فى عام 2022 نشر آلان شويه الرئيس السابق لجهاز المخابرات الأمنية فى المديرية العامة للأمن الخارجى (DGSE) كتابًا يحمل عنوان «سبع خطوات إلى الجحيم» قام فيه برصد عدة عقود من الغفلة والإنكار غفلت فيها السلطات الفرنسية تجاه الإسلام السياسى ولم تعط العالم العربى حقه فى التقييم والتحليل. وقد تناولنا فى الأسبوع الماضى أحدث كتبه عن أزمة المجتمع فرنسى الذى يواجه النزعة الانفصالية والعنف الأصولى، وفى هذا العدد، نناقش آلان شويه فى العديد من قضايا الأمن والإرهاب وأخبار العالم والشرق الأوسط والحرب فى أوكرانيا.
لوديالوج: ما رأيك فى الخطر الذى تمثله القاعدة أو داعش فى العالم عام ٢٠٢٣؟ وتحديدا فى سوريا أو العراق أو ليبيا أو أفريقيا؟
شويه: من وجهة نظرى العملية أن القاعدة وداعش لم يعد لديها أى وجود إلا وجود رمزى فقط وإذا كنا نستحضرهم فى بعض الأوقات فذلك لأن جميع المناهضين من ذوى الإلهام الإسلامى فى العالم أدركوا أنه من الضرورى المحافظة على صورتهم القوية والمرعبة حتى ينظر إليهم على أنهم قوة لا يستهان بها، هذه الظاهرة يمكن أن نستشعرها فى فرنسا من خلال مظاهر الولاء للتنظيم التى يقودها بعض الجناة العفويين الذين قاموا باعتداءات فردية وهم ليس لهم أى صلة بهذه المنظمات ولم يتلقوا أى تعليمات منها.
وعلى العكس فقد أدركت جميع الدول التى واجهت معارضة بخلفية إسلامية أنه من الضرورى لصق تسمية إسلامى على خصومها تلك التسمية المرعبة من شأنها أن تساعد هذه الدول على الحصول على تفهم المجتمع الدولى وقناعته بعمليات المواجهة.
هذه الديناميكية المزدوجة واضحة فيما يتعلق بالقاعدة أما فيما يتعلق بداعش ما زال هناك مساحات يسيطر عليها بطريقة بائسة وهذه المناطق فى شمال العراق وشمال شرق سوريا وكذلك فى إدلب.
إلا أنه فى أماكن أخرى كالشريط الساحلى ونيجيريا وكذلك فى ليبيا فان الإشارة إلى المنظمات "التاريخية" تعد بمثابة إضفاء واجهة شرعية على الهياكل الإجرامية فى الاتجار والنهب أو المنظمات الوحدوية أو المعارضة القبلية والعشائر.
وفى ليبيا كما هو الحال فى أفغانستان يبدو أن ظهورهذه المنظمات مرتبط بخطط تكتيكية من قبل القوى الإقليمية الراغبة فى الحفاظ على شكل من أشكال من السيطرة المحلية.
لوديالوج: من المعروف أنه بفضل الربيع العربى حاولت دول معينة وضع الإخوان فى السلطة فى عواصم الدول العربية المتضررة من هذه الثورات.. اليوم وبعد أكثر من عشر سنوات وبعد عودة القوى الاتوقراطية مما يمثل فشل تلك الدول.. ماذا عن الإخوان المسلمين وهل لازالوا يمثلون تهديدا أمنيا؟
شويه: لم تقم بعض الدول بدعم الاحتجاجات الأصولية وحتى الجهادية فى العالم العربى وفى الغرب من منطلق الخلاص أو القناعة الدينية ولكن من منطلق الحسابات والمصلحة؛ من ناحية، ولمواجهة العلمنة أو التطورات الديمقراطية فى المنطقة العربية والبلدان والمجتمعات المسلمة من ناحية أخرى.
وبالنسبة لتركيا، فإن الوضع فيما يتعلق بدعمها للإسلاميين المتشددين مرتبط باستراتيجية حزب العدالة والتنمية الذى يشكل جزءا من مجرة الإخوان.
ولكن، على عكس الدولتين اللتين استغلتا السلفية دون امتلاك الموارد البشرية القادرة على القيام بذلك واضطرتا إلى اللجوء إلى جهاز الإخوان الدولى دون أن تستحوذا على أدوات السيطرة على هذا الجهاز، توجه تركيا عن كثب استراتيجيتها فى استغلال القومية الإسلامية من خلال مؤسستها الخاصة ومن خلال السيطرة المطلقة على الممتلكات والأشخاص ذات الصلة بالدين عن طريق مديرية الشؤون الدينية (Diyanet İşleri Başkanlığı)
لوديالوج: هل يمكن أن يستمر الوضع فيما يتعلق بدعم السلفية على مستوى العالم؟
إذا كنا نتحدث عن الخليج؛ فإن الأجيال الجديدة التى وصلت إلى السلطة - التى تلقت تعليمها فى الجامعات الغربية – تدرك جيدا وأكثر بأهمية الاتصال والتواصل مع الأنماط الثقافية فى الغرب.
