في ذكرى دخول مريم العذراء والسيد المسيح مصر
رحلة العائلة المقدسة مسيرة الخير والأمان في الأراضي المصرية
أرض الكنانة تستقبل أنبياء الله
أبناء سيدنا نوح "قفطايم ومصرايم" هاجرا إلي مصر هربا من المجاعة بعد الطوفان..
إبراهيم وإسحق ويعقوب ويوسف وأرميا النبي وإيليا ويربعام وحونيا الكاهن وجالية يقرب عددها من عدد يهود فلسطين في القرن الأول جاءوا إلي مصر
واجه خليل الله إبراهيم عناد القوم في بابل وكان عليه السلام من أولي العهد فهاجر وزوجته إلي مصر طلبا للأمان
هاجر النبي إيليا لسيناء بعد أن حطم أصنام البعل هربا من الملكة إيزابل التي كانت تريد قتله
تحتفل الكنيسة المصرية، اليوم، بذكرى دخول السيدة مريم العذراء والسيد المسيح إلى مصر، ضمن مسار العائلة المقدسة فى الهروب من بيت لحم فى فلسطين بسبب اضطهاد هيرودس، حيث سارت العائلة المقدسة من بيت لحم إلى غزة حتى محمية الزرانيق (الفلوسيات) غرب العريش بـ37 كم، ودخلت مصر عن طريق صحراء سيناء من الناحية الشمالية من جهة الفرما (بلوزيوم) الواقعة بين مدينتى العريش وبورسعيد.
دخلت العائلة المقدسة مدينة تل بسطا (بسطة) بالقرب من مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية وتبعد عن مدينة القاهرة بنحو 100 كم من الشمال الشرقى، ثم تركت العائلة المقدسة تلك المدينة وتوجهت نحو الجنوب.
ثم غادرت العائلة مدينة تل بسطا (بسطة) متجهة نحو الجنوب حتى وصلت بلدة مسطرد - المحمة وتبعد عن مدينة القاهرة بنحو 10 كم تقريبًا، وكلمة المحمة معناها مكان الاستحمام وسميت كذلك لأن العذراء مريم أحمت هناك السيد المسيح وغسلت ملابسه وفى عودة العائلة المقدسة مرت أيضًا على مسطرد.
ومن مسطرد انتقلت شمالًا إلى بلبيس (فيلبس) مركز بلبيس التابع لمحافظة الشرقية وتبعد عن مدينة القاهرة حوالى 55 كم تقريبًا، واستظلت العائلة المقدسة عند شجرة عرفت باسم شجرة العذراء مريم ومرت العائلة المقدسة على بلبيس أيضًا فى رجوعها.
ومن بلبيس رحلت العائلة شمالًا بغرب إلى بلدة منية سمنود - منية جناح مــن منيـة سمنود عبـرت العــائلة المقـدسـة نهـر النيــل إلى مـدينة سمنـود (جمنوتى - ذبة نثر) داخـل الدلتا واستقبلهم شعبها استقبـالًا حسنًا فباركهـم السيد المسيح لـه المجـد ويوجد بها ماجور كبير من حجر الجرانيت يقال إن السيدة العذراء عجنت به أثناء وجودها ويوجد أيضًا بئر ماء باركها السيد بنفسه ومن مدينة سمنود رحلت العـائلة المقدسة شمالًا بغــرب إلى منطقة البرلس حتى وصلت مدينة (سخا - خـاست - بيخـا ايسوس) حاليًا فى محافظة كفــر الشيخ. وظهر قدم السيد المسيح على حجر ومنه أخذت المدينة اسمها بالقبطية وقد أخفى هذا الحجر زمنًا طويلًا خوفًا من سرقته فى بعض العصور واكتشف هذا الحجر ثانية منذ نحو 13 عاما فقط.
وإذا كانت العائلة المقدسة قد سلكت الطريق الطبيعى أثناء سيرها من ناحية سمنود إلى مدينة سخا فلا بد أن تكون قد مرت على كثير من البلاد التابعة لمحافظة الغربية وكفر الشيخ ويقول بعض المؤرخين إنها عبرت فى طريقها فى برارى بلقاس، ومن مدينة سخا عبرت نهر النيل (فرع رشيد) إلى غرب الدلتا وتحركت جنوبًا إلى وادى النطرون (الاسقيط) وقد بارك السيد المسيح وأمه العذراء هذا المكان.
