كانت الخطة الحكيمة التي ابتكرها الملك «تحتمس الثالث» والد الملك "رمسيس الثاني" في حروبه مع آسيا، هي الاستيلاء على الأرض المعروفة الآن بالشام، والإيغال في داخلها، وأن يبدأ بتأمين طرق مواصلاته بالاستيلاء على موانئ الساحل، ومن ثم يوغل في الداخل حيث يلتقي مع غريمه ملك «خيتا» للمرة الأولى.
ولذلك، كانت أول حملة قام بها «رمسيس الثاني» على خطى والده. وكانت موجهة إلى ساحل «فينيقيا»، وقد أوغلت في سيرها حتى «بيروت»، وهناك أقام لوحة على نهر «الكلب» في السنة الرابعة -وقد عثر الأثريون على لوحتين في هذه الجهة تاريخهما ليس معروفًا لتآكل ما عليهما من نقوش- وكانت آخر ما وصلت إليه فتوح جدهم الملك «سيتي»، أو بعبارة أخرى حدود إمبراطوريته.
وتعد الموقعة التي تقابل فيها «رمسيس الثاني» مع أعداؤه «الخيتا» وجهًا لوجه لأول مرة عند بلدة «قادش» نهاية الطور الثاني من حروبه مع هذه المملكة العظيمة. حيث ظلت الروايات المختلفة التي رويت بها هذه الملحمة مبعثرة على جدران أهم معابد القطر المصري، وبلاد السودان.
ويشر الأثري الكبير الراحل سليم حسن، في الجزء السادس من موسوعته الأشهر "مصر القديمة"، والذي يضم عصر رمسيس الثاني وقيام الإمبراطورية المصرية الثانية. أن النسخة التي وجدت بالخط الهيراطيقي منقوصة غير كاملة "ولذلك لم يكن في مقدور أي أثري درس هذه الملحمة على الوجه الأكمل، وقد عني بجمع هذه النصوص المختلفة بقدر الطاقة، وترتيبها في مجلد واحد بحيث أصبح في الإمكان الحصول على متن كامل يمكن الاعتماد عليه من كل الوجوه، والمتون التي سنورد ترجمتها هنا تمتاز بأنها نسخة مطابقة للروايات المختلفة بعض الشيء التي دونت على جدران المعابد العدة مع قرنها ببردية «ريفا»، وبردية «سالييه» التي تكمل إحداهما الأخرى، وهما تقدمان نسخة كاملة للملحمة لا ينقصها إلا بعض سطور، ولدينا -خلافًا للبردية- سبع نسخ أخرى نُقشت على جدران المعابد التالية".
وجاء في نصوص ملحمة قادش أنها "بداية انتصارات ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر ماعت رع ستبن رع» ابن الشمس، محبوب «آمون رعمسيس» معطي الحياة مخلدًا، وقد أحرزها على بلاد «خيتاوبلاد «نهرينا»، وبلاد «إرثو»، «وبدس»، وبلاد «دردني»، وأرض «ماسا»، وأرض «قرقيشا»، وأرض «لك» أو «لوكي»، وبلاد «كركميش»، وأرض «قدي»، وأرض «إركاثا»، وبلاد «موشتات»".
وجاء في نصها: عندما كان جلالته سيدًا غض الشباب شجاعًا لا مثيل له، قوي الساعدين، ثابت القلب كالجدار، يماثل الإله «مونتو» في قوته الجسمية في ساعته؛ أي ساعة غضبه، جميل الطلعة مثل الإله «آتوم»، والنظر إلى جماله يبعث السرور، عظيم الانتصارات على كل البلاد الأجنبية، ومن لا يعرف أحد كيف يأخذه لينازله، وإنه جدار قوي يحمي جنوده ودرعهم في يوم القتال، ولا مثيل له في الرماية، وقوته تفوق مئات الألوف مجتمعين، وهو الزاحف في المقدمة موغلًا في الجموع وقلبه مفعم بالشجاعة، قوي حين ينازل القرن كالنار عندما تلتهم؛ ثابت القلب كالثور المتأهب لساحة القتال لا يجهله أحد في الأرض قاطبة، ومن لا يقدر ألف رجل أن يثبت أمامه، ومن يتخاذل مئات الألوف عند رؤيته، وهو رب الخوف، وذو الزئير الهائل الذي يدوي في قلوب البلاد كلها، عظيم الرهبة التي يبعثها في قلوب الأجانب الخاسئين، وكالأسد الهصور في وادي البهم، ومن يغزو مظفرًا، ويعود منتصرًا أمام الناس من غير مفاخرة، تدابيره ممتازة، ونصيحته حسنة، سديد في جوابه، حامٍ مشاته يوم النزال … والفرسان والقائد لأتباعه، ومن يحمي مشاته، وقلبه كجبل من البرنز، السيد ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر ماعت رع ستبن رع» ابن الشمس «مري آمون رعمسيس» معطي الحياة".
وأضاف النص: "لقد جهز جلالته مشاته وخيَّالته «شردانا»، وهم من سبي جلالته، وقد أحضرهم بانتصارات سيفه مدججين بكل أسلحتهم، وقد أعطاهم التعليمات للواقعة، ولما وصل جلالته إلى جهة الشمال، كان معه مشاته وفرسانه بعد أن سلك الصراط السوي في سيره. وفي السنة الخامسة، الشهر الثاني من فصل الصيف، اليوم التاسع، اجتاز جلالته قلعة «ثارو» -تل أبو صيفه الحالية- وكان شديد القوى مثل الإله «منتو» في طلعته، في حين كان كل بلد أجنبي يرتعد أمامه، وقد حمل إليه كل الأمراء جزيتهم، وكان الثائرون منهم يأتون مطأطئي الرءوس خوفًا من بطش جلالته، وكان مشاته يسيرون في طرق ضيقة، وكأنهم يسيرون على طرق مصر المعبدة".