وسرعان ما أدركوا أن الدعم الذى لم يعد بإمكانهم إخفاءه عن المنظمات الأصولية قد يؤدى إلى نتائج عكسية على المدى الطويل من قبل الغرب الذى هو على دراية تامة بالأوضاع ويؤمن بأن الآفاق الاقتصادية المثمرة فقط هى التى ستحمى من أى أعمال انتقامية، لقد تحولوا نحو سياسة التعلق بآفاق اقتصادية استثنائية من خلال تطوير استراتيجيات القوة الناعمة والتقارب مع النخب الغربية عن طريق الشركات الاستشارية الغربية الماهرة.
لقد رأينا ذلك فى المشاريع العقارية والسياحية الرائعة للجزيرة العربية أو الاستثمارات القطرية فى أنشطة ذات رؤية دولية عالية مثل الإعلام أو صناعة الرفاهية أو صناعة الفنادق أو الرياضة.
باختصار وبصرف النظر عن تركيا - التى ستستمر فى دعمها للقومية الإسلامية فى اتجاه رعاياها المنتشرين فى أوروبا وفى أسواقها الشرقية طالما استمر حزب العدالة والتنمية فى السلطة – لقد بدأ الدعم التاريخى للتيار السلفى المتشدد فى التناقص بشكل واضح.
لوديالوج: كيف ترى المصالحة الحالية منذ ٢٠٢١ بين محور الدوحة / أنقرة واتفاقية القاهرة / أبو ظبى / الرياض؟ وما هى عواقب صراعهم ضد الجهادية والإخوان المسلمين؟
شوييه: إنها النتيجة الحتمية لما شهدته الساحة العربية فى السنوات الماضية.. كما أن الإخوان ماهرون فى التغلغل من خلال العديد من الثغرات والنواحى الاجتماعية التى أهملت بعضها الدول المعنية فى العالم العربى ولكنهم أقل مهارة بكثير فى إدارة الاقتصادات التى تمر بأزمات وأيضا هم أقل مهارة فى اجراء تحولات ديمقراطية.. تلك التحولات التى توقعها الغربيون الساذجون والجاهلون.
لقد رأينا ذلك بشكل مذهل فى مصر وتونس وبشكل درامى فى ليبيا وسوريا وبشكل لا يحتمل فى معقلهم المزعوم الخاص يتنظيم الدولة الإسلامية فى بلاد الشام أو فى أفغانستان.
وانتهى الأمر بسقوط الأقنعة، مثلما حدث مع طارق رمضان حفيد مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الذى كان يتمتع بشعبية على أجهزة التليفزيون ووسائل الإعلام الناطقة بالفرنسية، والذى تتم مقاضاته اليوم فى قضايا قذرة.
لقد استوعب الداعمون الرئيسيون للإخوان فى العالم العربى والإسلامى الدرس وبدأوا فى البحث عن الطرق الممكنة لحمايتهم بوسائل أكثر دقة فى المجالات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والمالية، لذلك ليس من المستغرب أن نجد أنهم يتبنون استراتيجيات متوازنة يسمح بها عالم متعدد الأقطاب ما بين الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبى وروسيا وبعض الدول الكبيرة من الجنوب، ولم تعد الشعبوية المحافظة والمثيرة للجدل والوعظية للإخوان تحظى بشعبية فى العالم العربى والإسلامى.
ولم تعد تغرى إلا العقول الساذجة من الأقليات المسلمة المهاجرة إلى أوروبا الذين رفضوا الاندماج فى البلدان المضيفة حيث يشعرون أنهم لا يجدون مكانهم فى هذه الدول حتى لو استفادوا من الحرية والامتيازات التى كانوا محرومين منها فى موطنهم الأصلى.
ومع ذلك، علينا أن نكون حذرين؛ ففى عالم تهيمن عليه القوة العسكرية والتكنولوجية للغرب بقيادة الولايات المتحدة من غير الوارد تأكيد الذات من خلال المواجهات المسلحة التقليدية، وآخر من جربها كان صدام حسين الذى دفع ثمنا باهظا وتظهر التجربة أن أولئك الذين لجأوا إلى استراتيجيات القوة الضعيفة التى يعتبر الإرهاب ركيزة أساسية لها فقط تمكنوا من جنى بعض الثمار.
وحتى لو ضعفت جماعة الإخوان فستظل منظمة عابرة للحدود جيدة التنظيم تتمتع بخبرة فى جميع أشكال المواجهة وكذلك السرية وقادرة تماما على خدمة أى شخص يريد ممارسة ضغط عنيف غير مباشر دون الظهور فى الخطوط الأمامية.