ومن وادى النطرون ارتحلت جنوبًا ناحية مدينة القاهرة وعبرت نهر النيل إلى الناحية الشرقية متجهة ناحية المطرية وعين شمس. ومنطقة المطرية وهى بالقرب من عين شمس (هليوبوليس - اون) وتبعد عن مدينة القاهرة بحوالى 10 كم. وفى المطرية استظلت العائلة المقدسة تحت شجرة تعرف إلى اليوم بشجرة مريم.
ووصلت العائلة المقدسة إلى مصر القديمة وتعتبر منطقة مصر القديمة من أهم المناطق والمحطات التى حلت بها العائلة المقدسة فى رحلتها إلى أرض مصر ويوجد بها العديد من الكنائس والأديرة. وقد تباركت هذه المنطقة بوجود العائلة المقدسة ولم تستطع العائلة المقدسة البقاء فيها إلا أيامًا قلائل نظرًا لتحطم الأوثان فأثار ذلك سخط والى الفسطاط فأراد قتل الصبى عيسى. وكنيسة القديس سرجيوس (ابو سرجه) بها الكهف (المغارة) التى لجأت إليه العائلة المقدسة وتعتبر من أهم معالم العائلة المقدسة بمصر القديمة.
وارتحلت العائلة المقدسة من منطقة مصر القديمة متجهة ناحية الجنوب حيث وصلت إلى منطقة المعادى إحدى ضواحى منف - عاصمة مصر القديمة.
وأقلعت فى مركب شراعى فى النيل متجهة نحو الجنوب بلاد الصعيد من البقعة المقام عليها الآن كنيسة السيدة العذراء المعروفة بالعدوية لأن منها عبرت (عدت) العائلة المقدسة إلى النيل فى رحلتها إلى الصعيد ومنها جاء اسم المعادى، ولا يزال السلم الحجرى الذى نزلت عليه العائلة المقدسة إلى ضفة النيل موجودًا وله مزار يفتح من فناء الكنيسة.
وبعد ذلك وصلت العائلة المقدسة قرية دير الجرنوس (أرجانوس) على مسافة 10 كم غرب أشنين النصارى - مركز مغاغة، وبجوار الحائط الغربى لكنيسة السيدة العذراء توجد بئر عميقة يقول التقليد أن العائلة المقدسة شربت منها، مرت العائلة المقدسة على بقعة تسمى اباى ايسوس شرقى البهسنا ومكانه الآن قرية صندفا (بنى مزار) وقرية البهنسا الحالية تقع على مسافة 17 كم غرب بنى مزار.
ورحلت العائلة من بلدة البهنسا ناحية الجنوب حتى بلدة سمالوط ومنها عبرت النيل ناحية الشرق حيث يقع الآن دير السيدة العذراء بجبل الطير (أكورس) شرق سمالوط ويقع هذا الدير جنوب معدية بنى خالد بنحو 2 كم حيث استقرت العائلة بالمغارة الموجودة بالكنيسة الأثرية.
وفى الطريق مرت على شجرة لبخ عالية (شجرة غار) على مسافة 2 كم جنوب جبل الطير بجوار الطريق المجاور للنيل، والجبل الواصل من جبل الطير إلى نزلة عبيد، وغادرت العائلة المقدسة من منطقة جبل الطير وعبرت النيل من الناحية الشرقية إلى الناحية الغربية واتجهت نحو الأشمونيين (أشمون الثانية) وحدثت فى هذه البلدة كثير من العجائب وسقطت أوثانها وباركت العائلة المقدسة الأشمونيين.
وارتحلت العائلة المقدسة من الأشمونيين واتجهت جنوبًا حوالى 20 كم ناحية ديروط الشريف فيليس، ثم غادرت من ديروط الشريف إلى قرية قسقام (قوست قوصيا) حيث سقط الصنم معبودهم وتحطم فطردهم أهلها خارج المدينة وأصبحت هذه المدينة خرابًا.
