السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

طارق حجّى يكتب: تأملات فى المشهد العربى المعاصر.. 7 حقائق عربية.. وخطيئة الغرب فى التعامل مع جماعة الإخوان الإرهابية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

إذا كنا مُلمين بتاريخِ مجتمعاتِ الشرقُ الأوسطُ الناطقةُ بالعربيةِ. 

وإذا كنا نعرف أن العقلَ الجمعى لشعوبِ هذه المجتمعاتُ لا تزال بعيدةً عن جعل الدينِ شأنًا شخصيًا وليس مرجعيةً لكلِ المواضيع. وإذا كنا تابعنا ما حدث خلال سنى العقدِ الأخيرِ بمجتمعاتِ العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا. وإذا كنا مدركين حجمَ الردة التى شهدها المجتمعُ التونسى بعدما أخذَه قائدٌ استثنائى (بورقيبة) لأعتابِ المعاصرةِ والحداثةِ. وإذا كنا عالمين بما فعله الإخوان المسلمون فرع غزة (حماس) عندما أوصلتهم الانتخاباتُ للسلطةِ فى أراضى السلطة الفلسطينية. وإذا كنا فاهمين لظاهرةِ حدوثِ وقائع ما سُمى بالربيعِ العربى فى مجتمعاتِ الجمهورياتِ وليس فى مجتمعاتِ الملكياتِ العربيةِ. وإذا كنا ممن درسوا الحربَ الأهلية التى يُشار لها بالعشريةِ السوداءِ فى الجزائر والتى بدأت منذ ثلاثةِ عقودٍ وحصدت أرواحَ عشرات الألوف.. إذا كنا نعرف تلك الحقائق السبع الكبرى، ومع ذلك لا نرى جريمةَ وكارثية أية سياسة مثل سياسة أوباما وهيلارى كلينتون وكثير من ساسة الغرب هدفها دفع مجتمعات الشرق الأوسط الناطقة بالعربيةِ لأداءٍ شكلى ديمقراطى مثل الأداء الذى أتى بحماس للسلطةِ فى أراضى السلطة الفلسطينية فى ٢٠٠٦. وإذا أضفنا لتلك المواضيع السبعة مأساة عدم إدراجِ دول كثيرة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا وكل الاتحاد الأوروبى للإخوان المسلمين ضمن الجماعات الإرهابية، فى نفس الوقت الذى يعتبرون فيه "حماس" جماعة إرهابية، رغم أن أى طالب علوم سياسية فى جامعاتهم يعرف أن "حماس" هى فرع من "تنظيم الإخوان المسلمين" وأن اسمها ظل لسنواتٍ هو "تنظيم الإخوان المسلمين فرع غزة". وهكذا، فإن دولًا كثيرة من دولِ العالمِ الأول تنظر لشجرةِ الإسلامِ السياسى فترى بوضوحٍ أن جسمَ الشجرةِ الأساس هو "جماعة الإخوان المسلمين" وأن فرعًا من فروعِ الشجرة هو "حماس"، فإذا بها تعتبر الفرع إرهابيًا أما الأصل/الشجرة فلا تعتبرها كذلك بل وتحاول إيصالها للحكمِ فى عددٍ من بلدان الشرق الأوسط الناطقة بالعربية. 
منذ سنوات قليلة، كنت مدعوًا للحديثِ عن الإخوان المسلمين بالبرلمان البريطانى. عقب المحاضرة بدأ الجزءُ الأهم من الجلسةِ وهو أسئلة أعضاء البرلمان الذين حضروا تلك الجلسة. ليلتها، وقف البارون "فلان" ووجه لى هذه الكلمات: "هل أفهم مما سمعته منك الليلة أن الديمقراطية ليست هى أولى أولوياتك؟". وكان ردى الفورى وبدون أى ترددٍ: "قطعًا الديمقراطية ليست أولى أولوياتي". ظن البارون أنه ربح الجولة، فسألنى بصوتٍ مخلوط بكثيرٍ من الزهو وبغير قليلٍ من السخرية: "ترى.. ما الأولوية التى تسبق عندك الديمقراطية؟".. مرة أخرى أجبتُه فى ذات الثانية التى أكمل فيها سؤاله: "أولويتى الأولى، وهى أيضًا أولويتك أنت الأولى هى عودة أفراد أسرتى فى آخر اليوم سالمين، وهى كما ذكرتُ أنا أولويتك أنت أيضًا أى أن تعود أنت وأفراد أسرتك فى آخر اليوم سالمين". وكانت المفاجأة لى وللبارون هى تصفيق أعضاء البرلمان. بعد أن توقف التصفيقُ أضفتُ هذه الكلمات: الحقائق السبع التى ذكرتُها وما سمعتموه أثناء فقرة الأسئلة وإجاباتى تلزمكم بأمرين: الأول هو محاولة فهم مجتمعات الشرق الأوسط الناطقة بالعربية بعيدًا عن الأفكار المقلوبة التى لا تليق بمثقفين كبار، والثانى أن تتحرروا من الأفكار الجاهزة عن الإخوان المسلمين التى تأتيكم من أجهزة مخابرات يعرف كل مثقف حقيقة علاقاتها التاريخية بالإخوان!.
