الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

قصة استرداد الأرض| رحلة المصريين من النكسة إلى الانتصار.. حرب الاستنزاف رد سريع على الهجوم الإسرائيلي لتصبح محطة أساسية في تاريخ مصر الحديث

ذ1

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

وضع خطة «الأعماق الثلاثة» للمواجهة وإعادة الأمجاد المفقودة واستعادة الأرض المسلوبة

١٩٦٩ شُنت أولى عمليات إيلات الثلاث، وكانت الهدف هو تدمير السفينتين الإسرائيليتين هيدروما ودهاليا

١٩٧٠ زار الرئيس جمال عبد الناصر العاصمة الروسية موسكو لتزويد مصر بأحدث أنظمة الدفاع الجوي

حرب أكتوبر تسطر بطولات الجيش المصرى بمداد من الذهب 

 

 

رحلة طويلة ومليئة بالتحديات خاضها المصريون لاستعادة الأرض بعد هزيمة أو نكسة ٥ يونيو ١٩٦٧. رحلة بدأت مُنذ خامس أيام العدوان الإسرائيلي الذي استهدف مصر وسوريا والأردن، تحديدًا في مساء ٩ يونيو ١٩٦٧، حين خرج الزعيم جمال عبدالناصر ليواجه الشعب المصري والعربي، ويعلن عن تحمله المسئولية الكاملة عن "النكسة" وقراره التنحي عن رئاسة الجمهورية.

وفي خطابه الشهير، قال "عبدالناصر" بكل صدق ووضوح: "لقد اتخذت قرارًا أريدكم جميعًا أن تساعدوني عليه.. لقد قررت أن أتنحى تمامًا ونهائيًا عن أي منصب رسمي، وأي دور سياسي وأن أعود إلى صفوف الجماهير، أؤدي واجبي معها كأي مواطن آخر".

ومع ذلك، لم يكن خطاب تنحي "عبدالناصر" هو نهاية القصة. فقد شهد اليوم التالي للبيان تظاهرات ضخمة في الشوارع، حيث خرج ملايين المصريين للتعبير عن رفضهم للهزيمة والاستسلام، وللتأكيد على رغبتهم في مواصلة الكفاح ضد العدو الإسرائيلي وتحقيق النصر.

وبفضل هذا الدعم الجماهيري العارم، تراجع "عبدالناصر" عن قراره بالتنحي في اليوم التالي، واستمر في منصبه كرئيس للجمهورية. وهكذا بدأت رحلة استعادة الأرض، حيث تم تعيين الفريق أول محمد فوزي قائدًا عامًا للقوات المسلحة، والفريق عبدالمنعم رياض رئيسًا للأركان، وبدأت مرحلة إعادة تسليح الجيش، لتنطلق في مارس ١٩٦٩ حرب الاستنزاف.

إعادة تسليح الجيش

دفعت هزيمة يونيو ١٩٦٧ بمصر نحو مرحلة حاسمة في تحويل جيشها إلى قوة عسكرية قوية ومؤهلة. ومن بين أبرز اللحظات التي شكلت مفترقًا في تسليح الجيش وتحضيره، كانت زيارة الرئيس السوفيتي نيكولاي بودجورني إلى القاهرة. وجاءت هذه الزيارة لمناقشة احتياجات مصر من الأسلحة والتجهيزات التي تساهم في إعادة بناء الجيش وتعزيز كفاءته القتالية.

ثم خاض الجنود المصريون حروب الاستنزاف بمجابهة استثنائية، حيث تكبد العدو الإسرائيلي خسائر فادحة في الأفراد والمعدات. لكن لوقف هذه الحرب المستمرة، بدأت إسرائيل استخدام أحدث التكنولوجيا الجوية العالمية المتطورة، لتشن هجماتها على الأهداف في العمق المصري، بما في ذلك الأهداف المدنية والاقتصادية.

في يناير ١٩٧٠، وبسبب خطورة الموقف، زار الرئيس جمال عبد الناصر العاصمة الروسية موسكو. وكان في استقباله زعيم الاتحاد السوفيتي ليونيد بريجنيف ووزير الدفاع المارشال غريتشكو. استغرقت الزيارة أربعة أيام، وتم خلالها إجراء محادثات سرية بين عبد الناصر وبريجنيف، بهدف الحصول على موافقة الاتحاد السوفيتي لتزويد مصر بأحدث أنظمة الدفاع الجوي.

