السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

العالم

فورين بوليسي: يجب على واشنطن وحلفائها التوقف عن القلق بشأن الهيمنة الصينية في آسيا!

الصين
الصين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تؤكد الولايات المتحدة وشركاؤها الآسيويين رغبتهم في الحفاظ على توازن القوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وذلك لمنع الصين من أن تصبح قوة مهيمنة إقليمية هناك. 
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن واشنطن وحلفائها قلقون من أن تقنع بكين جيرانها تدريجيا بالنأي بأنفسهم عن الولايات المتحدة، وقبول السيادة الصينية، والإذعان لرغبات بكين في قضايا السياسة الخارجية الرئيسية. 
وأضافت أنه على سبيل المثال، في عام 2018 حذر وزير الدفاع الأمريكي آنذاك جيمس ماتيس من أن الصين "لديها خطط طويلة الأجل لإعادة كتابة النظام العالمي الحالي"، كما أن العديد من المسؤولين الأمريكيين السابقين دائما ما يقدمون حججا مماثلة، مستندين في الترويج لها إلى رغبة الصين المعلنة في أن تكون "قوة عالمية رائدة"، وسط مخاوف من مساعي تغيير الوضع الراهن في منطقة بحر الصين الجنوبي وأماكن أخرى.
ونبهت المجلة الأمريكية إلى أن الآثار المترتبة على هذا الطرح مقلقة، حيث إذا كانت الصين تسعى بنشاط إلى أن تصبح قوة مهيمنة إقليمية في آسيا، وإذا كانت الولايات المتحدة عازمة على منعها من ذلك، فسيكون من الصعب تجنب الصدام المباشر بين أقوى دولتين في العالم.
وأشارت المجلة إلى أنه على الرغم من أن الصين قد تكون في وضع أفضل لتصبح قوة إقليمية مهيمنة إذا تمكنت من إخراج الولايات المتحدة من آسيا، إلا أن هذا الهدف ربما يكون بعيدا عن متناولها، فمن المرجح أن تفشل محاولة بكين للهيمنة الإقليمية ويلحق بها وغيرها ضرر جسيم في هذه العملية، لذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تتبنى وجهة نظر متفائلة نسبيا بشأن هذا الاحتمال، حتى لو لم تستطع استبعاده تماما، ويجب على واشنطن وحلفائها، في الوقت الذي يسعون فيه للحفاظ على توازن القوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، التأكد من أن جهودهم لا تدفع قادة الصين للتفكير جديا في محاولة الهيمنة كحل لا مفر منه رغم المخاطر ذات الصلة.
ولفتت "فورين بوليسي" إلى أن دوافع سعي دولة ما لأن تكون قوة مهيمنة إقليمية (أي القوة العظمى الوحيدة في منطقتها الجغرافية) معروفة، ويمكنها الاستفادة كثيرا من هذه الوضعية إذا لم يكن في المحيط قوة كبرى، وكانت حدودها مؤمنة بشكل كامل بعيدا عن النزاعات مثلما هو الحال مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي يتمتع قادتها بمجال واسع من الحرية لتقرير متى يمكنهم البقاء على الحياد أو يخوضون حربا عندما تندلع الصراعات في مكان آخر بعيدا عن الوطن، أو حتى الانسحاب من هذه الحرب دون تعريض أمن أمريكا للخطر إذا فشلت هذه التدخلات كما حدث في فيتنام أو العراق أو أفغانستان.
وأضافت:بلا شك، يعتقد قادة الصين أن بلادهم ستكون أكثر أمانا إذا حققت موقعا مهيمنا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وسيكون لدى بكين مخاوف أقل إذا لم تكن الولايات المتحدة متحالفة بشكل وثيق مع العديد من جيرانها، ولم يكن لدى واشنطن قوات عسكرية قوية متمركزة في جميع أنحاء المنطقة، حيث ستكون الصين أقل عرضة للحصار في حالة الحرب؛ الأمر الذي يعد مصدر قلق كبيرا بالنظر إلى الجغرافيا البحرية الضيقة لمنطقة شرق وجنوب شرق آسيا واعتماد بكين الكبير على التجارة الخارجية.