وهربت العائلة المقدسة من قرية قسقام واتجهت نحو بلدة مير ميره تقع على بعد 7 كم غرب القوصية، وقد أكرم أهل مير العائلة المقدسة أثناء وجودها بالبلدة.
ومن مير ارتحلت إلى جبل قسقام حيث يوجد الآن دير المحرق ومنطقة الدير المحرق هذه من أهم المحطات التى استقرت فيها العائلة المقدسة حتى سمى المكان بيت لحم الثاني. يقع هذا الدير فى سفح الجبل الغربى المعروف بجبل قسقام نسبة إلى المدينة التى خربت ويبعد نحو 12 كم غرب بلدة القوصية التابعة لمحافظة أسيوط على بعد 327 كم جنوبى القاهرة، مكثت العائلة المقدسة نحو ستة أشهر وعشرة أيام فى المغارة التى أصبحت فيما بعد هيكلًا لكنيسة السيدة العذراء الأثرية فى الجهة الغربية من الدير ومذبح هذه الكنيسة حجر كبير كان يجلس عليه السيد المسيح. وفى هذا الدير ظهر ملاك الرب ليوسف فى حلم قائلا قم وخذ الصبى وأمه وعد لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبى.
وفى طريق العودة سلكوا طريقًا آخر انحرف بهم إلى الجنوب قليلا حتى جبل أسيوط المعروف بجبل درنكة وباركته العائلة المقدسة حيث بنى دير باسم السيدة العذراء يقع على مسافة 8 كم جنوب غرب أسيوط، ثم وصلوا إلى مصر القديمة ثم المطرية ثم المحمة ومنها إلى سيناء ثم فلسطين حيث سكن القديس يوسف والعائلة المقدسة فى قرية الناصرة بالجليل، لتنتهى رحلة المعاناة بعد ثلاث سنوات.
مصر وحماية الأنبياء
رغم أن العائلة هربت من اليهودي الحاكم الروماني هيرودس إلا أن المهم أن نعرف أن مصر كانت ولاية رومانية أيضا والوالي كان اسمه أكيلا ومن المعروف أن الولاة كانوا يلتقون مرة كل عام في روما، وبينهم كتابات ورسائل عبر روما إلا أننا ورغم ذلك كما جاء في العهد القديم أن ملاك الرب أوحي ليوسف النجار في حلم أن يهرب بالعائلة إلي مصر؟
هذا دليل علي أن الله يراهن علي نجاة المسيح وسط الشعب المصري، ويلاحظ أن ترحال العائلة غير المباشر كان للابتعاد عن اليهود المصريين وخوفا منهم (لاحظ أن الإسكندرية مثلا كان 40% من سكانها يهود ولم تفكر العائلة بالذهاب إلا في اتجاهات تكاد تكون خالية من اليهود ونلاحظ أن نسبة اليهود في هذه الفترة بالصعيد كانت 2% وفي القوصية كان لا يوجد).
الله يثق في مصر وجعلها ملاذا لحماية الأنبياء:
كانت البداية أولاد سيدنا نوح "قفطايم ومصرايم" ونظرا للمجاعة التي حدثت بعد الطوفان تفرق أولاده بين البلاد سام: قارة أسيا، وحام قارة أفريقيا، ويافث قارة أوروبا، ولاذ الابنان المذكوران إلي مصر.
سيدنا إبراهيم في مصر:
هجرة إبراهيم إلى مصر الآمنة وزواجه من السيدة هاجر المصرية
لما اشتد عناد القوم لدعوة خليل الله إبراهيم في بابل وكان عليه السلام من أولي العزم، وقد تزوج من السيدة سارة ابنة عمه التي اتبعت هداه، ثم هاجر معها إلى أرض الشام لنشر الدعوة في مكان آخر، ومن ثم هبط إلى مصر لأنها أمنا وأمانا.
أنبياء آخرون يلوذون بمصر:
وإيليا النبي بعد أن حطم أصنام البعل طاردته الملكة إيزابل للانتقام منه فهرب منها إلي جبل حوريب في سيناء وعاش فيها في أمان حتي ماتت إيزابل.