على الرغم من المعارضة والتردد الأولي من الجانب السوفيتي بشأن تلبية طلبات عبد الناصر، إلا أن الزيارة أثمرت بموافقة الاتحاد السوفيتي على تسليح قوات الدفاع الجوي المصرية وتحقيق طلبات "عبد الناصر"، حيث تم تزويد الدفاع الجوي المصري بصواريخ "سام ٣" المتطورة، وتم تسليمها مع الأطقم السوفيتية المدربة. ولم تتوقف المساعدات عند هذا الحد، فقد تلقت مصر فيما بعد طائرات ميغ-٢٣ للطيران الليلي وميغ-٢٤ لتدريب الطيارين المصريين عليها.

كانت هذه الخطوات حجر الأساس في تحويل الجيش المصري إلى قوة قتالية متقدمة وجاهزة لمواجهة التحديات القادمة. بدأت مصر تعزيز تدريباتها وتحديث تجهيزاتها العسكرية، مما أعطى دفعة قوية لقدرتها على مواجهة التهديدات الإسرائيلية وتحقيق الانتصارات في المعارك المقبلة.

من هنا، أصبحت مصر تمتلك قوة عسكرية تعتمد على تكنولوجيا متقدمة وتكتيكات حربية محسنة. وفيما بعد، أثبتت قواتها المسلحة فعاليتها وقدرتها على إحداث توازن في المنطقة، خاصة في حرب أكتوبر ١٩٧٣ التي شكلت نقطة تحول تاريخية في مسار الصراع مع العدو الإسرائيلي.

أولى خطط استعادة الأرض

كانت خطة "الأعماق الثلاثة" هي الخطوة الأولى في مسار استعادة الأرض المنسية من قبضة العدو. بعد تولي عبد المنعم رياض رئاسة أركان الجيش، اجتمع بالرئيس عبد الناصر في منزله الخاص بعد عودته من قيادة الجبهة في الأردن. كان القائد العام الجديد للقوات المسلحة، الفريق أول محمد فوزي، حاضرًا في هذا الاجتماع للاستماع إلى خطة "الأعماق الثلاثة".

تنقسم الخطة التي قدمها الفريق إلى ثلاثة أجزاء، حيث تُقسم سماء مصر إلى ثلاثة أعماق. العمق الأول يشمل "منطقة الصعيد الأعلى" التي تمتد من جنوب أسوان حتى جنوب القاهرة، والعمق الثاني يتضمن "القاهرة وشمالها" بما في ذلك الدلتا والساحل الشمالي، والعمق الثالث يشمل "منطقة قناة السويس وطول الشاطئ الموازي للبحر الأحمر".

هدفت الخطة إلى تعزيز قوات الصواريخ والدفاع الجوي في الأعماق الثلاثة لحماية سماء مصر، وكانت البداية ستكون في المنطقة الأولى. كما أكد الفريق محمد فوزي على ضرورة إقامة نظام رادار قوي ومتعدد المهام والقدرات.

وبنهاية شهر يونيو ١٩٦٧ الذي شهد النكسة في مطلعه، حقق الفريق عبد المنعم رياض انتصارًا عسكريًا في معركة رأس العش، حيث نجحت قوة صغيرة من المشاة في منع القوات الإسرائيلية من السيطرة على مدينة بور فؤاد. وتوالت الانتصارات بإسقاط عدد من الطائرات الحربية الإسرائيلية بين عامي ١٩٦٧و١٩٦٨ وتدمير حوالي ٦٠٪ من تحصينات خط برليف، مما أثبت قوة وقدرة الجيش المصري على مواجهة التحديات وصد العدو.

كانت هذه الانتصارات الباهرة تمثل بداية رحلة الانتقام والتحرير، والتي ستكون محطة أساسية في تاريخ مصر الحديث. فقد كانت خطة "الأعماق الثلاثة" تجسد استعداد الجيش المصري للمواجهة، وإعادة الأمجاد المفقودة، واستعادة الأرض المسلوبة.

ومع مرور الوقت، استمرت الخطة في تطورها وتعزيزها، حيث انتقلت العمليات العسكرية إلى مراحل أكثر تعقيدًا وتحديًا، ونجح الجيش المصري في إعادة تنظيم وتسليح نفسه، وتعزيز قدراته القتالية، وتحقيق انتصارات مهمة في مواجهة العدو. ولم تكن هذه الخطة مجرد خطة عسكرية، بل كانت رسالة قوية وواضحة للعالم بأن مصر لن تقبل بالاحتلال وستستعيد كرامتها وحقوقها.