وتابعت: تفسر العوامل سالفة الذكر سبب رغبة الولايات المتحدة في منع ظهور أية قوة إقليمية جديدة، فمنذ أن أصبحت قوة عظمى في القرن العشرين، سعت الولايات المتحدة إلى الحفاظ على توازن تقريبي للقوى في أوروبا وشرق آسيا ومنع أية قوة منفردة من الهيمنة على أي من المنطقتين، وكان قادة الولايات المتحدة قلقين من أن هيمنة أوروبية أو آسيوية قد تكتسب في نهاية المطاف قوة اقتصادية وعسكرية مساوية أو أكبر من الولايات المتحدة، وتعد الرغبة الدائمة في منع هيمنة إقليمية في أوروبا أو آسيا هي السبب في دخول الولايات المتحدة الحربين العالميتين في نهاية المطاف، واحتفاظها بقوات عسكرية كبيرة في كلا المنطقتين خلال الحرب الباردة الطويلة.
وأشارت إلى أنه إذا كانت الهيمنة الإقليمية قابلة للتحقيق بسهولة، فقد يكون من المنطقي لقادة الصين أن يرغبوا بها، وأن يبذل قادة الولايات المتحدة قصارى جهدهم لمنعها، لكن ماذا لو كان هذا الهدف الذي يبدو جذابا هو في الواقع سرابا: صعب وربما مستحيل تحقيقه؟ إذا كان الأمر كذلك، فسيكون من "الحماقة" أن تسعى بكين إلى تحقيق هذا الهدف.
ودللت "فورين بوليسي" على أسباب استحالة تحقيق الهيمنة الإقليمية في الوقت الراهن، بالإشارة إلى أنها قد تكون مرغوبة من الناحية النظرية، لكن التاريخ يشير إلى أنها هدف بعيد المنال، وفي هذا الصدد، يقول أستاذ العلوم السياسية بكلية بوسطن، جوناثان كيرشنر، إن العديد من القوى العظمى المختلفة سعت للسيطرة الإقليمية في العصر الحديث، وانتهت جميع هذه المحاولات باستثناء واحدة بكارثة، فقد فشلت فرنسا في عهد لويس الرابع عشر ونابليون بونابرت، وهُزمت ألمانيا بشكل حاسم في كلتا الحربين العالميتين، وانتهت محاولة اليابان لتأسيس نظام مهيمن في آسيا بهزيمة تامة أيضا، وتمكنت الولايات المتحدة وحدها من أن تصبح القوة العظمى الوحيدة في منطقتها، لذا، في العالم الحديث، تصل نسبة النجاح لمحاولات الهيمنة إلى أقل من 20%.
وأضافت أنه علاوة على ذلك، لم تكن الإخفاقات مجرد انتكاسات بسيطة، بل كانت كوارث كبيرة للدول التي قامت بالمحاولة، فعلى سبيل المثال، فقد مليون فرنسي حياتهم في الحروب النابليونية، ومات بونابرت في المنفى في جزيرة نائية في جنوب المحيط الأطلسي، وعانت ألمانيا بشدة في كلتا الحربين العالميتين وانتهى الأمر بانقسام ألمانيا لأكثر من 40 عاما، وتعرضت اليابان للقصف بالقنابل الذرية في الحرب العالمية الثانية، حيث تم تدمير مدينتين بالقنابل الذرية، وأعيد تشكيل النظام السياسي الياباني من قبل محتل أجنبي. 
وتقول المجلة الأمريكية إن محاولات الهيمنة تفشل لسببين رئيسيين، يتمثل الأول في أن القوى الكبرى تميل بشدة لتحقيق التوازن ضد التهديدات، بمعنى أنه عندما تكون دولة قوية في الجوار، وتبدو قواتها العسكرية مصممة لإبراز قوتها ضد الآخرين، ولديها طموحات على حساب دول المنطقة، تتحد القوى المجاورة عادة لردعها أو إلحاق الهزيمة بها، ويتمثل السبب الثاني أو العائق الثاني أمام الهيمنة الإقليمية في القومية، وهو ما تجلى حينما غزا نابليون اسبانيا، وحينما دخل الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة أفغانستان، وكما يحدث الآن في الحرب الروسية الأوكرانية، حيث إن السكان المحليين يقدمون تضحيات هائلة.