مصر والسعودية والإمارات على النهج الحداثى 
تشهد مجتمعاتٌ عديدةٌ فى منطقةِ الشرقِ الأوسط معركةً بين "الماضويين" و"الحداثيين". وفى هذا الصراعِ يلبس الماضويون (بمكياڤيليةٍ مؤكدة وواضحة) رداءَ الدينِ والثوابتِ والمقدساتِ، وهو قطعًا مجرد "تكنيك" يظن مستعملوه أنه ييسر لهم كسبَ معركتهم مع الحداثيين. ورغم ظنى أن كلَ مجتمعٍ من مجتمعاتُ منطقتِنا له "خصوصياته" أيّ صفاته الخاصة به، فإن حالَ ومآلَ بعضها سيكون لهما انعكاسات كبيرة على مجتمعاتٍ أخرى بالمنطقةِ. وفى مقدمةِ هذه المجتمعات الثالوث المهم (من الشرقِ للغربِ): الإمارات والسعودية ومصر. مع أهمية تالية لما ستكون عليه أحوالُ سوريا وليبيا وتونس واليمن.
واستقراءُ الحالةِ الإماراتيةِ أسهلُ من استقراءِ الحالتين السعودية والمصرية. والسبب هو أن حجمَ وتفاصيلَ الحالتين السعودية والمصرية "مهولٌ"
وظنى أن الحالةَ الإماراتية ستتواصل فى نفسِ الاتجاهاتِ وبذاتِ المنهجِ والطبيعةِ. وهو ما سيكون فى صالحِ النهجِ الحداثى.
ورغم أن ظنى مماثلٌ فى حالتى السعوديةِ ومِصْرَ، إلاّ أن الحالتين كما أَسلفتُ مهولتان، بسببِ كثرةِ وغزارةِ وكثافةِ مربعاتِ موزاييك كل منهما.


فالسعوديةُ ليست مجرد دولة ومجتمع كبيرين وإنما هما بالغو التأثير على غيرهما فى المنطقة والعالم.
وتوقعى أن النهجَ الحداثى الذى بدأ فى السعوديةِ منذ ٦-٧ سنوات سيتواصل وبنجاحٍ رغم الصعوبات الداخلية والخارجية. وأهم صعوبات الداخل هو العقلية التى أفرزتها مرحلةُ الصحوة. أما صعوبات الخارج فأهمها محاولات إشغال السعودية بقضايا تُستعمل لمجردِ الابتزاز. ومن صعوبات الخارج أيضًا مشروع إيران الإمپريالى فى المنطقة. ونجاح السعودية (وهو ما أتوقعه) فى مواصلة مشروعها الحداثى سيكون ضربةً كبيرةً للتيارِ المناهضِ للتحديث داخل السعودية وخارجها. وأهم أدوات النصر التاريخى لمشروعِ السعوديةِ الحداثى هو "ثورة تعليمية" تؤصل لذهنيةِ الحداثةِ وتستأصل إمكانيةَ الانجذابِ لمفرداتِ ومفاهيمِ العقلِ الجمعى الماضويّ.
وبينما المنطق يحتم أن تكون الدولُ الغربية (الولايات المتحدة وأوروبا وكندا وأستراليا) مسرورةً بهذا النهج الحداثى السعودى ومؤيدة له، فإن الواقعَ لا يؤكد ذلك.