وهكذا، بفضل إرادة وتضحيات جنود الجيش المصري، تحوّلت خطة "الأعماق الثلاثة" من مجرد رؤية إلى حقيقة ملموسة. إنها قصة بطولة وإصرار، ترويها ملحمة الجيش المصري في مسيرته المجيدة نحو استعادة الكرامة والحرية.

حروب الاستنزاف

في عالم المعارك والصراعات، تتحدى الشجاعة الحدود وتتجاوز التضحيات المألوفة. وهكذا كانت حرب الاستنزاف بين القوات المصرية والعدو الإسرائيلي، التي رغم بدايتها في الأراضي المحتلة، إلا أنها استطاعت أن ترتقي بالمعركة إلى مستوى جديد، حيث تحوّلت المنازل ومواقع العدو إلى ساحة قتال للمقاتلين البواسل.

في صيف ١٩٦٧، كانت مصر تتعافى من آثار النكسة وتستعد للرد القوي والمدمر. ولم يكن هناك موقع أو معقل يعتبر آمنًا بالنسبة للعدو. ومن بين تلك العمليات المثيرة التي نقلت المعارك إلى داخل أراضي العدو، كانت الغارات المصرية الجريئة على أسطول وميناء إيلات الإسرائيلي.

في أكتوبر ١٩٦٧، قامت القوات البحرية المصرية بعملية استثنائية تاريخية، حيث أغرقت مدمرة إسرائيلية كبيرة تحمل اسم "إيلات". لم يكن هذا مجرد عمل عسكري عادي، بل كان انتصارًا استراتيجيًا يثبت للعالم بأن الصغير يمكنه أن يتغلب على الكبير.

ومع دخول عام ١٩٦٩، حصلت إسرائيل على ناقلتين بحريتين حديثتين، بينما استمر العدو في استخدام قوته العسكرية لاستهداف السواحل المصرية والقيام بأعمال تخريب ونهب. وكان الرد المصري لا يقاوم، حيث استهدفت القوات المصرية السفن الإسرائيلية ودمرتها ببراعة.

ففي نوفمبر ١٩٦٩، شُنت أولى عمليات إيلات الثلاث، وكانت الهدف هو تدمير السفينتين الإسرائيليتين هيدروما ودهاليا. كانت هذه المهمة تحتاج إلى جرأة فائقة ومهارة استثنائية، وها هم أبطال القوات البحرية المصرية يتحركون بثقة وإصرار.

ثم جاءت العملية الثانية، في ٥ فبراير ١٩٧٠، حين تشكلت مجموعتان من الضفادع البشرية، واحدة فيها الملازم أول بحري عمر البتانوني، والعريف بحري علي أبوريشة، ومهمتها تدمير السفينة الحربية الإسرائيلية «بيت شيفع». والثانية فيها الملازم أول بحري رامي عبدالعزيز، والرقيب فتحي محمد أحمد، وهدفها تدمير السفينة الحربية «بيت يام»

تم التخطيط بدقة لهذه العملية البطولية. تحركت الضفادع البشرية، تلك الوحدات الخاصة المدربة على أعلى مستوى، مع معداتها وألغامها، عبر الأراضي المصرية من الإسكندرية إلى العقبة بالأردن. كانوا على استعداد لمهمتهم الخطيرة والمحفوفة بالمخاطر.

وفي ليلة من ليالي الشجاعة، انطلق هؤلاء الأبطال المصريون في الماء باتجاه ميناء إيلات على مسافة تزيد علي ٤ كيلومترات. كانوا يحملون معهم الأمل والإرادة الصلبة، وعلى وجوههم تعلو الثقة والتصميم.

لكن في طريقهم، واجه الرقيب فتحي محمد نفاد الأكسجين الذي قد يهدد إتمام المهمة بنجاح. وهنا جاءت اللحظة المصيرية، حيث تولى الملازم الأول رامي عبد العزيز مهمة المجموعة الثانية بمفرده، بينما يواصل البتانوني وأبوريشة تثبيت ألغامهما أسفل السفينة "بيت شيفع".

مع اقتراب منتصف الليل، وبعد تحديد أهدافهم بدقة، بدأ الأبطال المصريون في وضع الألغام والمفخخات في السفن الإسرائيلية. وفي غمضة عين، أصبحت الماكينات الرئيسية للسفينة "بات يام" ملتهبة باللهب جراء وضع الألغام، بينما تم تثبيت الألغام تحت السفينة "بيت شيفع". ثم عاد الأبطال إلى نقطة الانطلاق خارج الميناء، حيث انتظروا بفارغ الصبر.

