الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

جوليان أوبير يكتب: روسيا والصين والولايات المتحدة.. إمكانية تكوين «هارتلاند» أو «جزيرة العالم«!

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى الآونة الأخيرة، تأثرت صحيفة لوفيجارو بالنظريات الجيوسياسية الغريبة والمقلقة لنيكولاى باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن الروسى وهى هيئة استشارية تابعة لفلاديمير بوتين وتم تقديم باتروشيف باعتباره أحد المؤثرين ليقوم بحوار مطول مع صحيفة إزفستيا الروسية. 
وفى الواقع تستحق تلك المقابلة مزيدا من الاهتمام لأنها تكشف عن التصور الروسى حول تطور النظام الدولى ولن يكون من الانصاف محاولة اختزالها إلى مجرد انحراف بسيط، تماما مثل ما كانت تفعله القوة السوفيتية، من خلال جعل خصومها السياسيين يبدون كمجانين: إن الرجل المجنون يفتقد المصداقية ولا يجوز التفاوض معه!
ويشرح باتروشيف، على المستوى الجيوسياسى، أن توسع الناتو نحو الشرق يسير فى نفس اتجاه "نابليون والقيصر فيلهلم وهتلر"، مستشهدا على ذلك فى عدة مواضع، بالعالم الجغرافى البريطانى هالفورد جون ماكيندر (١٨٦١-١٩٤٧)، الذى يعتبر رائد الاتجاه الجيوسياسى والمعروفة نظريته باسم هارتلاند. 
تم انتقاد هذه النظرية أحيانا نظر لعدم مراعاة المعايير الديموجرافية أو السياسية ومخططاتها، وقد ولدت هذه النظرية فى عام ١٩٠٤ باعتبارها المحور الجغرافى للتاريخ ثم وضعت بعد ذلك فى «المثل الديمقراطية والواقع» ١٩١٩ تحت مسمى نظرية هارتلاند. 
وهناك فكرة أساسية انتشرت فى جميع أعمال ماكيندر، وهى المواجهة الدائمة بين هارتلاند وجزيرة العالم، كان هدف الجغرافى هو تشويه سمعة التحليلات السلمية والمثالية التى هيمنت على فترة ما بعد الحرب مباشرة.
ينبع نموذج ماكيندر من رؤية موسعة للتاريخ الاستراتيجى العالمى، وقد تم تفسير القلب القارى أو الأرض المحورية، وهو المصطلح المستخدم فى الكتابات الأولى للجغرافى بشكل غامض إلى حد ما ولكنه يتوافق أو يقصد به آسيا الوسطى وحتى بشكل أكثر دقة، يقصد به روسيا التى تحيط بها مياه جليدية واقية «سيبيريا، جبال الهيمالايا، جوبى» والتى تحيط بها الأراضى الشاطئة «أوروبا الغربية والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا)، ثم الحلقة الخارجية أو أنظمة الجزر «الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى واليابان وأوسيانى».
ومن هناك انطلق الفرسان - ولا سيما المغول - لغزو أوروبا وآسيا، إن التشخيص التاريخى لماكيندر يعتبر صحيحا لأن أحد أسباب اختفاء الصين كقوة عالمية كان بالفعل التخلى عن السياسة البحرية فى عام ١٤٣١، تحت تأثير التهديد المغولى، وعلى العكس من ذلك، استعمرت البرتغال ثم إسبانيا ثم بريطانيا العالم.
أكد ماكيندر بأن الدولة التى يمكنها السيطرة على الأراضى الأوروبية بين ألمانيا ووسط سيبيريا يمكن أن تهيمن على العالم، باتباع ثلاثة مبادئ: من يحكم أوروبا الشرقية يسيطر على القلب القارى / نقطة الارتكاز / الأرض المركزية، من يوجه المحور يتحكم فى جزيرة العالم (أوراسيا وأفريقيا)، من يحكم أوراسيا يحكم العالم. هذا هو السبب فى أن تحليل ماكيندر يظهر الخطر الذى تشكله روسيا، قبل أن تصبح الاتحاد السوفيتى بوقت طويل.
ربما تكون مراجع باتروشيف موضع تساؤل حيث إن ماكيندر قد بنى هذه النظرية فى البداية لإثبات أن هيمنة البحر كانت على وشك الانتهاء مما أدى إلى إغلاق عصر الاكتشافات البحرية الذى بدأ فى القرن الخامس عشر والذى شهد تحول ميزان القوى لصالح القوى البحرية. 
وبدلا من ذلك كان ينبغى على باتروشيف أن يقتبس من الأمريكى ألفريد ماهان، أستاذ التاريخ فى ويست بوينت، الذى فسر فى عام ١٨٩٧ أحد المذاهب التى كان يريد أن يتم اعتماده من قبل بلاده، وفى كتابه The Interest of America in Sea Power، قال ماهان أن من يحمى الأساطيل التجارية لديه ميزة حاسمة وأوصى بأن تنضم أمريكا إلى القوة البحرية البريطانية المسيطرة على البحار واحتواء ألمانيا فى دورها القارى حيث احتوت بريطانيا ذات مرة نابليون وإقامة نظام دفاعى بالتنسيق بين الأوروبيين والأمريكيين لكبح الطموحات الآسيوية.