وأضافت" لهذا، تعتبر الولايات المتحدة هي الاستثناء الوحيد، حيث إنها القوة الإقليمية المهيمنة الوحيدة في العصر الحديث، وساعد محيط الولايات المتحدة البعيد عن القوى العظمى الأخرى في نجاح تجربتها المهيمنة، وقدرتها على التوسع دون الاضطرار إلى محاربة قوة كبرى أخرى أو مواجهة تحالف من عدد من الدول،
والسؤال المطروح هو: هل يمكن أن تصبح الصين قوة مهيمنة إقليمية اليوم؟، أوضحت "فورين بوليسي" أن الظروف التي سمحت للولايات المتحدة بالسيطرة على نصف الكرة الغربي واستبعاد القوى الكبرى الأخرى، غير موجودة في آسيا اليوم، قد تكون الصين أقوى من أي من جيرانها، لكن العديد منهم قوى صناعية كبرى ذات إمكانات كبيرة، كما أن القوة الكبرى الأخرى في العالم (الولايات المتحدة) تظل ملتزمة بالمساعدة في الدفاع عن هذه الدول (في مواجهة محاولات الصين)، إضافة إلى أن عدد سكان الهند أصبح مقاربا بشكل كبير لسكان الصين، وينمو اقتصادها بسرعة كبيرة، والعديد من جيران الصين رفعوا ميزانيات الدفاع بشكل كبير، في حين دخلت دول بالمنطقة في تحالفات أمنية مع واشنطن مثل أستراليا والهند واليابان. 
وتابعت: كما أن دولا مثل الهند تمتلك بالفعل ترسانة نووية، ويمكن لليابان أو كوريا الجنوبية الحصول على رادع نووي إذا دعت الحاجة، وهو ما سيحد من قدرة الصين على تخويفهم، لذا، فإن عدم دخول جيران الصين في سباق تسلح نووي، يستدعي منها أن تحد من طموحاتها المتعلقة بالهيمنة الإقليمية،أضف إلى ذلك التكنولوجيا الفائقة، حيث تسهل تكنولوجيا المراقبة والاتصالات الحديثة على الدول تحديد القوى المهددة وتنسيق الاستجابات الدفاعية؛ الأمر الذي سيكون من المستحيل معه إخفاء محاولة صينية للهيمنة في آسيا، حيث يمكن للدول المهددة أن تشارك مخاوفها وتجمع الموارد وتشكل استجابة جماعية سريعة.
وشددت "فورين بوليسي" على أنه إذا كانت احتمالات الهيمنة الصينية محدودة، وبما أن الولايات المتحدة والصين بلدان شاسعان يسكنهما مئات الملايين من المواطنين، ولديهما اقتصادين كبيرين، بخلاف امتلاك كل منهما قوة عسكرية تقليدية قوية بقدرات نووية، ويفصل بينهما محيط هائل، ولا يمكن لأي من الجانبين شن غزو ناجح للآخر، لذا فإن التعايش يعد أمرا لا مفر منه.
ولفتت المجلة إلى أن نجاح هذا الطرح وتجاوز فكرة السعي للهيمنة الإقليمية يتطلب من الولايات المتحدة وحلفائها أن يعملوا على التخفيف من العوامل المختلفة التي يمكن أن تعيق التوازن الفعال ويمكن أن تقود بكين إلى استنتاج خاطئ بأن محاولة الهيمنة قد تنجح. 
وأوضحت المجلة أنه يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها أن يوضحوا بشكل لا لبس فيه أنهم لا يحاولون تهديد استقلال الصين أو وحدة أراضيها، أو تقويض سلطة الحزب الشيوعي الصيني (الحزب الحاكم)، أو تدمير الاقتصاد الصيني، أي أن هناك حاجة إلى تعزيز الطمأنينة حتى لا يستنتج قادة الصين أنه ليس أمامهم خيار سوى السعي وراء الهيمنة حتى لو كانت احتمالات النجاح صغيرة.
وأضافت: كما أن اتساق الرسائل ذات الصلة أمر ضروري، فعلى الرغم من أن الخطابات الأخيرة التي ألقاها مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ووزيرة الخزانة جانيت يلين، كانت تهدف بوضوح إلى طمأنة بكين بشأن نطاق وهدف ضوابط التصدير الأمريكية والتدابير الاقتصادية الأخرى، إلا أن الجهود المبذولة لمنح حلف شمال الأطلسي (ناتو) دورا استراتيجيا في آسيا، والبيان الختامي التصادمي لقمة مجموعة السبع الأخيرة أرسل إشارة مختلفة، من شأنها تصعيد التوترات، وبالرغم من أن محاولات الهيمنة فشلت جميعا بشكل كارثي ما عدا واحدة، والصين لن تكون حكيمة في القيام بمحاولة مماثلة، فإن الولايات المتحدة وحلفائها سيكونون غير حكيمين بنفس القدر إذا دفعت أفعالهم بكين للجوء إلى محاولة محفوفة بالمخاطر للهيمنة كخيار وحيد أمامها.