وبعد مرور ساعتين من الترقب والتوتر، وقع انفجارٌ عنيفٌ هز الميناء وأحدث خسائر فادحة. لقد حدثت كارثة في المياه، وشاهد وزير الدفاع الإسرائيلي، موشي ديان، آثار انفجار السفينتين، وانقلبت "بات يام" رأسًا على عقب.

هذا الانتصار العظيم للقوات المصرية أثبت مرة أخرى أن الشجاعة والإرادة قادرتان على تحقيق المعجزات. فقد أظهرت المصرية حنكة عسكرية استثنائية وقدرة فائقة على التخطيط والتنفيذ.

معركة إيلات أصبحت تاريخًا مشرفًا في تحدّي الظروف الصعبة وتجاوز التوقعات. فقد نجحت مصر في نزع زمام المبادرة من العدو وتحويل الميدان إلى ميدانهم. لقد أثبتت للعالم أنها قوة لا يمكن التلاعب بها ولا يمكن تجاهلها.

الحرب الإلكترونية

في ذروة حرب الاستنزاف، خطفت القوات المصرية الأنظار بعملياتها البارزة والنوعية التي تفوقت على التوقعات. ومن بين هذه العمليات الباهرة، تبرز عملية "٢٧ رجب" التي نفذها الدفاع الجوي المصري في ١٧ سبتمبر ١٩٧١، والتي أصبحت من أهم الانتصارات العسكرية للقوات المصرية.

كانت طائرة الحرب الإلكترونية الإسرائيلية المشهورة بـ "ستراتوكروز" هدفًا للدفاع الجوي المصري في هذه العملية الملحمية. وقد أقلعت الطائرة المعادية بثمانية من نخبة علماء الحرب الإلكترونية في صفوف الجيش الإسرائيلي، متجهة لتصوير الجبهة المصرية في منطقة قناة السويس وجمع معلومات استخباراتية حول بطاريات صواريخ الدفاع الجوي المصرية.

ولكن الدفاع الجوي المصري لم يكن جاهزًا للاستسلام أمام هذا التحدي. قامت القوات المصرية بتنفيذ خطة محكمة، بعد رصد حركات الطائرة وتحركاتها، وكانت المفاجأة الكبرى في انتظار العدو.

قام الدفاع الجوي المصري بإطلاق صاروخين من نوع "سام-٢" صوب الطائرة المعادية، التي كانت تحلق على ارتفاع ٢٨ ألف قدم فوق سطح الأرض وعلى بعد ٢٢ كيلومترًا شرق قناة السويس. وبكل دقة وإتقان، اصطدم الصاروخان بالطائرة المعادية، وسقطت في حادثة مدمرة، محدثة انفجارًا هائلًا. لقد تحطمت طائرة "ستراتوكروز" التي كانت تعتبر إحدى أغلى وسائل الحرب الإلكترونية في جيش إسرائيل. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل فقد سبعة من أفراد طاقمها المتميز في هذا الانفجار الهائل.

لم يستطع العدو إخفاء صدمته وخسارته الفادحة. في نفس اليوم، أعلن المتحدث العسكري الإسرائيلي عن إسقاط طائرة الحرب الإلكترونية القيمة "ستراتوكروز" على يد الدفاع الجوي المصري، مما أدى إلى مقتل نخبة من علماء الحرب الإلكترونية الإسرائيليين.

تم اختيار اسم "٢٧ رجب" لتسمية هذه العملية التاريخية، تيمنًا بالذكرى المباركة لرحلة الإسراء والمعراج في الإسلام. وكما انطلق النبي محمد صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة السماوية العظيمة في اليوم السابع والعشرين من شهر رجب، انطلقت قوات الدفاع الجوي المصري في هذه العملية المبهرة في ذات اليوم المبارك، ما أضفى عليها روحًا إلهية وقوة استثنائية.

وتُعتبر عملية "٢٧ رجب" لإسقاط طائرة "ستراتوكروز" الإسرائيلية تحفة استراتيجية من الجيش المصري. فقد تمكنت مصر من تحقيق نصر جديد وإلحاق ضربة موجعة بالعدو، مما أعطى دفعة قوية للقوات المصرية وزاد من ثقتها في النصر النهائي. وأظهرت هذه العملية الجرأة والمهارة العالية للقوات المصرية في مواجهة العدو وتحقيق الانتصارات المذهلة.