أما الحالةُ المصرية، فهى أيضًا مثل صورةٍ كبيرةٍ جدًا بها آلاف التفاصيل. ولكن المؤكد عندى أن مِصْرَ التى وجهت أكبرَ وأخطرَ ضربةٍ للإخوانِ يوم ٣ يوليو ٢٠١٣ والتى تواصل تنفيذ مئات المشروعات التنموية منذ منتصف ٢٠١٤، تسير فى اتجاهِ انتصارٍ نسبى للحداثةِ. لماذا قلت "انتصار نسبي"؟ قلتُ ذلك لإدراكى أن المشروعاتِ التنموية العظيمة التى تمت وتتم فى مِصْرَ تحتاج لمشروعٍ موازٍ قوامه تعليم وخطاب دينى عصريين. ولاشك أن القوى المناهضة للمشروع الحداثى هى قوى كبيرة ومؤثرة تكونت وتأصلت عبر عقودٍ عديدةٍ وكان التعاطى معها قبل ٢٠١٤ بعيدًا عن النجاح لاعتماده على الأدوات الأمنية البحت وقلة عنايته بمحاربة الفكر بالفكر ناهيك عن وجود جبهةٍ مناهضة للمشروع الحداثى فى واحدةٍ من أهمِ المؤسسات الدعوية والتعليمية.
ورغم عدد صعوبات وحجم تحديات الحالة المصرية، فإن العارف بطبيعة ودور الجيش المصرى سيميل لترجيح انتصار "دولة ما بعد ٣ يوليو ٢٠١٣” فى معركتها مع القوى الماضوية. ولكنه سيكون انتصارًا نسبيًا وسيستغرق عدة سنوات. ولاشك أن ما سيحدث فى سوريا وليبيا وتونس واليمن ستكون له آثاره وانعكاساته على مجتمعات هذه البلدان وعلى المنطقة.
أما سوريا، فستبقى أحوالها فى المستقبل القريب شبه أحوالها الحالية. وهو أمرٌ ليس فى صالح التنظيم الدولى للإخوان ولكنه للأسف فى صالح الأصولية الشيعية التى تحكم إيران منذ ٤٣ سنة. وستبقى روسيا سعيدة ببقاء الأحوال على ما هى عليه لأسبابٍ سأتناولها فى مقالٍ آخر، ولكن أهم هذه الأسباب هى منع وصول غاز طبيعى منافس للغاز الروسى لأوروپا عن طريق سوريا (أيّ يصل لسوريا من شرقها بأنبوب غاز، ثم يُسيّل فى سوريا ويشحن من أحد موانيها لأوروپا).
أما ليبيا، فما زلنا أمام ثلاثة سيناريوهات: سيناريو توحد ليبيا تحت قيادة مناهضة للإخوان، وسيناريو توحد ليبيا تحت قيادة متعاطفة مع الإخوان، وسيناريو بقاء الحال كما هو الآن. ورغم أن كلَ شيءٍ وارد ومحتمل، فإن السيناريو الأول (وهو عندى أفضلها) ليس مؤكدَ الحدوث.
أما تونس، فالأوضاع فيها كالتالي: شهدت تونس خلال الـ١١ سنة الأخيرة صراعًا عاتيًا بين "الماضويين" وأهمهم حزب النهضة الإخوانى وبين "الحداثيين" الذين هم (تاريخيًا) ثمرة الشجرة البورقيبية. وأغلب الظن أن أقوى طبقة وسطى حداثية فى كل المجتمعات الناطقة بالعربية إنما توجد فى تونس. وهذا الصراع التونسي/التونسى كان فى معظمه سياسيًا محضًا. ويميل كاتبُ هذه السطور لانتصار قوى الحداثة فى تونس خلال السنوات القليلة المقبلة. وأما اليمن، فرغم جنوحى للإيمانِ بفشلِ المشروع الإيرانى فيها، فإن حدوثَ أمورٍ إيجابيةٍ كبيرةٍ فى اليمن خلال السنواتِ القليلةِ المقبلة هو (عندي) مستبعدٌ.
وهناك دول فى المنطقةِ لم أتطرق لها مثل العراق ولبنان والأردن والجزائر والمغرب وعُمان والبحرين وقطر والكويت.. والسبب هو أَننى أميلُ لأن أحوالَها بعد ٣-٥ سنوات ستكون مماثلةً لأحوالِها اليوم. وأنا أيضًا لم أذكر إسرائيل، بسببِ إيثارى الحديث عنها خلال ما تبقى من سنى العقد الثالث من القرن الحالى فى مقالٍ مستقلٍ. وإن كنت أتوقعُ أن يشهد المستقبل القريب مواجهة عسكرية إسرائيلية/ إيرانية.