وإرميا النبي:
لم يستطيع اليهود أن ينكروا نبوة إرميا، لكنهم اتهموه أنه لا يسأل الله بل يحركه كاتبه باروخ.
مع مقاومتهم لإرميا واتهاماتهم المستمرة ضده، كانوا بلا شك يهاجمونه كرجل الله الذي وحده يعلن لهم إرادة الله الحقة ويقدر أن يشفع فيهم، لهذا حملوه معهم قسرًا إلى مصر.
مصر ليست وطن نعيش فيه بل وطن يعيش فينا:
هاجر النبي يعقوب وأبناؤه وعشيرته هربا من المجاعة، بعد أن دعاهم الابن يوسف النبي:
يوسف هو ابن يعقوب وزوجته راحيل وهو الابن الحادى العشر من أصل أثنى عشر طفل، بلده هى أرام، وكان يغير منه إخواته وأرادوا أن يتخلصوا منه بأكثر من طريقة منها؛ إنهم فكروا فى قتله ثم عدلوا عن الفكرة، واقترح أحدهم طرحه فى بئر قديمة مهجورة ليس بها مياه وآخرهم باعوه لقافلة إسماعيلية متجهة إلى مصر، وباع الإسماعيليون يوسف لفوطيفار فى مصر، واتهمته امرأته ظلمًا ودخل السجن، وهناك اكتسب ثقة السجان فوكله على جميع المسجونين. وقد منحه الله قدرة على تفسير أحلام رئيس السقاه ورئيس الخبازين عند فرعون.
وتحقق تفسيره لأحلامهما، وبعدها بسنتين، حلم فرعون حلمين ولم يتمكن أحد من تفسيرهما، فتذكر رئيس السقاه الذي حدث فى السجن من قبل يوسف وأحضروه لتفسير حلمى فرعون وذكر أنه سوف تأتي سبع سنين شبع يتلوها سبع سنين جوع واقترح أن يعين شخص يجمع الفائض في سنين الشبع ويخزنه لسنين الجوع وقد وافق فرعون ولما رآه من حكمة يوسف عينه رئيسًا لمخازنه فأصبح يوسف في وظيفته هذه من الرؤساء في الدولة مما يعنى إنه بعد فرعون فى الرتبة.
وكان ما حدث مكافأة له على تحمل الذل لمدة ثلاثة عشر عام لأنه كان متكلًا على الله، مؤمنًا بقوته وعدله.
وتزوج من اسانت بنت فوطى وبعدها حلت المجاعة فى مصر لكنها كانت مستعدة لمواجهة الأزمة بسبب تنبؤاته وخزنت القمح والحبوب حسب تعليماته.
ومات يوسف وهو ابن مئة وعشر سنين، وحنطت جثته وفقًا لعادات المصريين، وعندما خرج العبرانيون من مصر نقلوا رفاته حسب وصيته إلى أرض كنعان.
ومن خلال تلك القصة نستنتج أن الله يرسل المحتاجين للأمن والأمان إلى أرض السلام للبدء من جديد، وهم يعيشون وسط خيراتها كأنهم أهلها لا يشعرون بالغربة، هذه هى مصرنا كما قال نياحة البابا شنودة الثالث "مصر ليست وطن نعيش فيه بل وطن يعيش فينا".
وهب الله أرض مصر منذ البداية طابعا خاصا يميزها عن سائر الدول الأخرى، فكانت مهد لجميع الحضارات ونشأ الإنسان المصرى وسط مظاهر حياة متكاملة.
وتعتبر مصر كذلك ملجأ لجميع الشعوب من مختلف أجناسهم وأعراقهم وأديانهم، وكانت البادرة عند احتضانها للعائلة المقدسة التى هربت من بطش هيرودس الملك خوفًا على الطفل يسوع حتى يومنا هذا باحتضانها للاجئين من شتى بقاع الوطن العربى؛ من سوريا وفلسطين وليبيا والعراق مرورًا إلى السودان بعد الأحداث الأخيرة.
كذلك لا نعلم تدابير الله لنا، بينما يضعنا فى الضيقة ليخرج منّا أفضل صفاتنا.