الانتصار العظيم

فيما يعرف بـ"معجزة حرب أكتوبر"، صنع المصريون التاريخ بإحرازهم أحد أهم الانتصارات العسكرية في العصر الحديث. كان ذلك في يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣، عندما تجاوز الجنود المصريون خط بارليف القوي خلال ست ساعات فقط، وعبروا إلى الضفة الشرقية لقناة السويس، مدمرين مواقع الجيش الإسرائيلي وهاجمين أسطورة "الجيش الذي لا يقهر".

بعد نكسة يونيو ١٩٦٧، قضت إسرائيل سنوات تكلفتها باهظة لتحصين مواقعها في شبه جزيرة سيناء المحتلة. أقيم سد ترابي على طول الضفة الشرقية بارتفاع يصل إلى ٢٠ مترًا في بعض الأماكن، لمنع عبور أي مركبة برمائية من القناة إلى الضفة الشرقية. تم إنشاء خط دفاعي يعرف بـ"خط بارليف" على طول السد الترابي، ويضم ٣٥ حصنًا مقاومًا للمدفعية، ومحاطًا بالألغام القادرة على غمر القناة بنيران كثيفة لمنع أي محاولة عبور.

من جانبها، استغلت مصر الهزيمة كفرصة لإعادة تنظيم وتدريب قواتها المسلحة وتجهيزها. خلال أكثر من ثلاث سنوات، خاض الجنود المصريون حرب الاستنزاف، ونفذوا عمليات استثنائية تسببت في خسائر فادحة للعدو في الأفراد والمعدات. قامت مصر بخطة خداع استراتيجية محكمة لإيهام العدو بعدم نية شن هجوم لاسترداد الأراضي المحتلة، وقد نجحت في تنفيذها بتنسيق تام بين القوات المسلحة ومؤسسات الدولة. كان الهدف واضحًا، لا يمكن استعادة الأرض إلا بالقوة.

وفي الساعة الثانية من صباح السادس من أكتوبر ١٩٧٣، الموافق العاشر من رمضان، تم عبور ٢٢٢ طائرة مقاتلة مصرية شرق القناة. وبنسبة نجاح تصل إلى ٩٥٪، تم القضاء على محطات التشويش والرادارات وبطاريات الدفاع الجوي وتجمعات الجنود الإسرائيليين، بالإضافة إلى استهداف الدبابات والمدرعات والمدفعيات ومخازن الذخيرة. تم قصف التحصينات الإسرائيلية بشكل مكثف من قبل المدفعية المصرية تمهيدًا لعبور القوات المشاة.

لم يستغرق الأمر سوى ٦ ساعات للجنود المصريين لكسر أسطورة "الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر". استخدم سلاحا المهندسين والصاعقة المصرية خراطيم المياه ذات الدفع العالي لاختراق خط بارليف الصلب وفتح ثغرات في الساتر الترابي. وبالاعتماد على ٦٠ ألف جندي مصري من القوات المشاة والدبابات والمدرعات، تم التوغل نحو ٢٠ كيلومترًا شرق قناة السويس. أصبحت هذه العملية، التي جرت في ٦ أكتوبر ١٩٧٣، نموذجًا ملهمًا لجيوش العالم، وصفه المؤرخون العسكريون بأنها "معجزة عسكرية مُكتملة الأركان".

كانت القيادتان المصرية والسورية قد وضعتا خطة مشتركة لشن الجولة الرابعة من الصراع العربي الإسرائيلي، بهدف مهاجمة الجيش الإسرائيلي في الجبهتين لاستعادة شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان. تم تحديد موعد الهجوم في السادس من أكتوبر ١٩٧٣، تزامنًا مع احتفال الإسرائيليين بعيد الغفران اليهودي. وفي حين حقق الجيش المصري انتصارًا عظيمًا عند عبور القناة، حقق الجيش السوري أيضًا نجاحًا كبيرًا في اليوم الأول من الحرب.

في ذلك اليوم، تأكد العالم أجمع من قوة وإرادة الشعب المصري. كانت روح النضال والثبات تتجلى في أفراد الجيش والقادة العسكريين. توج المصريون جهودهم وتضحياتهم بانتصار مشرف، أعاد لهم الكرامة والأمجاد. 

ويبقى انتصار المصريين في حرب أكتوبر ١٩٧٣ حجر الزاوية في تاريخ مصر والوطن العربي، فقد أثبتت هذه الحرب للعالم أجمع أن مصر ليست مجرد أرضٍ جغرافية، بل هي قوةٌ لا يستهان بها تحمل في طياتها العزيمة والإرادة الصلبة.