراده بغزلان ومهاري، وأرانب برية، وحمير وحشية لا يُحصَى عددها.
ويصف الراحل سليم حسن ما دوّن على النقوش واللوحات القديمة عن انتصارات الملك الشاب فيقول: "والواقع أن مثل هذه المشاهد الحربية تفوق ما نقرأه في «الإلياذة» عن أعمال «أخليس» و«هكتور»، ولا يبعد أن اليونان قد نقلوا هذه الأعمال الخارقة لحدِّ المألوف عن المصريين، وبخاصة أنهم كانوا ينسبونها إلى مَن يجري في عروقهم الدم الإلهي مثل «أخليس»، ويقول المتن بعد ذلك ما يأتي: «وفي الصباح المبكر من اليوم التالي، سار الفرعون على جواده ثانيةً (بغنائمه)، وكان مدججًا بأسلحة الإله «منتو».» وهذا نفس ما كان يفعله «أخليس»، فإنه كان يدجج بأسلحة إله الحرب، وهي التي كانت تهبه النصر، فإذا ما خلعها عنه ذهبت عنه القوة الإلهية.
أما عن حروبه في السودان فيظهر أنه لم يحدث في تلك الأقاليم الشقيقة ما يستحق الذكر، والظاهر أن تمثيل الملك بأحد أمراء «آسيا» في بلدة «نباتا»، كان بمثابة درس عملي ناجع في جعل أمراء السودان يخلدون إلى السكنية طول مدة حكمه. وقد ترك لنا «أمنحتب» نقشًا في إحدى مقابر رجال عصره في جبانة «شيخ عبد القرنة»، ذكر فيه الأقاليم التي كان يسيطر عليها «أمنحتب الثاني»، وهي في الواقع الأملاك التي كانت تدين لوالده بالطاعة، فقد مُثِّل على إحدى جدران هذا القبر الفرعونُ جالسًا على عرشه، وقد نُقِش حول قاعدة هذا العرش أسماء أهالي واحات «لوبيا» وبلاد «كوش» وبلاد «فينيقيا» و«نهرين» و«سوريا» وبلاد «مالوص».
كما أمر بإقامة لوحتين لتحديد أملاكه من جهة الشمال ومن جهة الجنوب في السنة الرابعة من حكمه، واحدة عند أقصى حدوده في «نهرين»، والثانية عند أقصى حدوده في الجنوب عند «كاراي»، وأقامهما له «أمنحتب» مدير أعماله في معابد الإله في الجنوب وفي الشمال، وكاتب الفرعون «أمنحتب» فحاكى بهذا العمل والده «تحتمس الثالث»، عندما أقام لوحةً على الضفة اليمنى لنهر الفرات شمالًا، وأخرى عند جبل «بركل» جنوبًا.