يعارض ماهان وماكيندر فكرة أن الأمريكى يتوقع الهيمنة العالمية للولايات المتحدة بفضل السيادة الاستراتيجية للبحر حيث جعل مذهب مونرو منهم جزيرة على المستوى الجيوسياسى، ومع ذلك، إذا نظرنا فى العمق، تتجمع الشبكات التحليلية معا فى التوازن الأبدى بين الحوت والدب، من يهيمن على البحر ومن يسيطر على الأرض، وهى مشكلة قديمة قدم الحرب البيلوبونيسية وفى عام ١٩٤٣ لكى تكون النسخة النهائية من نظرية ماكيندر المنقحة والمصححة، شاملة تماما، فقد ألقت بظلال من الشك على الهيمنة الاستراتيجية من قبل القوى البحرية.


هكذا، فإن كل مخاوف ماكيندر كانت تتعلق بتحالف افتراضى بين روسيا ومنطقة بروسيا الألمانية من شأنه أن يخلق جزيرة العالم. هذا هو بالضبط ما دعا إليه فى عام ١٩٣٥ الجنرال الألمانى وأستاذ الجغرافيا السياسية كارل هوشوفر، قارئ ماكيندر، فى شكل تحالف بين ألمانيا واليابان.
كان هذا الميثاق المناهض للكومنترن هو ترجمة الاتحاد الأوروبى الآسيوى الذى كان يخشى منه ماكيندر: تحالف قوة برية وقوة بحرية من شأنه أن يقف فى مواجهة الميل إلى غزو الإمبراطورية البريطانية والولايات المتحدة. واقترح هوشوفر، ضد إرادة هتلر، فى عدة مناسبات المزيد من التقارب العالمى بين اليابانيين والصينيين والروس والألمان وذلك لمواجهة الأنظمة البحرية الأنجلو ساكسونية. ولكى يدعم حجته فقد تبنى هوشوفر حجج ماكيندر لكنه قام بعكس منطقه. كان من المقرر تنظيم العالم حول ٤ مناطق رئيسية: منطقة عموم أوروبا بما فى ذلك إفريقيا والتى سيكون لألمانيا زمام القيادة فيها؛ منطقة عموم أمريكا وتهيمن عليها الولايات المتحدة؛ منطقة لعموم روسيا بما فى ذلك آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية ومنطقة لعموم آسيا تهيمن عليها اليابان. 
لقد قام ميثاق مولوتوف-ريبنتروب لعام ١٩٣٩ لفترة قصيرة بتجسيد هذه الاستراتيجية المستوحاة مرة أخرى من هوشوفر وكان مما لا شك فيه أن تمزقها هو الذى قام بتسريع هزيمة الرايخ الثالث، ولنتذكر أن هوشوفر قد تم اعتقاله فى عام ١٩٤١ لأنه أعرب عن عدم موافقته على بدء الأعمال العدائية على الجبهة الروسية.
وعلى العكس من ذلك، فإن نظرية هوشوفر للمناطق تذكرنا بأربعة رجال شرطة لفرانكلين ديلانو روزفلت فى عام ١٩٤٥. وكان هذا مفهوما اقترحه الرئيس الأمريكى لحماية السلام العالمى مع وجود شرطى واحد لكل منطقة نفوذ (المملكة المتحدة فى إمبراطوريتها وأوروبا الغربية والاتحاد السوفيتى فى أوروبا الشرقية وأوراسيا والصين فى آسيا والمحيط الهادئ والولايات المتحدة فى نصف الكرة الغربى). وعلى هذا الأساس تم التصديق على الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وكان التعديل الوحيد هو فرنسا التى استطاعت أن تضع قدمها وبالتالى فازت بمقعد على طاولة الفائزين.
كان على باتروشيف أن يشير قبل كل شيء إلى المدرسة الأمريكية الجيوسياسية بقيادة الصحفى نيكولاس سبيكمان منذ عام ١٩٣٨. وقد ولدت نظرية بديلة: سيكون هناك ريملاند (المقابلة للمساحة بين هارتلاند والبحار المجاورة) قادرة على تحييد قوة هارتلاند: هذا هو المكان الذى سيتم فيه الصراع بين القوة القارية والقوة البحرية.
كانت أطروحة ريملاند-هارتلاند والتى تعد جزءا من تقليد السياسة الأمريكية الواقعية التى يمثلها ثيودور روزفلت بمثابة أساس لمفاهيم السياسة الأمريكية فى فترة ما بعد الحرب فى محاولة لإحكام السيطرة على ريملاند. تهدف جميع التحالفات التى أبرمتها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية (الناتو، سياتو، ميثاق بغداد) إلى تطويق روسيا للسيطرة على ريملاند من أجل الهيمنة على هارتلاند (الاتحاد السوفيتى). استأنفت الولايات المتحدة تقليد الدولة الجزيرة من خلال محاولة إقامة حاجز أمام توسع الدولة المهيمنة على الأرض فى وسط ألمانيا ووسط كوريا.
