في حفل مهيب حضره فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، ووزير السياحة والآثار السيد أحمد عيسى، وسيفر دولة كازاخستان، ووزير الأوقاف تم افتتاح جامع السلطان الظاهر بيبرس البندقداري، وهو الجامع الذي وصفه الأمين العام للآثار الدكتور مصطفى وزيري بأنه ثالث أكبر جامع أثري باق في مصر، بعد جامعي أحمد بن طولون وجامع الحاكم.
والمتأمل في صور جامع الظاهر بيبرس سيجد أنه بقى العديد من العناصر المعمارية والفنية الأصلية وأبرزها النص التأسيسي والذي فيه أمر إنشاء هذا الجامع.
والنصوص التأسيسية تعد من أهم العناصر الفنية التي تركتها لنا الحضارة الإسلامية، فمن خلال النص التأسيسي تستطيع التعرف على صاحب المنشأة، اسمه وأبرز ألقابه، وكذلك تتعرف على تاريخ الإنشاء، وتتعرف على نوع المنشأة، هل هي مدرسة أو جامع أو خانقاة (بيت إقامة الصوفية) أو أن لها وظيفة مزدوجة مثل مدرسة وخانقاة مدرسة الظاهر برقوق في شارع المعز لدين الله الفاطمي.
ونجد أن هناك نصًا تأسيسيًا باقيًا في جامع الظاهر بيبرس البندقداري استطاعت عدسات الكاميرا أن تلتقطه، وهو النص التأسيسي لقبة الجامع، حيث يقول النص:
بسم الله الرحمن الرحيم أمر بإنشاء هذه القبة
المباركة مولانا السلطان الملك الظاهر
ركن الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين
أبو الفتح بيبرس الصالحي قسيم أمير المؤمنين في سنة ستمائة وستين وست
ونجد أن النص التأسيسي يقرر في سطره الأول أن صاحب الأمر بإنشاء القبة هو السلطان الملك الظاهر، وهنا كلمة السلطان سبقت كلمة الملك حيث أن هذا هو اللقب الذي ورثه المماليك عن الأيوبيين، وحيث أن من يحوز المقدسات الثلاثة (المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى) يُلقب بالسلطان، وكانت المقدسات الثلاث في حوزة المملكة المصرية منذ العصر الأيوبي.
ثم نجد لقب الظاهر، وقد لقب بيبرس نفسه بهذ اللقب بعد أن تولى السلطنة، وكان لقبه الذي أعطاه إياه أستاذه السلطان نجم الدين أيوب هو «ركن الدين»، وهو اللقب الذي نجده في السطر الثالث من النص التأسيسي، حيث كان يعتز الظاهر بيبرس بلقبه الذي أطلقه عليه أستاذه السلطان نجم الدين أيوب فهو مؤسس نظام المماليك وهو من رباهم وعلمهم.
وفي السطر الرابع نجد لقب ثالث للسلطان وهو أبو الفتح، وهو من ألقابه قبل أن يصبح سلطانًا أيضًا، ثم نجد لقب جديد وهو «قسيم أمير المؤمنين»، وهذا اللقب لم يعرفه سلاطين مصر إلا في عهد السلطان الظاهر بيبرس وهو أو من حمله.
وهذا اللقب سببه هو أن الظاهر بيبرس بعد أن تولى السلطنة عمل على نقل مقر الخلافة العباسية إلى مصر من بغداد، وكانت الخلافة العباسية قد سقطت على يد المغول في بغداد 656 هـ، فعمل الظاهر بيبرس على إحيائها مرة أخرى، وقال السيوطي في هذا «ثم دخلت سنة تسع وخمسين وستمائة، والوقت أيضا بلا خليفة إلى رجب، فأُقيمت بمصر الخلافة، وبويع المستنصر كما سنذكره، كان مدة انقطاع الخلافة ثلاث سنين ونصفا».
وجاء الظاهر بيبرس بأحمد "ابن الإمام الظاهر بالله". والخليفة الظاهر هذا هو أبو الخليفة "المستنصر بالله" وجدّ الخليفة العباسي الأخير "المستعصم بالله". وكان أحمد خرج من دار الخلافة ببغداد لما ملكها المغول وعقد السلطان الظاهر بيبرس مجلسًا حضـر فيه جماعة من الأكابر، وأثبتَ القاضي تاج الدين (قاضي قضاة الشافعية في مصر) نسب أحمد المذكور، ولُقب بالمستنصر بالله، أبا القاسم أحمد ابن الظاهر بالله محمد، وبايعه الملك الظاهر والناس بالخلافة، وصار من هنا لقب السلطان الظاهر بيبرس قسيم أمير المؤمنين أي أنه يقتسم السلطة مع الخليفة، فـ للسلطان السطلة الإدارية وللخليفة السلطة الروحية، وهكذا صارت مصر مقر للخلافة، وصارت تضم المقدسات الثلاثة وارتفع شأنها أيما ارتفاع.
ثم نجد في نهاية السطر الأخير إثبات بتاريخ بناء القبة أو الانتهاء منها وهو عام 666 هـ، أي بعد ابتداء بناء الجامع بعام كامل.