أعلنت الجزائر أنها ستبني أكبر تمثال في العالم للأمير عبد القادر، ممتطيا حصانه، وبيده سيفا، وهو تمثال يفوق ارتفاع تمثال ريو دي جانيرو الشهير، تكريما لمسيرته في مقاومة الاستعمار الفرنسي، وسيكون مكانه على قمة جبل مرجاجو في ولاية وهران، سيبلغ طوله 42 مترا، فهو أطول بنحو 4 أمتار من تمثال ريو دي جانيرو، الذي بني بتكلفة 9.5 مليون دولار، وبتصميم يجسد الأمير على متن حصان وبيده سيفا.
ووفقا لوالي ولاية وهران، سعيد سعيود، فإن سيف الأمير عبد القادر في التمثال، سيكون مزودا بتقنية الليزر، ومتجها نحو القبلة، وحصان الأمير سيكون على 5 ركائز، رمزا لأركان الإسلام، على أن يتم الانتهاء من التمثال في نهاية سنة 2024.
ولكن من هو الأمير عبد القادر وما قصة مقاومته للاحتلال الفرنسي، نعرض لكم نبذة عن حياته في هذا التقرير
النسب الشريف
ولد هو الأمير عبد القادر ناصر الدين بن محيي الدين الحسني المعروف بعبد القادر الجزائري في 6 سبتمبرعام 1807 بالقرب من مدينة المعسكر في الجزائر، ثم انتقل والده إلى مدينة وهران، وتنتسب عائلته إلى الأدارسة الذين يمتد نسبهم لنبي الإسلام وكانوا حكاما في المغرب العربي والأندلس، وكان والده محي الدين شيخا للطريقة القادرية في الجزائر، واشتهر بمناهضته للاحتلال الفرنسي للجزائر.
كان لوالده محيي الدين صدام مع الحاكم العثماني لمدينة "وهران"، وأدى هذا إلى تحديد إقامة الوالد في بيته، فاختار أن يخرج من الجزائر كلها في رحلة طويلة، وكان الإذن له بالخروج لفريضة الحج عام 1241ه/ 1825م، فخرج مصطحبا ابنه عبدالقادر معه، وفي رحلتهم للحج تعرفوا على الطريقة الشاذلية والقادرية، فالتقوا في دمشق وبغداد ببعض شيوخ الطريقتين وقرؤوا كتبهم، ثم عادوا إلى الجزائر عام 1244ه/ 1828م
الحرب والإمارة
عندما تعرضت الجزائر لحملة عسكرية فرنسية شرسة، وتمكنت من احتلال العاصمة. بحث أهالي وعلماء "غريس" عن زعيم يأخذ اللواء ويبايعونه على الجهاد تحت قيادته، استقر الرأي على "محيي الدين الحسني" والد عبد القادر، وعرضوا عليه الأمر، ولكن الرجل اعتذر عن الإمارة وقبل قيادة الجهاد، فأرسلوا إلى صاحب المغرب الأقصى ليكونوا تحت إمارته، فقبل السلطان "عبد الرحمن بن هشام" سلطان المغرب، وأرسل ابن عمه "علي بن سليمان" ليكون أميرا على وهران، وقبل أن تستقر الأمور تدخلت فرنسا مهددة سلطان المغرب بالحرب، فانسحب السلطان واستدعى ابن عمه فعاد.
لما رضي محيي الدين قد بمسؤولية القيادة العسكرية، والتفت حوله الجموع من جديد، وخاصة أنه حقق عدة انتصارات على العدو، وكان عبد القادر على رأس الجيش في كثير من هذه الانتصارات، اقترح الوالد أن يتقدم "عبد القادر" لهذا المنصب، فقبل الحاضرون، وقبل الشاب ذلك، وتمت البيعة، ولقبه والده ب "ناصر الدين" واقترحوا عليه أن يكون "سلطانا" ولكنه اختار لقب "الأمير"، وبذلك خرج إلى الوجود "الأمير عبد القادر ناصر الدين بن محيي الدين الحسني"، وكان ذلك في 13 رجب 1248ه الموافق 20 نوفمبر 1832.
بايعه الجزائريون وولوه القيام بأمر الجهاد، نهض بهم، وقاتل الفرنسيين خمسة عشر عاما، ضرب في أثنائها نقودا سماها " المحمدية " وأنشأ معامل للأسلحة والأدوات الحربية وملابس الجند. وعقدت فرنسا اتفاقية هدنة معه، وهي اتفاقية "دي ميشيل" في عام 1834، وبهذه الاتفاقية اعترفت فرنسا بدولة الأمير عبد القادر، وبذلك بدأ الأمير يتجه إلى أحوال البلاد وتنظيم شؤونها.
إقامة الدولة
شرع الأمير عبد القادر بعد هذه الاتفاقية في تشكيل حكومية وتنظيم الدولة ومكافحة الفساد، لكن تلك الاتفاقية كانت فرصة لفرنسا لالتقاط الأنفاس لتواصل بعد ذلك القتال ضد قوات الأمير عبد القادر ومع وصول الإمدادات من فرنسا سقطت معاقله واحدا تلو الآخر.
وبعد مقاومة مريرة اضطر الأمير عبد القادر وأنصاره للاستسلام للقوات الفرنسية عام 1847 بشرط السماح بانتقاله إلى الاسكندرية أو عكا، ولكن تم نقله إلى فرنسا وسجنه هناك، ولكن رئيس الجمهورية الفرنسية لويس نابليون قرر لاحقا إطلاق سراحه فسافر إلى تركيا عام 1852 ومنها إلى دمشق عام 1855.
وفي عام 1860 وقعت فتنة طائفية في الشام بين الدروز والموارنة وقد لعب الأمير عبد القادر دورا بارزا في احتواء الأزمة والتوسط بين الطرفين، عرف عن الأمير عبد القادر الموسوعية الثقافية فقد كان فقيها وقارئا نهما وشاعرا وكاتبا ودبلوماسيا وذو نزعة صوفية.
في 24 مايو 1883 توفي الأمير عبد القادر في قصره قرب دمشق عن عمر يناهز 76 عاماً، ودفن بجوار الشيخ ابن عربي، تنفيذاً لوصيته، وفي عام 1965 نقل جثمانه إلى الجزائر ودفن في المقبرة العليا.