طالب الواقعيون الأمريكيون كيسنجر وخاصة بريجنسكى أو كابلان بالسياسة الخارجية الأمريكية للتركيز على دول ريملاند: أوكرانيا وكوسوفو وتركيا وآسيا الوسطى (أفغانستان) وإيران والصين. اتبع الرؤساء الواقعيون، الجمهوريون والديمقراطيون، هذه الاستراتيجية التى أدت إلى تحالف غير مقدس مع الصين فى عام ١٩٧٢ لإضعاف الاتحاد السوفيتى ولجعل كوسوفو مستقلة فى عام ١٩٩٩ لإثارة إستياء صربيا، الحليف التقليدى لروسيا ولدعم الثورة البرتقالية فى عام ٢٠٠٤ فى كييف؛ وأيضا لاحتلال أفغانستان عسكريا لمدة عشرين عاما (٢٠٠١-٢٠٢١) بعد فترة طويلة من السقوط الرسمى لنظام طالبان وأخيرا بناء نظام عقوبات شديدة القسوة على إيران وذلك بالاعتماد على العراق والسعودية. ليس من الغريب إذن أن تكون روسيا، كدولة شبه ساحلية، قد شعرت بعقدة، كما لو كانت الدولة مطوقة.
أعاد دونالد ترامب على الرغم من أسلوبه الفوضوى، اختراع هذه الشبكة البرية / البحرية من خلال تركيز جهوده ليس على روسيا، ولكن على الصين التى كان يعتقد بشكل صحيح أنها المنافس الحقيقى لواشنطن، واعترافا بإعجابه برئيس الدولة الروسية، فقد حاول ترامب إعادة العلاقات مع موسكو مع فك الارتباط بأوروبا والاستثمار فى المحيط الهادئ. 
ومن خلال القيام بذلك فقد أعطى سببا لتحليل الجغرافى إليزيه ريكلوس الذى كان قد حدد فى عام ١٩٠٤، وهو نفس العام الذى كان فيه ماكيندر، الاستيلاء على المنطقة الأرضية المركزية من قبل قوة جديدة تحل محل روسيا، واعتبر ريكلس أنه إذا نجح الصينيون فى الإطاحة بالإمبراطورية الروسية واحتلال أراضيها فسيكون ذلك خطرا أكبر بكثير لأنه سيضيف إلى موارد القارة العظيمة ميزة محرومة منها موسكو، ألا وهى واجهة المحيط. وسيؤدى تبعية بكين لدولة روسيا إلى نفس النتائج.
إن الصين، فى مواجهة سلسلة التحالفات الأمريكية التى تمتد من كوريا الشمالية إلى أستراليا، تقوم أيضا بتطوير نفس عقدة الهوس ولكن على عكس روسيا، فإن موقعها فى ريملاند يسمح لها بلعب البطاقة البحرية شرط اختراق الحبل الصحى الذى يحافظ عليها فى القفص، بعد هزيمة ترامب، وهى لحظة استرخاء وجيزة فى العلاقات الروسية الأمريكية، لم يكن مفاجئا أن هذين الحصنين المحاصرين قد بدآ فى التقارب مرة أخرى. وبالفعل، فى سبتمبر ٢٠١٥، تحدثت وزارة الخارجية بالفعل عن المحور الأحمر للإشارة إلى التقارب الصينى الروسى الذى أصبح العامود الفقرى لمنظمة شنجهاى للتعاون.
وبدلا من الاستهزاء بهذه النماذج التحليلية التى ربما تكون تخطيطية ولكنها دقيقة، فسيكون من الأنسب القلق بشأن الملاحظات الروسية المسئولة سواء من قبل بوتين أو باتروشيف بشأن النازية الجديدة التى كانت تزدهر فى أوكرانيا ولكن أيضا للعالم بدعم من الغرب الفاسد أخلاقيا. 
لقد قدموا سياستهم الخارجية مبنية على نهج أخلاقى عند الحديث عن محور الشر، ومع ذلك، فإن هذه الأيديولوجية التى تمزج بين المثل اليسارية غير الشيوعية والأساليب الوحشية، قد حولت واشنطن عن هذه البلدان الرئيسية، وجرت جورج بوش الابن إلى مستنقع الشرق الأوسط وخاصة العراق، وليس هناك ما هو أكثر خطورة على استقرار العالم من حرب حتى الموت.
معلومات عن الكاتب: 
جوليان أوبير.. سياسى فرنسى، أنتخب نائبا عن الجمهوريين خلال الانتخابات التشريعية لعام 2012، ثم أعيد انتخابه عام 2017، ولم يوفق فى انتخابات 2022. يحلل، هنا، الحوار الذى نشرته صحيفة «إزفستيا» الروسية مع نيكولاى باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن الروسى.